التحالف الديمقراطي؟

2016-08-27

التحالف الديمقراطي؟

محسن أبو رمضان

شهدت الساحة الفلسطينية منذ فترة زمنية طويلة وخاصة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية في عام 1994 على خلفية اتفاق اوسلو حالة الاستقطاب الشديد بين حركتي فتح و حماس، وبسبب عدم الاتفاق على أسس الشراكة الاساسية وطبيعة وبنية النظام السياسي والتعامل مع السلطة كمصدر للنفوذ و السيطرة ونتيجة اختلاف الرؤى و البرامج السياسية و الانشداد الى لغة المصالح الفئوية واسباب اخرى لها علاقة بالتحالفات الاقليمية والدولية والرهان عليها بدلا من الرهان على البيت الداخلي فقد أدى الاستقطاب الحاد الى حالة من الاحتقان والتوتر ثم الانقسام الذي حصل في حزيران 2007، وما زلنا نعيش تبعاته السلبية على المستويات السياسية والتنموية و الحقوقية حتى هذه اللحظة.

ان النظرة لطبيعة الانظمة السياسية التي يهيمن عليها قوتين رئيسيتين دون وجود طرف ثالث تشير الى تكلس الحياة السياسية وعدم ديناميتها وارتهانها الى هاتين القوتين واللتان تتفقان احيانا رغم الخلافات الحادة بينهما ولكن على أسس تضمن مصالح الطرفين (المحاصصة) دون النظر بعناية لمصالح الفئات الاجتماعية المتضررة والى أهمية إعادة إحياء الخيار الديمقراطي التنموي المناسب للمجتمع وبالمقابل فإن الأنظمة السياسية التي تشهد حالة من التعددية الحزبية نجد بها حالة تتسم بالحيوية والنشاط بعيدا عن احتكار صناعة القرار بين قوتين نافذتين حيث تتبدل التحالفات وتتغير و تنشأ أحزاب جديدة وتتفكك بعض الاحزاب القديمة وذلك بالاستناد الى التحولات الفكرية و المجتمعية في المجتمع.

وعليه فإن بروز أفق ثالث في المجتمع بما يساهم في تخفيف الاحتقان ويعمل على تقدم المقترحات و الاليات الرامية الى إعادة صياغة النظام السياسي على اسس وحدوية و تشاركية وغير إقصائية حيث سيكون لهذا القطب الثالث قدرة اذا ما عزز من نفوذه على معالجة تداعيات المشكلات الناتجة عن الانقسام الى جانب مساهمته في اعادة بلورة المسار الوطني على قاعدة موحدة بما اننا ما زلنا نمر في مرحلة تحرر وطني و ديمقراطي.

جرت عدة محاولات منذ التسعينات و ربما قبلها باتجاه تأسيس هذا التيار ألا ان جميع هذه المحاولات لم تنجح للعديد من الاسباب، اهمها الانشداد الى الفئوية والإرث التاريخي التنافسي وتفضيل الذات على حساب الاخر الى جانب الانشداد الى السلطة بما تحويه من مصالح وامتيازات على حساب العمل الجماعي المبني على مصالح و حقوق الفقراء والمهمشين والضعفاء علما بأن الاقتراب من السلطة والاندماج في مكوناتها في أي مجتمع يعني التموضع في بنية نخبوية لها اشتراكاتها ومحدداتها السياسية بما يضعف من هامش الاستقلالية في اتخاذ القرار بعيدا عنها خاصة اذا ادركنا ان هي التي توفر الاموال بما يترتب على ذلك من التأثير بالقرار أمام معيقات تحقيق التيار الديمقراطي المكون من القوى السياسية (الديمقراطية) والقوى المجتمعية والشخصيات المستقلة الى ان قرار هذه القوى مؤخرا بتشكيل التحالف الديمقراطي للمنافسة بانتخابات البلديات في هذا العام على ضوء قرار الحكومة الفلسطينية وانه يشكل خطوة عملية متقدمة قد يساعد انجاحها في تعزيز القناعة بضرورة السير بهذا المسار باتجاه تنميته وتكويره وتقويمه ليصبح أحد المكونات الرئيسية بالمجتمع الفلسطيني الى جانب حركتي فتح وحماس.

من هنا فإن تأسيس التحالف في الوقت الذي له أهمية بالمنافسة الانتخابية له مدلولات أكثر عملية ومنهجية تكمن بتشكيل مسار جديد سيساهم بالضرورة في معالجة العديد من الازمات الداخلية والخارجية بعقلية ديمقراطية كبنية على احترام التعددية والشراكة وتجنب الاقصاء وباتجاه يرمي الى تحقيق الدولة المدنية و الديمقراطية الحديثة.

ان التصويت للتحالف الديمقراطي بالانتخابات البلدية بصورة ايجابية سيساهم في تفكيك السيطرة على القرار الفلسطيني الذي ما زالت تتحكم به قوتين فقط دون مراعاة اراء قطب ثالث يعكس بالضرورة مصالح فئات اجتماعية واسعة بالمجتمع من الاغلبية الصامتة و الشباب و المرأة والمثقفين وغيرهم.

وعليه فإن تأسيس هذا التحالف بالوقت الذي هو ضرورة مجتمعية و فكرية فإنه يشكل في نفس الوقت ضرورة باتجاه صيانة النظام السياسي وتعزيز مقومات السلم الاهلي والمجتمعي.