ملف خاص: في الذكرى الخامسة لرحيل القائد الشيوعي المؤسّس توفيق طوبي

2016-03-29

ملف خاص: في الذكرى الخامسة لرحيل القائد الشيوعي المؤسّس توفيق طوبي

لنلتصق أكثر بفكر توفيق طوبي ورفاقه

* عادل عامر

قبل خمسة أعوام رحل عنا القائد الفذ توفيق طوبي، حاملاً معه عقودًا من النضال المبدئي العنيد.

وقد قيِّض لهذا القائد أن يخوض غمار ميادين الكفاح في أحلك الظروف السياسية التي مرّت على شعبنا العربي الفلسطيني. فكان من جيل المؤسّسين الذين وضعوا المداميك لبُنيان عملاق ومتين ما زلنا نحتمي به حتى اليوم ونلجأ اليه كلما اشتدت العواصف من حولنا ليكون بوصلتنا في اتخاذ الموقف الصحيح.

علاقتي بتوفيق طوبي تتعدى الانتماء السياسي والحزبي الذي جمعنا في حزب واحد. لان اسم هذا القائد ارتبط ارتباطًا وثيقًا ببلدي الصغيرة كفر قاسم. كبرتُ واسم توفيق طوبي وماير فلنر يرافقني، حيث أنهما من فضح وكشف تفاصيل مجزرة كفر قاسم، بعد أقل من أسبوعين من ارتكابها على يد جنود حرس الحدود الاسرائيلي، حين حاولت السلطة بكل جبروتها إخفاء هذه التفاصيل وقبرها.

وقد كانت مجزرة كفر قاسم بالنسبة لتوفيق طوبي ورفاقه في حزبنا الشيوعي، هاجسًا وحدثًا مؤسّسًا، لأنهم أفلحوا في قراءة المجزرة قراءة سياسية صحيحة، واتخذوا الموقف السياسي الصحيح. وهو أنّ الهدف من هذه المجزرة الرهيبة هو تهجير من بقي في وطنه من الجماهير العربية الفلسطينية ليكتمل المشهد بتهجير كل الشعب الفلسطيني من وطنه. وكان هناك مَن حاول وقتذاك أن يأخذ المجزرة الى مناح أخرى، واختزالها في بعدها الإنساني وتجريدها من سياقها القومي والسياسي.

لم تقع هذه المجزرة ضد مواطنين عزّل مسلوخين عن انتمائهم القومي والوطني، وإنما ارتكبت بحقهم فقط لأنهم فلسطينيون. ولذا كان رد توفيق طوبي ورفاقه حاسمًا بأن ضمنوا أن يعلم العالم أجمع بهذه المجزرة لحماية هذه الأقلية من خطر التهجير والاقتلاع واللحاق بركب شعبهم في مخيمات اللجوء.

ولم يكتف طوبي ورفاقه بذلك بل عملوا على أن تكون معركة تخليد ذكرى شهداء كفر قاسم واستنكار المجزرة ورفضها معركة يهودية عربية. وعملوا على تجنيد أوساط يهودية واسعه للوقوف إلى جانب نضال الأقلية العربية الفلسطينية في معركة بقائها، لأنهم كانوا على قناعة تامة أنّ هذا هو مستقبل شعبيْ هذه البلاد.

دأب توفيق طوبي على قراءة الواقع ولكنه لم يكتف بذلك بل عمل على جعل هذا الواقع أفضل وأكثر عدالة. ونحن نسأل أنفسنا دائمًا ماذا كان سيقول ويفعل توفيق طوبي؟

هل كان سيصارح العالم أن هذا النظام الاجتماعي الاقتصادي السائد اليوم هو نظام طاغ ظالم مستبدّ؟

نعم! 

نعم كان سيفعل وبكل طاقته، لأنه آمن بالعدالة الاجتماعية والاشتراكية حتى النخاع، لأنه كان على قناعة تامة أنّ من حق البشرية ومن حق كل إنسان أن يعيش حياة حرة كريمة. فهل كان توفيق طوبي سيسكت عن وجود مليون و700 ألف إنسان فقير في بلادنا، جلّهم من العرب؟ وعن أنّ السبب هو الاستغلال البشع وسياسة الحروب والاستيطان وسيطرة وتمركز القوة الاقتصادية والمالية في حفنة طاغية من البشر؟

لا!

 لا. توفيق طوبي ما كان ليسكت بل كان سيصرخ بأعلى صوته ضد الفقر والاستغلال وضد الحرب ومع أخوّة الشعوب. وأنّ هذا الفقر ليس قدرًا بل بالإمكان القضاء عليه إن توزّعت خيرات الأرض توزيعًا عادلاً.

لقد رسّخ توفيق طوبي ثقافة سياسية عامة قوامها الشراكة اليهودية العربية المبنية على المساواة والندية وعلى أسس كفاحية تسعى الى تغيير واقع هذه البلاد، وفي صلبها إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة في حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين حسب قرارات الشرعية الدولية.

وقد رأى توفيق طوبي وأولى أهمية قصوى لتحقيق هذا الحق للشعب الفلسطيني، لأنه فقط من خلال ممارسة هذا الحق القومي والوطني يمكن التغلب على سياسات الحرب والاستيطان والعربدة. أما غيابه فيفتح المجال لممارسات دموية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهذا ما نشهده يوميا من خلال القمع الوحشي من قبل قوات الاحتلال ومصادرة آلاف الدونمات من الأرض الفلسطينية، وكذلك من أوساط قطعان الفاشية وخير مثال على ذلك الجريمة الوحشية في قرية دوما بحق عائلة دوابشة.

ولكن الأمر لا يتوقف عند المناطق المحتلة بل أخذت هذه الممارسات والظواهر تصل الى داخل إسرائيل من خلال تعمّق ظواهر الفاشية ضد جماهيرنا العربية الفلسطينية وامتداد هذه الظواهر الى كل من يعارض سياسة اليمين الفاشي.

وفقط من خلال النضال المشترك العربي اليهودي يمكننا التصدي لهذه الظواهر ووقف التدهور نحو الفاشية ونحو الهدف الذي يسعى إليه اليمين وهو إخراج الجماهير العربية من دائرة التـأثير السياسي على الخارطة الحزبية والسياسية في اسرائيل. 

إن معركتنا من أجل السلام العادل والدائم هي، أيضًا، معركتنا من أجل المساواة القومية واليومية لجماهيرنا العربية في هذه البلاد. وإننا إذ نحيي في هذه الأيام الذكرى السنوية الـ40 ليوم الأرض الخالد نسجّل بفخر واعتزاز الدور الأساس والحاسم لحزبنا وقيادته، وفي مقدمتهم توفيق طوبي وتوفيق زياد، في إنجاز هذا اليوم التاريخي.

حيث تجلّت في هذا اليوم خلاصة الحكمة السياسية والنضالية المتراكمة لجماهيرنا العربية لتنطلق نحو فضاء جديد من العزة والكرامة القومية والإنسانية، ونحو مرحلة متقدمة من نضالها وكفاحها من أجل البقاء والتطور في وطن الآباء والأجداد.

وكلما التصقنا أكثر بفكر توفيق طوبي ورفاقه كلما كان نضالنا أنجح.

* كلمة السكرتير العام للحزب الشيوعي في زيارة ضريح توفيق طوبي في حيفا، 12 آذار 2016

 

 توفيق طوبي، القائد الشيوعي الكبير

الكاتب: نعيم الأشهب

في هذه المناسبة المهيبة، تعود بي الذاكرة إلى العام 1946، حين انتقل مقّر عصبة التحرر الوطني، في القدس، من غرفة صغيرة في المبنى الملاصق لفرع بنك باركليس (أصبح مقر هذا البنك جزءا من بلدية القدس الإسرائيلية بعد حزيران 1967)، إلى شقة مناسبة في عمارة " شامية"، كما كانت تدعى آنذاك، والواقعة على يمين الطريق الهابط من باب الخليل في اتجاه بركة السلطان ( هدم الاحتلال هذه العمارة بعد حزيران 1967). حينها، راح يتردد على هذا المقر بعض قادة عصبة التحرر لإلقاء محاضرات سياسية وفكرية، كالاميلين توما وحبيبي ورشدي شاهين وفؤاد نصار. وهذا ما أتاح لي فرصة التعرف على هؤلاء القادة، حيث كنت أواظب على حضور تلك المحاضرات. لكنني لم أعرف توفيق طوبي ولا سمعت به تلك الأيام، رغم أنه كان أحد قادة العصبة ¬ كما تبين لي لاحقا. فقد كان موظفا في حكومة الانتداب البريطاني، وكان محظورا على موظفي تلك الحكومة الانضمام إلى الأحزاب السياسية. أي أن توفيق كان يمارس دوره القيادي في العصبة سرا. 

وبعد النكبة، 1948، وتشتت الشعب الفلسطيني وأعضاء العصبة وقادتها، رحنا في الأردن، بعد إلحاق الضفة الغربية بالدولة الأردنية، نسمع باسم توفيق طوبي كأحد أبرز قادة الجماهير الفلسطينية التي أفلحت بالبقاء في أرض الوطن وغدت في إطار دولة إسرائيل. وقد برز اسم توفيق واشتهر، بشكل خاص، عقب اقتحامه مع رفيق دربه طيب الذكر ماير فلنر لبلدة كفر قاسم، خريف 1956، لكشف وفضح ملابسات المذبحة المروِّعة التي ارتكبها حكام إسرائيل الصهاينة بحق سكانها المسالمين، عشية بدء عدوانهم مع كل من بريطانيا وفرنسا على مصر عبد الناصر، عقب تأميمها لقناة السويس المصرية. فقد تحدى توفيق ورفيقه الحصار المضروب على كفر قاسم والأحكام العرفية التي فرضت آنذاك، ليكونا أول من يفضح تلك الجريمة ويكشف تفاصيلها وبشاعتها، هذه المجزرة، التي أريد من ورائها إحداث حالة من الرعب، على غرار مذبحة دير ياسين عام 1948، بحيث تدفع الكثيرين إلى الهجرة واللجوء. وهكذا، فقد حققت تلك الزيارة التاريخية للقائدين الشيوعيين ليس فقط كشف ملابسات الجريمة وفضح مرتكبيها أمام العالم، بل شد عزيمة سكان البلدة المفجوعة وتعزيز إرادتهم على البقاء والصمود في وطنهم. 

والحقيقة، أن التاريخ سيسجل لتلك القيادة الحكيمة والشجاعة بنفس المقدار، والتي كان توفيق في الصف الأول منها، أنها لعبت وعلى مدى عقود الدور الحاسم في قيادة من تبقى من الشعب العربي الفلسطيني وتحوُّله إلى أقلية قومية مناضلة تدافع دون كلل عن حقها في البقاء في أرض وطنها، الذي لا وطن لها سواه، وفي سبيل المساواة الحقيقية وضد العنصرية التي يصعِّدها كل يوم اليمين الصهيوني داخل إسرائيل.

ولولا تلك السياسة الموزونة التي أرساها توفيق ورفاقه لكانت الجماهير العربية داخل إسرائيل تعرّضت لمآسٍ ومحن يصعب تحديد مداها. فالاضطهاد القومي، على مدى الساعة، والتمييز العنصري الواقع على الجماهير العربية في إسرائيل كان يمكن له بسهولة أن يدفع نحو الجنوح إلى مغامرات، كان حكام إسرائيل الصهاينة يتلهفون لوقوعها، لتعطيهم الغطاء لارتكاب أبشع الجرائم بحق هذه الأقلية القومية، بما في ذلك إمكانيات استكمال التطهير العرقي؛ وبالمقابل، لولا المقاومة الواعية والمحسوبة بدقة، لكانت هذه الأقلية القومية انزلقت إلى مواقع اليأس والاستسلام، وبالتالي ذابت وفقدت مقوماتها القومية وأضاعت تراثها وحتى لغتها. في هذا الصدد، شهد أحد قادة الحركة الإسلامية في إسرائيل، ذات يوم، من على شاشة التلفاز، قائلا "لولا جريدة الاتحاد، لنسينا لغتنا العربيةّ!" هذه السياسة الواعية والمسؤولة إلى أقصى مدى، والتي ترسخت كتقليد عام في الحياة السياسية للأقلية القومية الفلسطينية داخل إسرائيل تقترن باسم توفيق ورفاقه دون أية مبالغة. بمعنى آخر: انها سياسة السير اليقظ والمسؤول، على حافة السيف. فأي جنوح مهما كان يمينا أو"يسارا" كفيل بجرّ كوارث غير محسوبة على هذه الأقلية القومية 

ومن المفارقات أن يكون لقائي الأول وتعرفي على توفيق وجها لوجه في ظل الاحتلال، بعد عدوان حزيران1967، كما أنه من سخرية التاريخ أن يتم الاتصال الأول، ولو المؤقت، بين مكوِّنات الشعب الفلسطيني داخل فلسطين الانتدابية، منذ نكبة 1948، في ظل ذلك الاحتلال 1967. فبعد تسللي من الأردن في 28/6/1967، عقب إطلاق سراحي من زنازين السجن العسكري في الزرقاء، بعد عشرة أيام من وقوع عدوان الخامس من حزيران.. وبعد وصولي القدس ببضعة أيام تمَّ أول لقاء، بعد هذا العدوان، بين الحزبين الشيوعيين الإسرائيلي والأردني، الذي كان يضم في صفوفه الشيوعيين الفلسطينيين والأردنيين. وقد جرى هذا اللقاء في بيتي في قرية أبو ديس من ضواحي القدس، وحضره ماير فلنر وإميل حبيبي وهانس ليبرخت، ومن جانبنا رشدي شاهين وأنا ورفيق ثالث لم أعد أذكر بالضبط ان كان فؤاد قسيس أم سواه.

سيطر على الاجتماع واقع الاحتلال ومضاعفاته المنتظرة، وإمكانيات التنسيق بين الحزبين، كل في موقعه وضمن أساليبه في العمل، ضد هذا الاحتلال ومن أجل تصفيته. وبعد هذا اللقاء بأيام، حدث أن تسلل فهمي السلفيتي، الذي كان يقود الحزب الشيوعي الأردني طيلة فترة غياب فؤاد نصار، الذي كان ما يزال، آنذاك، خارج الأردن. وقد توجهنا ¬ فهمي وأنا¬ إلى حيفا والى بيت توفيق. وقد تولّى الرفيق طيب الذكر حسني حداد نقلنا بسيارته، ولم يغادرنا إلا بعد أن أّمّن دخولنا بيت توفيق، وكان ذلك مساء. وقد أمضينا الليل بطوله حتى الصباح، في تناول الحالة الجديدة من مختلف الزوايا والاحتمالات، وإسقاطات هذا الاحتلال على مختلف الصعد: المحلية والإقليمية والدولية. كما تطرق الاجتماع لتحديد طابع المرحلة الطارئة التي خلقها هذا الاحتلال ومهمة النضال المركزية فيها. وقد تبلور الرأي المبدئي باعتبارها مرحلة طارئة،مهمة النضال المركزية خلالها هي "تصفية آثار العدوان". وفي شهر آب من نفس السنة، أي بعد شهرين أو أكثر قليلا من وقوع هذا الاحتلال، أصدر الحزب الشيوعي الأردني برنامجا مرحليا تحت نفس الاسم"تصفية آثار العدوان". في تلك الليلة فقط تعرفت على توفيق وجها لوجه، بينما أحاطتنا والدته، التي كانت ما تزال حية، بضيافتها الدافئة.   

وفيما يتعلق بالحزب الشيوعي الأردني، فانه، قبل تبني البرنامج المرحلي كان يتمسك في برنامجه العام، بقرار التقسيم رقم 181 الصادر في 29/11/1947 والقرار 194 الخاص بقضية اللاجئين، لحل القضية الفلسطينية. وقد استمر العمل بالبرنامج المرحلي فعليا، بالنسبة لنا، بما في ذلك بعد قيام الحزب الشيوعي الفلسطيني في شباط 1982؛ مع التأكيد على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، حتى خريف 1988، حين تبنت الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، والتي شاركنا فيها كحزب شيوعي فلسطيني وكان لنا دور متميز في بلورة قراراتها الواقعية وفي مقدمتها هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس العربية. وفي اعتقادي، اليوم، أنه لو تحقق في حرب تشرين 1973 تحرير الأراضي العربية التي احتلها الإسرائيليون في عدوان حزيران 1967، ولم يجهض السادات بالتواطؤ مع الأميركيين نتائج تلك الحرب، مما حال دون حدوث تعديل جوهري في موازين القوى في المنطقة التي اختلت بشكل خطير نتيجة عدوان حزيران 1967.. لولا هذا الإجهاض لكان من المنطقي والواقعي تماما العودة للمطالبة بتنفيذ قرار التقسيم رقم 181، بخاصة فيما يتعلق بمساحة الدولة الفلسطينية، جنبا إلى جنب مع قرار194 الخاص باللاجئين.

واليوم، يمكن الاعتقاد بأنه إذا لم تتحقق تسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني على أساس قيام دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967، التي يجهضها حكام إسرائيل بالمصادرة للأرض الفلسطينية والاستيطان الكولونيالي الصهيوني، فان التطورات العاصفة في المنطقة والتي راحت تبشر بأن نتائجها النهائية سوف لن تكون لصالح إسرائيل ومعاقل الرجعية في المنطقة، قد تفرز توازنا استراتيجيا جديدا في المنطقة، يجعل من الواقعية والمنطق العودة إلى قرار التقسيم كأساس لحل الصراع الإسرائيلي ¬ الفلسطيني، سواء على شكل دولتين منفصلتين أو كونفدرالية.   

**

وحين جرى اعتقالي من قوات الاحتلال الإسرائيلي، أوائل العام 1968، كان خطر الإبعاد ماثلا وجديا، في ضوء السياسة التي باشرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلية منذ البدء ضد العديد من السياسيين الفلسطينيين. حينها، بادر طيب الذكر المحامي المشهور حنا نقارة، برفع قضية أمام المحكمة العليا الإسرائيلية لعرقلة الإبعاد. وقد حضر هذه الجلسة توفيق كعضو كنيست ومعه رفاق إسرائيليون آخرون، كتعبير عن التضامن مع قضيتي تلك. وقد سجّلت هذه القضية سابقة في مجال عرقلة الإبعاد اوتوماتيكيا. لكن هذه الجلسة سجّلت كذلك وبشكل صارخ واستعراضي تفّوق سلطة أجهزة القمع الإسرائيلية على أعلى مؤسسة قضائية في إسرائيل يفاخرون بها. فقد جرى إدخالي قاعة هذه المحكمة وعلى امتداد الجلسة، مقيد اليدين والساقين بالحديد دونما احترام لهيبة محكمتهم العليا. 

وفي الإبعاد، منذ آب 1971، بعد أن تهدد المرض الخطير بصري في السجن، كثرت لقاءاتي بتوفيق، سواء في مؤتمرات الأحزاب الشيوعية أو فعاليات مجلس السلم العالمي وغيرها. وفي بعض الحالات، كان يعرّج على براغ حيث كنت أعيش في الإبعاد، وكان ينقل لي صورة عن الأوضاع في الداخل، كما كنت أطلعه على المستجدات لدينا في الخارج، وبدوره كان يلتقي برفاقنا في الداخل. وبعد عودتي إلى أرض الوطن بداية أيار1993، تعززت صداقتي بتوفيق، ولم يحدث أن زرت حيفا، حيث يقيم شقيقي عودة، إلا وزرت توفيق في بيته حتى أيامه الأخيرة، حيث كنا نتبادل وجهات النظر حول التطورات والأحداث المستجدة، وفي بعض الأحيان كان يقدم لي وثيقة أو أخرى مما يدخر، كان من بينها كراس صدر في أيلول 1948، في مدينة حيفا، كتبه توفيق بنفسه، ولكن باسم عصبة التحرر الوطني، وتحت عنوان: "لماذا يجب أن نناضل في سبيل الدولة العربية الديمقراطية"، أي وفق قرار التقسيم 181.

وقد كتب الكراس في ظروف ما بعد قيام دولة إسرائيل واستيلائها بالقوة المسلحة على قرابة نصف المساحة المقررة بموجب قرار التقسيم للدولة العربية الفلسطينية، وبعد تشريد مئات الألوف من الفلسطينيين من أرض وطنهم. ويتميز هذا الكراس ليس فقط بتلخيصه لنتائج تلك التطورات المأساوية، وإنما بما تضمنه من تنبؤات وتوقعات زكتها الحياة اللاحقة، كتوقعه بتحوُّل إسرائيل إلى قاعدة أميركية عدوانية في المنطقة، واستمرار مأساة اللاجئين الفلسطينيين زمنا طويلا. وقد قمت بإعداد وضمِّ هذه الوثيقة التاريخية مع الوثيقتين التاليتين: المذكرة التي رفعتها عصبة التحرر الوطني إلى حكومة العمال البريطانية بتاريخ 10/10/1945، وحملت تلك المذكرة اسم "العقدة الفلسطينية والطريق إلى حلها" وترى الحل في دولة ديمقراطية لجميع سكان فلسطين دون تمييز؛ وكذلك المذكرة التي رفعتها العصبة إلى الأمم المتحدة، بعد أن أوفدت لجنة تحقيق دولية لتقصي الحقائق في فلسطين، عقب دورة الجمعية العمومية الخاصة في نيسان 1947 التي تكرست لبحث القضية الفلسطينية، وقد حملت تلك المذكرة اسم "طريق فلسطين إلى الحرية" وتضمّنت اقتراح نفس الحل للقضية الفلسطينية.

وقد صدرت هذه الوثائق الثلاث في كتاب واحد باسم: "ثلاث وثائق تاريخية، عصبة التحرر الوطني في فلسطين، ما بين 1948-1945¬ "، وكان هذا الكتاب الصادر عام 2001، باكورة إصدارات مركز فؤاد نصار،الذي تقرر تأسيسه، عام 1996، بمناسبة مرور عشرين عاما على رحيله. وحين قدمت نسخة من ذلك الكتاب لتوفيق زوّدني بوثيقة هامة أخرى هي عبارة عن صورة للبيان الذي تلاه أميل حبيبي في الكونغرس التوحيدي، في تشرين الأول 1948 بين الحزب الشيوعي الفلسطيني (العضوية اليهودية) وعناصر عصبة التحرر الوطني التي بقيت داخل الأراضي التي أصبحت إسرائيل. وظهر على وجه الوثيقة صورة لرسالة إهداء بخط توفيق لإميل بمناسبة عيد ميلاده الستين، وموقعة بتاريخ 27/8/1981 وجاء في مقدمتها:"لم أجد مناسبة أنسب من يوم ميلادك الستين لإعادة إليك هذه الأمانة التي احتفظ بها خلال الثلاثة والثلاثين عاما من يوم أن كتبت.." والوثيقة بخط يد إميل شخصيا، ويتعرض فيها أيضا لظاهرة عصبة التحرر الوطني. 

وجدير بالذكر، في هذا السياق، أن مقدمة برنامج الحزب الشيوعي الأردني الصادر في أيار 1951، تتعرَّض بدورها لظاهرة عصبة التحرر الوطني. وانطباعي الشخصي أن توفيق، ولا سيما في أيامه الأخيرة، كان يقيِّم ظاهرة العصبة تقييما إيجابيا. وفي رسالة أخرى تلقيتها منه مصحوبة بعدد من الوثائق تتعلق بتاريخ العصبة، بما في ذلك موافقتها على قرار التقسيم واللغط واللبس الذي أحاط بقضية التصويت على ذلك القرار في شباط 1948، يشير توفيق في رسالته إلى ضرورة تجميع الأرشيف الخاص بهذا التاريخ. وقد اختتم رسالته بالفقرة التالية: "بهذه المناسبة اقترحت قبل مدة على قيادتنا أن نقيم بعد مرور هذه السنوات الطويلة أرشيفًا للحزب يحتويه معهد إميل توما في حيفا. أو بالأحرى أن نحوّل المعهد في الأساس إلى مركز وثائق للحركة الشيوعية في البلاد. حبذا لو يكون هذا المجهود مشتركًا. ولكن حتى الآن لم نصل إلى "محطة" - حيفا 15/9/1996.

"وإذا كان توفيق قد غاب عنا جسدا، فهو باق بيننا صباح مساء، بما أرساه من تقاليد نضالية شجاعة ومسؤولة بالقدر نفسه، تعبِّر عن نفسها بشكل حي في كل مظهر من مظاهر مقاومة الجماهير العربية الفلسطينية، داخل إسرائيل، لشتى صنوف الظلم والتمييز العنصري وسياسة القمع والعدوان.

 

توفيق طوبي يصوغ وثيقة عصبة التحرر الوطني- أيلول 1948:

لماذا يجب أن نناضل في سبيل الدولة العربية المستقلة؟

الكاتب: عصام مخول

من شرفة بيته المطل على ميناء حيفا في شارع قيسارية، كان توفيق طوبي يبدو لأبناء جيلي، ميناءنا السياسي، نلجأ اليه كلما اشتدت العواصف والاعاصير السياسية وكلما علا تسونامي التآمر الامبريالي على شعبنا وعلى شعوب المنطقة. نلجأ إليه فنشعر بالطمأنينة، نعيد ترتيب أشرعتنا فكرا ونهجا ومواقف، ونعيد تحديد الاهداف وتنظيم العزائم على أسس مبدئية ثابتة، فنطلق قواربنا السياسية من جديد لنعاود التجديف بعكس التيار في البحر الهائج الذي يحيط بنا وبقضايانا. 

واليوم أيها القائد التاريخي المؤسس، نحن أكثر ما نكون بحاجة الى مينائك. وإذا كنا نفتقد حضورك المهيب، وصوتك العميق وقولك الرصين وحكمتك التي لا تنضب، إلا أننا اليوم أيضا لا نعدم فرصة اللجوء الى إرثك العظيم وبصماتك الواضحة، في مسيرة النضال الوطني، والطبقي، الأممي التقدمي، في هذا الوطن الذي علمتنا أن لا وطن لنا سواه. فإرثك السياسي والفكري ما يزال كاسر الامواج الاقوى في مناهضة الاستعمار والتصادم مع مشاريع الهيمنة الامبريالية وأدواتها الصهيونية والرجعية العربية في المنطقة. 

لجأنا الى مينائك، لنتزود كفاف يومنا، بل كفاف مرحلتنا المتعثرة، من مواقفك المبدئية، وغُصنا في مياهها، لنخرج منها بالوثيقة التاريخية الصادرة عن عصبة التحرر الوطني في حيفا في ايلول 1948 *، وثيقة توفيق طوبي التاريخية، التي صاغها من قلب الجرح الفلسطيني الدامي ومن قلب الوجع الشعبي والانساني العميق فشكّلت ركيزة أساسية لاستيعاب تاريخ شعبنا وأسس التعامل الثوري مع قضيته العادلة الذي يجمع بين الواقعية السياسية والموقف الثوري.

لامسنا الحسرة التي تملكتك وأنت تكتب فصول هذه الوثيقة، وشعور الخيبة والغضب من نجاح ثلاثي المتآمرين – الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية في اختطاف ووأد الفرصة التاريخية الوحيدة، التي كانت حاضرة لانقاذ الشعب الفلسطيني من نكبته المبيَّتة؛ فرصة المشروع السياسي التحرري الديمقراطي المعادي للاستعمار وأعوانه، الذي طرحته عصبة التحرر الوطني التي كنت قائدا مؤسسا فيها. 

ان التاريخ سيسجل أن الخيارات الحقيقية التي وقفت أمام الشعب الفلسطيني عام 1948، كانت إما النكبة.. وإما مشروع عصبة التحرر الوطني والحزب الشيوعي الفلسطيني، القائم على انهاء الاستعمار البريطاني واحتلاله البغيض، وقيام دولة ديمقراطية مستقلة لجميع سكانها وفق عصبة التحرر الوطني، او دولة واحدة ثنائية القومية وفق الحزب الشيوعي الفلسطيني، فنجح الاستعمار وأعوانه في اغتيال المشروع الوطني الديمقراطي التحرري في كلتا الحالتين.

* مشروع كفاحي شجاع من قلب الجرح النازف

وسوف يسجل التاريخ لك، أنك في أيلول 1948، ومن قلب جرح النكبة النازف، والدم ما زال ساخنا ، عرفت أن تنتصب أمام شعبك المنكوب كما يليق بقائد كبير، وقد تشتت رفاقك في قيادة العصبة على مساحة خارطة تشتت شعبهم، وقفت تحلل الحالة الجديد، وتطرح أمام الجماهيرالشعبية الفلسطينية المتعطشة الى خيط من أفق وبصيص من أمل، مشروعا كفاحيا موجها، شجاعا، ومسؤولا، تحدد من خلاله الاهداف الاستراتيجية الملحة المستحقة، وتصوغ برنامج عمل نضالي، في صلبه البقاء في الوطن، والنضال على طريق التحرر والاستقلال، ومقاومة المشاريع الاستعمارية وعملائها العرب واليهود. فأطلقت باسم عصبة التحرر الوطني الموقف الشجاع الذي ما يزال صحيحا وواقعيا، ضمنته في كراس باسم عصبة التحرر الوطني عنوانه : لماذا يجب أن نناضل في سبيل الدولة العربية الفلسطينية؟

لم يكن مفروغا منه في الاوضاع السائدة بعد النكبة، وما حملته معها من تبدد الآمال، وتحطم الأحلام، أن تطرح عصبة التحرر الوطني هذا السؤال وأن تحدد هذا الهدف، في ظل تكالب القوى الرجعية العاتية العربية واليهودية في تنافسها على خدمة المشاريع الامبريالية، وعلى اسقاط خيار الدولة العربية الفلسطينية، بحجةٍ ظاهرها رفض التقسيم، وباطنها رفض الدولة العربية الفلسطينية المستقلة ولو على جزء من فلسطين، في وقت كانت فيه عصبة التحرر الوطني وحدها، دون كل القوى على الساحة الفلسطينية والعربية، التي تطرح مشروع الدولة العربية المستقلة على أرض فلسطين. ولم يتوقف الشيوعيون عن طرحه حتى اليوم . لقد حددت وثيقة العصبة كما صاغها توفيق طوبي ببعد رؤيته:

"ان إنشاء الدولة العربية في فلسطين هو التعبير الوحيد عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني... إن الطريق لانقاذ المجتمع الفلسطيني مما يتهدده من فناء وانقراض هو في قيام دولة مستقلة ديمقراطية يحكمها الشعب نفسه لصالح جماهيره الكادحة، ولا يحكمها حفنة من الرجعيين الخونة الذين يبيعون شعبهم كل يوم في سوق المساومات الاستعمارية.. تلك هي الطريق للقضاء على خطط الاستعمار، ليس في فلسطين فحسب بل في جميع انحاء الشرق العربي ايضا".

ويواجه توفيق طوبي الرجعية العربية الحاكمة في المنطقة بحقيقتها ويفضح دورها التآمري في نكبة الشعب الفلسطيني، ويعريها امام الجماهير الشعبية الجريحة:

"إن احتلال جيوش الدول العربية للأقسام العربية من فلسطين ووقوفها على حدود الدولة اليهودية بل تراجعها عن الكثير والغالي من القسم العربي من فلسطين: عكا وقضائها ويافا واللد والرملة، والناصرة وقضاء الجليل، كل ذلك يوضح تماما أن المؤامرة تستهدف حرمان عرب فلسطين من حقهم في تقرير مصيرهم. لم تدخل جيوش الدول العربية الارض الفلسطينية للقضاء على الدولة اليهودية كما ادعت، بل لاحتلال أراضي القسم العربي ولمنع قيام دولة عربية مستقلة، تكون شوكة في حلق الاستعمار في الشرق العربي، هذا ما أثبتته الأحداث العسكرية الأخيرة وهذا ما أراده المستعمر من وراء تدخل الجامعة العربية". 

ويحدد طوبي في وثيقة عصبة التحرر الوطني بشكل مباشر مشروعه السياسي:

"إن من واجب شعبنا إذا أراد أن يكون مصيره مصير شعب حر مستقل، أن يناضل في سبيل إقامة دولة عربية مستقلة في القسم العربي من فلسطين على أساس قرار منظمة الامم المتحدة وعلى أساس التفاهم والتعاون بين الشعبين العربي واليهودي".

وبعيدا عن نشر الاوهام وإغراق الجماهير بها، صارح توفيق طوبي شعبه، بحجم التحديات التي تنتظر المشروع الكفاحي الذي تدعوهم عصبة التحرر للالتحاق به وتبنيه: 
"
إن نضال شعبنا العربي (الفلسطيني) من أجل إقامة دولته العربية المستقلة، سيصطدم بمقاومة الاستعمار وأُجَرائه من الرجعية العربية والرجعية اليهودية على السواء."

ويربط توفيق طوبي منذ اللحظة الاولى بين هاجسه لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم، وبين انتصار المعركة على إقامة الدولة العربية المستقلة في فلسطين، مؤكدا أن من صنع قضية اللاجئين لن يكون معنيا بحلها، ومن يعرقل قيام الدولة العربية المستقلة في فلسطين فإنه يتواطأ لمنع حل قضية اللاجئين الفلسطينيين فيقول: 

"لا تزال الرجعية العربية تمني اللاجئين بالعودة السريعة، وتهدد بالحرب اذا لم يرجع اللاجئون، وكأن هذه الحرب لم تعلن الا لتشريد أهالي فلسطين. 

"إننا نؤكد لأولئك الذين شردهم الاستعمار- المتآمر مع الصهيونية - والرجعية العربية الخائنة، "إن من شردهم لن يتمكن من إرجاعهم... لن يرجع اللاجئون الى بلادهم نتيجة لمساومات استعمارية بين الرجعية العربية والرجعية اليهودية "... "إن رجوع اللاجئين الى وطنهم، يعتمد على نجاحنا في النضال من أجل إقامة دولة عربية في فلسطين تقوم على أساس التعاون والتفاهم مع الشعب اليهودي. إن قيام دولة عربية ذات سيادة في فلسطين، تسير على هدي قرار منظمة الامم المتحدة هو الضمانة الأكيدة والوحيدة لإعادة اللاجئين"... وتأكيدا على مركزية حل قضية اللاجئين الفلسطينيين ومحوريتها في اي حل سياسي يقول طوبي: "إن قضية اللاجئين هي قضية جميع عرب فلسطين، فإما رجوع الى الوطن، وإما اندثار المجتمع العربي الفلسطيني". 

ويرى طوبي بمنطق عصبة التحرر الوطني ومنطلقاتها الأممية : "إن مصلحة الشعب اليهودي والطبقة العاملة اليهودية في تحرير القسم العربي من فلسطين (المعد للدولة العربية من فلسطين وفق قرار منظمة الامم المتحدة-ع.م) وفي استقلاله وفي سيادة الشعب العربي هي مصلحة مساوية لمصلحة الشعب العربي نفسه". 

"إن نشوء دولة عربية مستقلة في فلسطين، دولة ديمقراطية شعبية هو الضمانة الوحيدة لتحرر الشعب اليهودي من النفوذ الاستعماري، وهو الطريق لمنع الرجعية اليهودية من الارتماء في أحضان الاستعمار"، والحد من قدرتها على تضليل الجماهير اليهودية العاملة وترسيخ الوعي العنصري الزائف المعادي للعرب في أوسع أوساطها، ليس لإحكام الهيمنة الصهيونية على الشعب العربي الفلسطيني فقط وإنما لإحكام هيمنتها على الجماهير الشعبية اليهودية وطبقتها العاملة أيضا. 

وتلاحظ وثيقة توفيق طوبي عملية التقارب بين زعماء "الدولة اليهودية" الوليدة، وبعض الزعماء العرب.. لخدمة المشاريع الامبريالية.وتصل الى الاستنتاج :"إنه تقارب على حساب الشعبين العربي واليهودي في فلسطين، على حساب ألوف الضحايا من أبناء البلاد العربية الذين ذهبوا ضحية مؤامرات الاستعمار وخيانة الرجعية العربية، على حساب الشعب العربي الفلسطيني الذي سيحرم من كل إمكانية للعيش في بلاده حرا مستقلا عزيز الجانب محفوظ الكرامة، تقارب رجعي بين أعوان الاستعمار، عربا ويهود لخدمة الاستعمار ولتنفيذ مشاريعه... إن مستقبلنا ومستقبل أولادنا يعتمد على مدى نجاحنا في نضالنا للقضاء على مشاريع الاستعمار. فمن واجبنا أن نقلب الاقداح على رأس الاستعمار الانجلو – أميركي وأعوانه في الشرق الاوسط وأن نحول النجاح الذي يستهدفونه، الى فشل ذريع لهم ولمشاريعهم."

 * الثابت الرئيسي تآمر الثلاثي الدنس ومقاومة هذا التآمر!

 إن الذكرى الخامسة لرحيل القائد الشيوعي المؤسس توفيق طوبي كانت فرصة للعودة الى هذه الوثيقة التاريخية، في الظروف التي تمر بها المنطقة العربية اليوم، في ظل تمادي ثلاثي الامبريالية والصهيونية والأنظمة الرجعية في المنطقة، التي أخذت تتوهم أن الساعة باتت مواتية لشطب القضية الفلسطينية عن جدول الاعمال، وتعليق الحقوق القومية للشعب الفلسطيني وفي طليعتها حقه في تقرير المصير نهائيا، وضلوع هذه التحالفات في حملة الارهاب المعولم لتفكيك سوريا وتدمير اليمن بعد تفكيك العراق وليبيا والسودان. ويشكل التحالف العدواني السافر بين الحكم العنصري الرجعي في إسرائيل، والحكم الرجعي الوهابي المتخلف في السعودية في خدمة مشروع الارهاب والهيمنة الامبريالية في المنطقة، وتورط هذا التحالف بقيادة اسرائيل والسعودية في الإعداد لحرب عدوانية جديدة على لبنان وعلى المقاومة اللبنانية، قدمت لها قرارات مجلس التعاون الخليجي من رعاة داعش وجبهة النصرة، بتعريف المقاومة اللبنانية حركة إرهابية. إن هذا التحالف السافر يشكل تحديا كبيرا وحضيضا يدنس المنطقة العربية من جديد. 

إن ما يجري من خيانة الرجعية العربية السافرة اليوم، يجعل من تناول وثيقة توفيق طوبي منذ ايلول 1948، ليس حنينا الى وثيقة عن الماضي، بل مرشد عمل في تحليل الواقع الحالي وأشكال قراءته ووسائل مجابهته اليوم أيضا. 

وعلى الرغم من المياه الكثيرة التي جرت في نهر الاردن، والتغيرات الهائلة التي حدثت على عالمنا ومنطقتنا وشعوبها منذ أيلول 1948 وحتى يومنا هذا، إلا أن منطق تآمر الثلاثي الدنس، الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، على الشعب الفلسطيني وعلى شعوب المنطقة وخيانة الحكومات العربية المرتبطة بالمشروع الامبريالي واسرائيل من جهة، ومنطق مقاومة الشعوب ونحن منها، لهذا التآمر من الجهة الأخرى، كانا وما يزالان عاملين ثابتين في جميع المعادلات التاريخية.

* من الشعارات الاستسلامية المشبوهة في الماضي الى الترويج للانهزامية والانتهازية النفعية في أيامنا

على طريق توفيق طوبي ورفاقه في عصبة التحرر الوطني والحزب الشيوعي الاسرائيلي الذين شكلوا مدرسة في الواقعية الثورية، رفضنا منذ النكبة ومن قلب الجراح النازفة دعوات الاستسلام، ومسايرة المشروع الامبريالي السائد. ونرفض اليوم الترويج للمواقف الانهزامية باسم الواقعية السياسية والفكر الانتهازي النفعي الذي يقرّعنا ويوبخنا من على صفحات جريدة هآرتس، ومن مواقع جمعيات المجتمع المدني وصناديق التمويل المرتبطة بمؤسسات اليسار الصهيوني في أحسن الحالات، على "وقاحتنا" في مهاجمة التحالف العدواني القذر بين حكام اسرائيل وحكام السعودية، وقرارات مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، وعلى "وقاحتنا وتحجرنا" في اعتبار الامبريالية الامريكية ومشاريع هيمنتها، قلب المشكلة و"رأس الحية" في المآسي ومشاريع التفكيك في المنطقة، وتقريعنا لأن "الامبريالية" التي نتحدث عنها هي "امبريالية متخيلة" من صنع خيالنا. وتحميل مواقفنا المسؤولية عن أن أكثرية الاسرائيليين يدعمون ترحيل العرب من وطنهم.. 

إن هذا الهجوم المتزامن على مواقف الحزب الشيوعي والذي يصل حد التطاول أحيانا، يعتبر أن في تصرفنا "الأهوج" ما يخدش حياء "المعسكر الصهيوني الديمقراطي" كما يسمونه، بدلا من مطالبة هذا المعسكر بالابتعاد عن أحضان ائتلاف نتنياهو وطرح بديل شجاع وواضح المعالم، لسياسة وفكر اليمين الفاشي المهيمن في اسرائيل. 

ومن واجبنا أن نطمئن كل من يخشى أننا "نصوّب أهدافنا إلى شباك فريقنا"، وأننا نطلق النار على "قواتنا".. نحن نصوب اهدافنا الى شباك أعداء الشعوب، ونوجه ما نملك من نيران سياسية، الى معسكر المتآمرين على الشعوب فقط.. وإذا كان هناك من ذوي القربى من تعرض لأصابة نيراننا، وطالته "أهدافنا"، فمن الأجدر أن يتفحص مواقعه ليتأكد من أنه لا يتمترس في المعسكر الخطأ.