كنز التعددية لنا أم علينا؟

2016-09-04

 

كنز التعددية لنا أم علينا؟

جميل السلحوت

وجود أكثر من قومية وأكثر من دين وأكثر من لون وأكثر من طائفة في دولة ما هو إثراء لهذا البلد في مختلف المجالات، اذا كان النظام الحاكم نظاما ديموقراطيا، ويحترم سيادة القانون، وتحترم تشريعاته الحريات الشخصية والدينية والسياسية، ويفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويتساوى المواطنون فيه أمام القانون بما لهم وما عليهم، عندها ستتشكل فسيفساء متعددة الألوان، فتثري المجتمع ثقافيا وحضاريا واقتصاديا وتعليميا وعلميا وصحيا واجتماعيا، ويتوحد جميع أبناء الشعب لخدمة الوطن، لأن كلا منهم يرى مصلحته الذاتية بعزة وسؤدد هذا الوطن، ولو أخذنا أمريكا مثالا على ذلك، وهي دولة عمرها اقل من 250 سنة، وسادت العالم في مختلف المجالات، مع أن شعبها خليط عجيب من مهاجري مختلف القوميات والديانات السماوية والوثنية، والعلمانية والالحادية...الخ.... لكنهم متساوون أمام القانون الذي يحفظ لهم حقوقهم الشخصية والعامة، فيتكلمون لغاتهم ويمارسون معتقداتهم الدينية ويفتحون مدارسهم الخاصة ويحافظون على عاداتهم وتقاليدهم بحرية تامة، وقد يغضب البعض عندما نلفت انتباهه الى تركيبة المجتمع الاسرائيلي الذي هو خليط من مهاجرين يهود جاؤوا من قوميات وشعوب وأجناس بشرية مختلفة، وانخرطوا في مجتمعهم الجديد ليشكلوا شعبا وقومية في بضع عشرات من السنين، وليبنوا دولة تتقدم على دول المنطقة في مختلف المجالات.... بل تقهر دول وشعوب المنطقة كلها....ولدينا أمثلة كثيرة أخرى مثل كندا واستراليا ودول امريكا اللاتينة وبعض الدول مثل الهند وغيرها.

أقول هذا وأنا استذكر ما يجري في بعض بلداننا العربية كالعراق ولبنان ومصر والسودان ودول شمال افريقيا، وغيرها، وقد قرأت مئات المقالات والأبحاث حول وضع الأكراد في العراق وسوريا مثلا، وأوضاع التركمان والأشوريين واليزيديين والصابئة والسنة والشيعة والمسيحيين في العراق، والأقباط في مصر، والأمازيج في دول شمال افريقيا، والأفارقة في السودان، والعلويين في سوريا، والشيعة في السعودية والبحرين واليمن، والمسيحيين في مختلف الدول العربية وخصوصا الأقباط في مصر، ووجدت أن الأقليات القومية لم يسمح لها بممارسة حقها حتى في استعمال لغتها، وممارسة ثقافتها التي ترفد الثقافة العربية السائدة بحكم الأكثرية، كما أن الأقليات الدينية مورس بحقها اضطهاد ديني بشكل وآخر، وبتفاوت بين بلد وآخر، مما حدا بالملايين لأن يهاجروا الى بلدان أخرى يجدون فيها انسانيتهم وحقهم في الحياة أكثر مما يجدونها في أوطانهم الأصلية في بلداننا العربية، كما أن البعض منهم لجأ الى التمرد على سلطة الدولة بقوة السلاح، كما فعل أكراد العراق في حقب زمنية مختلفة، وكما فعل الأفارقة في السودان الذين انفصلوا عن الدولة الأم في تموز الماضي بعد حرب أهلية حصدت أرواح أكثر من مليوني شخص.

ولا يخفى على أحد أن قوى خارجية استغلت اضطهاد الأقليات القومية والدينية في محاولة إضعاف بعض الأقطار العربية، من خلال نشر اضطرابات وحروب داخلية، والعمل على تمزيق هذه البلدان، مستغلين ضعف الحكام في احتواء أزماتهم الداخلية، ولنأخذ لبنان مثالا، ونرى كيف يطور الامبرياليون أدواتهم في إضعاف وتفكيك هذا البلد الذي يقوم النظام فيه على أسس المحاصصة الطائفية، ففي العام 1974 دخلت البلاد في أتون حرب طائفية بين المسلمين والمسيحيين، دمرت البلد وقتلت وهجرت مئات الألوف، ولما خرج لبنان من هذه الحرب، ولم تعد لعبة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين تجدي، جرى استغلال اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء الأسبق لاشعال نار الفتنة بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة، وجرى استقطاب آخرين لكل جانب.. وهكذا.... وفي العراق الذي لم ينصف الأقليات فيه يوما في عصره الحديث، يجري ومنذ احتلاله في آذار-مارس-2003 تغذية الخلافات بين مختلف القوميات والديانات والطوائف من أجل تفتيت هذا البلد، وتجزئته الى دويلات عرقية وطائفية، وقد جرّ ذلك الويلات على هذا البلد العظيم، فقتل مئات آلاف المواطنين، وتم تدمير البلد، وهاجر الملايين من أبنائه، ونهب اللصوص والسراق ثرواته، ويجري العمل على تقسيمه ومنعه من العودة الى دوره الريادي في المنطقة.

وعند تقييم هذه الأمور فان الباحثين العرب يحملون القوى الاستعمارية، والأقليات القومية والدينية المسؤولية، أما العرب وغالبيتهم المسلمة فانهم بريئون من هذه المسؤولية، على اعتبار أن بلدانهم العربية مستهدفة من القوى الامبريالية، ويتناسون أن أيّا من الأقطار العربية التي يتواجد فيها أكثر من قومية وأكثر من دين، لم تعمل حكوماتها على إنصاف أبناء الأقليات، بل ساعدت أو غضت النظر عن نشر ثقافة اضطهادهم....فالى متى ستستمر هذه السياسات العمياء؟