قطاع غزة بين البنك الدولي وسفينتي الأمل والزيتونة

2016-09-18

قطاع غزة بين البنك الدولي وسفينتي الأمل والزيتونة

محسن ابو رمضان

سلط التقرير الاخير للبنك الدولي الضوء من جديد على الازمة الاقتصادية في فلسطين والناتجة عن استمرار الاحتلال والاستيطان وتقطيع الاوصال والعدوان والحصار، الامر الذي أدى الى انكماش بالحالة الاقتصادية وتعميق فجوة التمويل في ميزانية السلطة لتصل الى 600 مليون الى جانب الظواهر الاجتماعية الناتجة عن ذلك والمجسدة باستمرار ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وخاصة بين صفوف الشباب، مذكرا التقرير باستمرار تعثر وبطئ عملية اعادة الاعمار التي لم يصل منها اكثر من 46 % من مبلغ التعهد  حيث استمرار وجود حوالي 70 الف انسان خارج منازلهم بانتظار تنفيذ خطط الاعمار التي لم ينفذ منها اكثر من 11% وذلك بما يتعلق بالتدمير الكلي و50 % بما يتعلق بالتدمير الجزئي.

ليس هذا هو التقرير الاول الذي يصدر عن البنك الدولي مؤكدا على خطورة ذلك على حالة الاستقرار بالمنطقة، بل سبقه سلسلة من التقارير الصادرة عنه وعن غيره من المنظمات الانسانية والدولية ومنها الصليب الاحمر والأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة والتي كان ابرزها التقرير الذي أشار بأن غزة لن تكون مكانا صالحا للعيش بالعام 2020.

يتزامن هذا التقرير مع تشديد الحصار على قطاع غزة و الذي تبرز معالمه عبر تعثر عملية اعادة الاعمار كما ذكرنا  وحظر ادخال بعض المواد الضرورية لها، حيث يحظر الحديد احيانا والخشب احيانا والاسمنت احيانا اخرى... وهكذا، الى جانب الهجمة الواضحة على المنظمات الدولية غير الحكومية و تلك التابعة للأمم المتحدة بهدف تجفيف مواردها المالية وإجبارها على وقف خدماتها و انشطتها الانسانية والاجتماعية للفقراء والمتضررين من ابناء شعبنا بالقطاع اضافة الى سحب تصاريح آلاف التجار وتقنينها بالحد الادنى، بما يدحض التصريحات ذات الاهداف الاعلامية الصادرة عن زعماء الاحتلال ومنها تصريحات ليبرمان حول "تسهيلات مرتقبة" لشعبنا وخاصة للعمال علما بانها اذا ما تحققت فإنها ستكون في سياق منهجية سياسية تستند الى رؤية نتنياهو بالسلام الاقتصادي وذلك بدلا من حق شعبنا بتقرير المصير و تحقيق السيادة الوطنية.

 الواضح بان "لحظة التسهيلات" لم تأت بعد لأنها مرتبطة بالحل السياسي الرامي للإجهاز على ما تبقى من القضية الفلسطينية عبر تنفيذ سياسة الادارات المحلية  للباستونتانات في ظل استمرارية مصادرة الاراضي وضم مساحات واسعة منها وزج التجمعات السكانية الفلسطينية في معازل مفصولة بعضها عن بعض بما في ذلك معزل قطاع غزة.

لقد بات واضحا ان تدهور الاوضاع  المعيشية للمواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة ناتج اساسا عن الاحتلال ثم عن الانقسام من حيث غياب رؤية تنموية فلسطينية موحدة ومؤسسات تشريعية وتنفيذية جامعة قادرة على اعاقة ممارسات الاحتلال وعاملة في ذات الوقت على تعزيز مقومات الصمود الامر الذي يحتاج الى سياسات وزارية مبنية على العدالة والمساواة  بعيدا عن العشائرية السياسية والفئوية والاستكساب او الانتفاع جراء السيطرة على السلطة خاصة في ظل تعطل المسيرة الديمقراطية التي كان اخرها افساد الامل البسيط الذي لاح بالأفق بين المواطنين بخصوص انتخابات البلديات والتي جرى ايقافها بقرار من المحكمة العليا، الامر الذي أطاح بإمكانية استثمار الفرصة والبناء عليهما لتحقيق انتخابات للمؤسسات التمثيلية الاخرى ومنها كل من الرئاسة والمجلس التشريعي و المجلس الوطني.

بالوقت الذي نحن بحاجة ماسة الى استمرارية بذل كل الجهود الممكنة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية و تكوين مؤسسات تمثيلية فلسطينية ديمقراطية منتخبة ومبنية على الشراكة بدلا من الاقصاء والاستحواذ، فإننا بحاجة ايضا الى تشديد الكفاح من اجل اعادة تسليط الضوء على الحصار الظالم  المفروض على قطاع غزة منذ حوالي 10 سنوات مصحوبا بثلاث عمليات عسكرية عدوانية واسعة.

ان اعادة تسيير السفن من بعض النشطاء والمتضامنين المؤمنين بقيم السلام والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير المصير ومنها سفينتي الامل والزيتونة التي  ستحمل على متنها نشطاء ونشيطات لديهم مسيرة رائعة بالدفاع عن العدالة وفي رفض القهر والظلم والاستعباد و بالاستناد الى مبادئ حقوق الانسان تشكل خطوة بالاتجاه السليم كما تشكل استجابة لتقرير البنك الدولي ولكل التقارير الدولية المحذرة من استمرارية فرض الحصار على قطاع غزة، من حيث تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية الحادة، فمن الخطأ أن يتم الاهمال في موضوع الحصار وخاصة في ظل زحمة الاحداث بالوطن العربي، الامر الذي أدى الى تراجع مكانة القضية الفلسطينية من اولويات العالم.

لقد بات مطلوبا اعادة استنهاض دور المجتمع المدني فيما يتعلق بالحصار وذلك عبر تنظيم الانشطة والفعاليات الرامية الى ابراز مخاطره من خلال استثمار العلاقة مع قوى التضامن الشعبي والدولي وتعزيز اشكال العمل الدبلوماسي القانوني الى جانب انشطة المقاطعة، كل ذلك بهدف اعادة تظهير مسألة الحصار الذي يشكل وفقا للتعريف القانوني عقابا جماعيا على شعبنا والذي حوله الى اكبر معتقل بالعالم.

ان استنهاض انشطة مناهضة الحصار يجب ان يرتبط في نفس الوقت بالأنشطة المناهضة للاستيطان وتهويد القدس وسياسة المعازل والتنكيل بالمعتقلين المفروضة بالضفة الغربية الامر الذي سيساهم في رفد هذه الانشطة لتصب في نهر واحد مرتبط بالمصلحة الوطنية الجمعية وبما يعزز من لحمة الوطن وتماسكه.