الخيارات المتاحة أمام البلدان النامية: فهمي الكتوت

2015-05-12
الكاتب: فهمي الكتوت 12/5/2015 مع نهاية الحرب العالمية الثانية؛ وانتزاع عشرات الدول النامية استقلالها السياسي، أخذت هذه الدول البحث عن استقلالها الاقتصادي، فاصطدمت بسياسة الاستعمار الجديد، التي تبنتها الولايات المتحدة الأميركية، في أواسط خمسينيات القرن الماضي والتي عرفت، بمشروع ايزنهاور لملء الفراغ، الذي أحدثه انهيار الاستعمار القديم. نجحت أمريكا في استيعاب الدول المحافظة وخاصة الدول التي لم تحصل على استقلال سياسي ناجز، وتعاني من شروط الإذعان. حين انقسمت الدول النامية إلى قسمين الأول، دول محافظة بقيت تحت هيمنة الشروط الاقتصادية الليبرالية، ودول مستقلة أنشأت منظومة دولية عرفت بدول عدم الانحياز، وضعت أسس توجهاتها السياسية والاقتصادية التحررية في مؤتمر باندونج، مستفيدة من الدعم السوفييتي سياسيًا واقتصاديًا. نجحت بعض هذه الدول في إقامة القاعدة المادية لتنمية اقتصادية وطنية، قبل أن تتعرض لانتكاسات سياسية والعودة إلى السياسات الليبرالية. مثل مصر والجزائر وسوريا على سبيل المثال. مع انتهاء الحرب الباردة وصعود العولمة الرأسمالية، أحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، اعتقدت أمريكا أن انتصارها أصبح حاسمًا لا رجعة عنه، وفق رؤية فرانسيس فوكوياما بأبدية الهيمنة الأمريكية ومقولته الرأسمالية نهاية التاريخ، التي رفضت فكريا من قبل علماء الاقتصاد الاشتراكي، وسقطت فعليا في سبتمبر 2008 مع انفجار الأزمة الرأسمالية العالمية. ومع ذلك ما زالت أمريكا تحاول الحفاظ على هيمنتها عالميًا من خلال سلوكها المبني على القوة العسكرية التي فرضتها وما زالت على بلدان العالم، وخاصة على دول الجنوب الضعيفة، فالهيمنة الأمريكية لم تتحقق لأسباب جوهرية، بل لظرف خاص ومؤقت نشأ عن اختلال موازين القوى في مرحلة تاريخية معينة، لم يستمر طويلا، سرعان ما تداعى بفعل الأزمة الاقتصادية، واحتدام الصراع الاقتصادي بين البلدان الصاعدة، والمراكز الرأسمالية. وتحاول أمريكا وحلفاؤها استثمار نفوذهم بتوجيه شروط المساعدات الدولية وفق إعلان باريس لعام (2005) حول فعالية المساعدات، باشتراطها التقيد بمبادئ العولمة الليبرالية، مثل فتح الأسواق، وجذب الاستثمارات الأجنبية، واحترام قواعد منظمة التجارة العالمية. والبلد الذي يرفض سياسات المراكز الرأسمالية - أمريكا، أوروبا، اليابان- يفقد الحق بالمساعدة. ويقول د. سمير أمين إنّ إعلان باريس خطوة للوراء بالنسبة للممارسات القديمة أيام الستينيات والسبعينيات، حيث كان يحترم حق بلدان الجنوب في إتباع نظامها الاجتماعي والاقتصادي الخاص. وقد جاء إعلان باريس لضمان الدول الإمبريالية استمرار هيمنتها على اقتصادات الدول الفقيرة عبر الشروط الليبرالية، التي تفرضها، أما البلدان الغنية بالنفط وخاصة الدول التي تمتلك فوائض ماليّة ضخمة، فقد استدرجت لاستنزاف فوائضها المالية بعيدًا عن الاستثمارات التنموية، بشراء وتخزين الترسانة العسكرية، ويعتبر إنفاقها العسكري من أعلى دول العالم، وقبل أيام أعلنت صحيفة نيويورك تايمز، أنّ الولايات المتحدة تواصل البحث مع دول مجلس التعاون الخليجي لإقامة درع صاروخي في منطقة الخليج العربي، علمًا أنّ هذا الإنفاق الضخم على الترسانة العسكرية لم يحقق الأمن القومي العربي، كما لم يحقق أمن الدول العربية التي تمتلك هذه الترسانة، بل جلب الدمار والهلاك للمنطقة، كما يجري في سوريا والعراق واليمن. إضافة إلى تحول معظم عائدات النفط إلى احتكارات صناعة السلاح في المراكز الرأسمالية وخاصة أمريكا. في حين تعاني المنطقة العربية من أعلى معدلات البطالة عالميا، وفقا لما أعلنه المدير العام لمنظمة العمل العربية أحمد لقمان، إن أكثر من 30% من الشباب العرب يعانون من البطالة جراء النزاعات في بلدانهم وعدم كفاية الاستثمارات الكفيلة بإحداث المزيد من الوظائف، موضحا أنّ عدد العاطلين عن العمل في الوطن العربي قفز منذ العام 2011 بحوالي مليونين، ليناهز حاليًا العشرين مليونًا. وإن إجمالي نسبة البطالة في المنطقة العربية بلغت حوالي 17%، أي أكثر بثلاث مرات من معدل البطالة في العالم. أمّا على الصعيد العالمي فيمكن القول إنّ العولمة الرأسمالية أسهمت في تعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، بحيث أصبح أكثر من نصف سكان الأرض يعيشون تحت خط الفقر. ويطرح الدكتور سمير أمين بديلاَ عن الخضوع للسياسات الإمبريالية في "نادى المانحين"، بإمكانية الحصول على مساعدات من بعض الدول الصاعدة مثل الصين وغيرها. خاصة بعد رفضها الانضمام إلى "نادى المانحين" لرفضها نمط المعونة المشروطة، بقبول دول الجنوب لمبادئ الانفتاح الليبرالي. بينما تعلن الصين احترامها لحرية اختيار الدول لنمط تنميتها الاقتصادية. علما أنّ الصين مؤهلة سياسيًا واقتصاديًا وماليًا وتقنيًا للقيام في بناء منظومة صناعية مستقلة وفعالة في الدول النامية التي ترغب السير في هذا الطريق. حيث تتمتع الصين بإمكانيّات واسعة من الناحية التقنية التي لم تعد حكرًا على الدول الغربية كما كان سابقًا. وأصبحت متفوّقة في بعض القطاعات مثل الطاقة الشمسيّة. وتتمتع بأرصدة مالية ضخمة. لاسيما وأنّ صعود الصين ليس مجرد تحوّل دولة فقيرة تسعى لتحقيق إنجازات اقتصادية فحسب، بل مرتبط بولادة قوى عظمى جديدة، جري التعبير عنها من خلال مجموعة بريكس، وإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار الذي يمكن أن يسهم بدور هام في تنمية اقتصادات الدول النامية.