العدوان على "عفرين" :عدوان على كلّ الشعب السوري "النداء" اللبنانية

2018-02-06

العدوان على "عفرين" :عدوان على كلّ الشعب السوري

"النداء" اللبنانية

كتب عمر الديب في افتتاحية العدد الأخير لمجلة "النداء" اللبنانية الصادرة عن الحزب الشيوعي اللبناني، يقول:

شكلت عملية "غصن الزيتون التركية" ضد عفرين ومنطقة الشمال إعتداءً خارجيّاً ومصدراً للحروب والنزاعات الداخليّة السوريّة، كما بين الأطراف والقوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الملف السوري.

وتتضاعف المخاطر بسبب تلك العملية على المدنيين بالدرجة الأولى وهم من يدفعون الثمن لتلك الصراعات المتواصلة.
كان متوقعاً أن يندفع النظام التركي في عدوانه بعد أن تحررت حلب، وحقق الجيش السوري وحلفاؤه بدعم إيراني وروسي إنجازات ضد داعش والنصرة، ما أدى الى تراجع النفوذ الاميركي والاسرائيلي والرجعي العربي وكذلك التركي على إمتداد المناطق السورية، التي شهدت مواجهات عسكرية طاحنة.

لقد فتحت عملية "غصن الزيتون"، الهادفة لاحتلال 22% من الأرض السورية - كورقة أساسية لها في المفاوضات النهائية حول سوريا على أقل تقدير- مرحلة جديدة من مراحل الحرب ضد سوريا والمنطقة العربية، حيث تتداخل الأهداف السياسية بتلك العسكرية من أجل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في الشمال السوري.

فإدارة ترامب أعلنت بشكل سافر، وإستناداً الى المشروع المتجدد والمسمى الشرق الأوسط الجديد، عن إحتلال الجيش الأميركي ل28% من الأراضي السورية، وعن خطتها لإقامة قاعدة عسكرية ثابتة في الشمال السوري تمهيداً لتقسيمها الى كانتونات طائفية وعرقية تدور في فلك الكيان الصهيوني، ولضبط أو ربط المشروع التركي في إطار "المشروع الأم"، مشروع الشرق الأوسط الجديد وتحت سقفه، تسهيلاً لتنفيذ صفقة العصر بإنهاء القضية الفلسطينية، وشطب حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة بإقامة دولته الوطنية وعاصمتها القدس.

وفي هذا الإطار صرّح الرئيس الاميركي وأكّد المسؤولون في إدارته بأن سوريا هي ساحة "المواجهة والاحتواء" لإيران، ومن خلفها روسيا لحماية الكيان الصهيوني، وضرب قوى المقاومة. أولى الخطوات التنفيذية لتلك الخطّة هي تدريب وتسليح 30 ألف مقاتل كردي وسوري من أبناء العشائر العربية كحرس للحدود و"كجيش وطني" جديد شرق الفرات. وسيضم هذا الجيش بقايا المرتزقة الداعشيين الذين التحقوا بمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وبحماية مفضوحة من القوات الاميركية جواً وبراً، كما سيخضع هؤلاء الى عملية "إعادة تدوير" تحت إمرة كردية تابعة للجيش الاميركي في قاعدته المنوي تثبيتها في شمال سوريا.
الجدير بالذكر أن هذه القاعدة العسكرية الجديدة ستكمل عدد القواعد الاميركية الـ 800 المنتشرة في 80 بلداً، والتي تبلغ ميزانيتها 156 بليون دولار سنوياً. الهدف الثاني للإدارة الاميركية هو إفشال مؤتمر سوتشي، والمبادرة الروسية حول الحلّ السياسي في سوريا، حيث لن ترضى الإدارة الأميركية أن تنفرد روسيا، ومعها إيران في توزيع النفوذ ما بعد إنتهاء الحرب في سوريا.

أما الهدف الثالث للإدارة الأميركية فيكمن في وقف التقارب التركي مع روسيا وإيران (الناتج عن إتفاقات أستانا)، وإبقاء اسطنبول أداة طيعة للإملاءات الأميركية وحلف الناتو. فبعد التباعد والتناقض بين حكومة أردوغان والإدارة الاميركية، أعطت إدارة ترامب للحكم التركي ضوءاً أخضر للعملية ضد عفرين، ضمن شروط وحدود جغرافية لا تشكل تعقيدات للمخطط الاميركي مع الاكراد في شمال سوريا.

الهدف الرابع للإدارة الأميركية هو السيطرة الكاملة على الورقة الكردية ومكوناتها السياسية والعسكرية، لحجز مكانٍ بارزٍ على طاولة المفاوضات الآيلة الى حلّ الازمة السورية، وتحديد وجهة السياسة السورية في المنطقة، لا سيما حيال القضية الفلسطينية. فمنذ إندلاع الصراع في سوريا عام 2011، شكلت الحكومة التركية، بقيادة اردوغان وحلفائه الداخليين، ذراعاً قوية في الخطة الاميركية الاسرائيلية والرجعية العربية ضد سوريا. ولعبت تركيا الأردوغانية دور المعبر، والمخزن التسليحي، والمسهل اللوجستي، ومعسكرات التدريب لكل الارهابيين والتكفيرين الذين إستباحوا الاراضي السورية، وسببوا المجازر الوحشية ضد السوريين من عرقيات مختلفة، ونزوح الملايين من المواطنين السوريّين، ونهب الثروات المادية والطبيعية.

لقد كانت تركيا الشريك الأول لداعش والنصرة وأخواتها في أعمال النهب للنفط وآلات المصانع والمزارع في شمال سوريا. وينسجم هذا الدور مع المطامع التاريخية العثمانية التي تضمّنت ضمّ شمال سوريا الى تركيا، ومحاولات تعميم نماذج لواء اسكندرون فيها. وكشفت عملية "غصن الزيتون" مرّة جديدة أن حكم اردوغان لا يعير أي اعتبار للسيادة السورية، وقد عبر الرئيس التركي بفجاجة عن ذلك أمام الإعلام الغربي بالقول: "لن نسمح لأحد بنطق كلمة واحدة مهما حصل، ولن نهتم بعد الآن بأي موقف، وفي هذه اللحظة كل إهتمامنا مركز على عمليتنا على الأرض".

إن الشمال السوري بأكمله محط مطامع تركية وأميركية للسيطرة عليه عسكرياً ومن ثمّ سياسياً. تركيا ترى في هذه المنطقة خطراً تاريخياً على الجنوب التركي ذي الغالبيّة الكرديّة حيث تتداخل الجغرافيا والديموغرافيا والسياسة الكرديّة على طرفي الحدود. أما الإدارة الاميركية فتعتبر الشمال السوري منطقة يمكن من خلال السيطرة عليها، توسيع نفوذها العسكري والسياسي داخل سوريا وتجاه العراق وتركيا معاً. وليس لدى الإدارة الاميركية اوراق لتلعبها في هذه البقعة سوى إستمالة الأكراد السوريين وجعلهم، إن نجحت، أدواتٍ لخلق صراع داخلي جديد على أساس قومي طمعاً بتقسيم البلاد.

إن السلطات التركية تعاني من أزمات سياسيةٍ وإقتصاديةٍ وإجتماعيةٍ متواصلة منذ سنوات. ويمارس الحكم الأردوغاني القمع والقهر ضد كل المعارضين داخل تركيا، وفي مقدمهم الاحزاب والقوى ذات الشعبية الواسعة بين الاكراد والاتراك. وتندرج وظيفة عملية "غصن الزيتون" في بُعدها السياسي التركي الداخلي ضمن التوجه الأردوغاني لإضعاف المعارضة حتى الاستسلام. أما إقتصادياً، فإن السيطرة التركية على منابع النفط والغاز في شمال سوريا، إضافة إلى المياه والثروات الطبيعية والزراعية، فتغدو مصدراً خارجياً لمراكمة ثروات ومداخيل تخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية.

وإذا ما نجحت تركيا في عملية عفرين، ومن بعدها في "منبج"، وكرّست من ثمّ إحتلالها العسكري التركي في الشمال السوري وإدلب، تصبح السلطة التركية قوّة نافذة في مسار إنتاج الحلّ السياسي للحرب السورية على نحو يلبي مصالحها وطموحاتها. وتتقاطع هذه المطامع التركية مع الأهداف الاميركية في الشمال السوري، التي بدأت تتجسّد في بناء قواعدها العسكرية. وقد تتصادم في هذا السياق المصالح والاطماع بين الادارة الاميركية وتركيا، كما أنها قد تتلاقى ليتقاسم الطرفان النفوذ السياسي والعسكري في الشمال السوري.

إزاء هذه السياسات العدوانية الأميركية والتركية معاً ضد سوريا، تقوم روسيا بإعتماد نهجين متوازيين. فهي من جهة تعلن موقفها المتمسك بوحدة الأراضي السورية، إضافة إلى إعادة تعزيز وجودها العسكري والسياسي في سوريا، وعبرها في منطقة الشرق الاوسط. وفي هذا السياق تتواصل مبادرات روسيا لتأمين مسار الحل السياسي عبر الحوار بين معظم المكوّنات السورية، أي الحكومة والعديد من المعارضات السورية، ويأتي مؤتمر "سوتشي" الحالي تجسيداً لهذا الدور، رغم ما يشوبه من غياب لأطياف سياسية معارضة. ولا تتردد الحكومة الروسية بفضح المناورات الأميركية، سواء بإحتضان بقايا مجموعات القاعدة والنصرة والإخوان المسلمين، التي تتزايد إحتمالات إنخراطها في القوة العسكرية المنوي تشكيلها برعاية أميركية في الشمال السوري.

أما النهج الروسي الثاني فهو إعتماد المرونة مع تركيا، عبر إعتبارها شريكاً في عملية أستانا ومن ثمّ سوتشي، والسعي إلى عدم تركها في أحضان الإدارة الأميركية. وفي الوقت نفسه تعرف تركيا أنّ روسيا لن ترضى بأن يشكل الاحتلال العسكري التركي والأميركي للشمال السوري، تهديداً لما حققته من إنجازاتٍ على مستوى دورها ونفوذها ومصالحها.

في المقابل تعتبر إيران أنّ العملية العسكرية التركية تشكّل إعتدءاً على سوريا، وأن الخطة الاميركية في الشمال السوري تمثّل خطراً على الدولة الايرانية. ولن تقف إيران موقف المتفرّج، بل تستمر في دعمها العسكري والسياسي للنظام وحلفائه، وتعزز وجودها المباشرعلى كافّة الصعد. وفي الإتّجاه نفسه يعتبر حزب الله أنّ دوره العسكري داخل سوريا في مواجهة الارهاب التكفيري لم ينته بعد، وهو باقٍ عبر المشاركة العملية مع الجيش السوري في المعارك العسكرية في الشمال السوري وادلب.

وفي إطار الموقف الرسمي الكردي من عملية عفرين التركية، وجدت القوات الكردية نفسها في "ورطة":

فهي رفضت من جهة الاقتراح الروسي بدخول الجيش السوري إلى عفرين، ولكنها وجّهت في المقابل نداءً الى الحكومة السورية بالدفاع عن عفرين لأنّها جزء من الاراضي السورية، بعد تلمّسها الإصرار التركي وكثافة الاعتداءات البرية والجوية، وبعد أن أعلنت الإدارة الاميركية أنّ عفرين لا تعنيها بل همّها الرقة وشرق الفرات باتجاه الحدود السورية العراقية.

هكذا خاب ظنّ الأكراد ولمسوا تكرار المساومة الأميركية عليهم كما حصل مؤخراً في كردستان العراق. وهم يتعرضون راهناً الى ضغوط من العشائر العربية السورية التي تعيش في هذه المنطقة، بدعوتهم للتخلّي عن خطّتهم الرامية الى إقامة كيان كردي بحماية أميركية في الشمال السوري.

إنّ العدوان التركي المتجدّد ضد عفرين هو عدوان على الدولة والشعب والأرض. والخطة الاميركية في الشمال السوري، سواء كانت تنسيقاً أو تحاصصاً أو تنافساً مع الخطة التركية، تمثّل خطراً وإعتداءً سافرين على سوريا ووحدة شعبها وأرضها، كحلقة أساسية من حلقات مشروع الشرق الاوسط الجديد، الهادف الى تصفية القضية الفلسطينية، وتكريس السياسات العدوانية والعنصرية الصهيونية ضد الشعوب العربية، عبر تقسيم الدول العربية إلى كيانات دينيّة إثنيّة طائفية متقاتلة فيما بينها، تسهّل للقوى الكبرى مواصلة نهب وإستغلال الثروات العربية. إن هذا الأمر يجعلنا في الحزب الشيوعي اللبناني معنيين أكثر في مواجهة كلّ من الخطة الاميركية والعدوان التركي ضد سوريا. ولذلك ندعو مجدداً كل القوى اليساريّة والتقدمية والوطنية العربيّة إلى تحمّل مسؤولياتها التاريخية في الانخراط الجدي والمواجهة والعمل الحثيث لبناء مقاومة عربية شاملة للتصدي للمشروع الأميركي والصهيوني والرجعي العربي، ولمشاريع التفتيت والتقسيم المذهبي والقومي في المنطقة.

ويؤكّد الحزب الشيوعي اللبناني أن الحلّ السياسي للأزمة السورية، على قاعدة قيام الدولة العلمانيّة الديمقراطية ووفق ما يقرّره الشعب السوري، هو الأساس الذي يلبي حقوق ومصالح هذا الشعب، ويعطي الحقوق الاقتصادية والثقافية لكلّ المواطنين السوريين على قدم المساواة، وفي طليعتهم الأكراد، ويعزز الدور التاريخي للشعب السوري في مواجهة المطامع والمخططات الاميركية والصهيونية ضد سوريا والمنطقة العربية.