الطريق إلى الجحيم في الشرق الأوسط - مايكل تي. كلير

2018-06-04

الطريق إلى الجحيم في الشرق الأوسط

* مايكل تي. كلير

* أصبح نتنياهو يلعب دوراً رئيسياً في دفع المنطقة، المصابة أًصلا بالشلل، إلى حرب قد تسبب مزيدا من الدمار وتنتج المزيد من الجماعات الإرهابية.

لقد نسوا!

يبدو ان الجميع قد نسوا هنا (في أمريكا)، لكن النظام الثيوقراطي في إيران هو في الواقع صنيعة أيدينا. ذلك أنه في عام 1953، قامت المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات البريطانية بالتخطيط لانقلاب لاستبدال حكومة ديمقراطية في إيران بالشاه الاستبدادي، ومن ثم منحوا الإيرانيين تحديدا ما لم يريدوه (بما في ذلك الشرطة السرية المخيفة، السافاك). إلا أنه في تلك الأيام، كانت تلك الضربات الأمريكية لا تصلنا بسرعة الانترنت. استغرق الأمر ربع قرن من الزمان كي يسقط رجلنا في إيران ويصعد الثيوقراطيين محله. لقد كانوا صنيعتنا بالطبع (كما هو الحال في الولايات المتحدة)، لكن أحدا لم يعد يتحدث عن ذلك.

ثم بدلت واشنطن شركاءها. فقد عثرت إدارة رونالد ريغان على شخص آخر في المنطقة يمكن أن يكون بحق محل إعجابنا، رجل قوي آخر، اسمه صدام حسين، أتتذكرون؟ كان يحكم العراق، وليس إيران، ومثل السعوديين اليوم (والإسرائيليين في كل وقت تقريباً)، أراد الإطاحة بالثيوقراطيين الإيرانيين. (كم يبدو ذلك مألوفاً الآن حيث يبذل دونالد ترامب قصارى جهده لتحطيم الاتفاق النووي الإيراني؟). في عام 1980، شن صدام حرباً عدائية ضد إيران. ومثلما يساعد الجيش الأمريكي الآن السعوديين بالاستخبارات والأسلحة في حربهم الوحشية في اليمن، فقد ساعد صدام حينذاك، مستهدفا الوحدات العسكرية الإيرانية، رغم علمه أن قوات صدام، على الأرجح، سوف تستخدم الأسلحة الكيماوية ضدها. خمسمائة ألف أو نحو ذلك من الإيرانيين قتلوا في ذلك الغزو وما تلاه من حرب كارثية استمرت لثمان سنوات. ثم، في تحول غريب آخر، أصبح صدام فجأة “هتلر“، الرجل الشرير شرا مطلقا.  في عام 1990، أخرج الجيش الأمريكي (وحلفاؤه) قواته من الكويت، وفي عام 2003 قضت عليه إدارة جورج دبليو بوش بالكامل. وفي حال كنت نسيت لحظة “إنجاز المهمة” تلك، دعني أذكرك أنه مثل الكثير الذي فعلته الولايات المتحدة في المنطقة خلال هذه السنوات، لم يكن الأمر ناجحا تماما.

الآن، وكما يشير مايكل كلير المساهم في مدونة توم ديسباتش، يبدو أننا في طريقنا إلى حرب الخليج الثالثة. مرة أخرى، إيران هي العدو. مرة أخرى، مثلما في عام 2003، يحيط بالرئيس مستشارون عدوانيون عازمون على مثل هذه الحرب ويبحثون عن العذر الصحيح لشنها. وإذا كان هذا لا يبدو متكرراً بشكل مخيف بالنسبة لك، حسناً، ماذا يمكنني أن أقول - إلا أن هذا التاريخ الصغير يعطي معنى قاتما جديدًا للمثل الذي كثيرا ما ينسب للفيلسوف جورج سانتايانا، “أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محكوم عليهم بتكراره.” (توم انجلهارت).  

*هل تتواجه واشنطن وتل أبيب والرياض وطهران في كارثة مستقبلية؟

//ترجمة: عايدة سيف الدولة

مع قرار دونالد ترامب بتمزيق الاتفاق النووي الإيراني، الذي تم الإعلان عنه يوم الثلاثاء (8 ايار)، حان الوقت أن نبدأ في التفكير فيما سوف تعنيه حرب خليج ثالثة.

والجواب، استنادا إلى الستة عشر عاما الأخيرة من الخبرة الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير، هو أنها لن تكون جميلة.

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في الآونة الأخيرة أن القوات الخاصة التابعة للجيش الأمريكي كانت تساعد الجيش السعودي سرا ضد الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران. كانت هذه فقط آخر علامة سابقة على إعلان الرئيس ترامب بشأن إيران بأن واشنطن تستعد لاحتمال اندلاع حرب أخرى بين دول الخليج الفارسي. كانت حرب الخليج الأولى والثانية – عملية عاصفة الصحراء (حملة 1990 لطرد القوات العراقية من الكويت) والغزو الأمريكي للعراق عام 2003 – قد انتهيا بـ “انتصارات” أمريكية أطلقت العنان لأنواع ضارية من الإرهاب مثل داعش، وشردت الملايين، وأقضت استقرار الشرق الأوسط الكبير بطرق كارثية. سوف تؤدي حرب الخليج الثالثة – ليس ضد العراق ولكن إيران وحلفاءها – بلا شك إلى “نصر” أمريكي إضافي، كفيل بأن يطلق العنان لأشكال أكثر رعبا من قوى الفوضى وسفك الدماء.

ومثل حربي الخليج الأولى والثانية، قد تشمل الثالثة اشتباكات عالية الكثافة بين مجموعات من القوات الأمريكية وأخرى تابعة لإيران، وهي دولة أخرى جيدة التسليح. وفي حين كانت الولايات المتحدة تقاتل داعش وغيرها من الكيانات الإرهابية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى في السنوات الأخيرة، فإن مثل هذا القتال لا علاقة له بالاشتباك مع دولة حديثة عاقدة العزم على الدفاع عن سيادة أراضيها بقوات مسلحة محترفة، لديها الإرادة، إن لم يكن بالضرورة الإمكانيات، لمواجهة أنظمة التسليح الأمريكية الكبرى.

حرب الخليج الثالثة سوف تميز نفسها عن الصراعات الأخيرة في الشرق الأوسط من خلال النطاق الجغرافي للقتال وعدد العناصر الفاعلة الرئيسية التي قد تتورط فيها. على الأرجح سوف يمتد ميدان المعارك من شواطئ البحر الأبيض المتوسط، حيث يتجاور لبنان مع إسرائيل،  إلى مضيق هرمز، حيث يصب الخليج الفارسي في المحيط الهندي. أم الأطراف المتحاربة فقد تشمل، من جهة إيران، وحكومة بشار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، والميليشيات الشيعية المتنوعة في العراق واليمن، ومن جهة أخرى إسرائيل والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. وإذا خرج القتال في سوريا عن السيطرة فقد تتدخل القوات الروسية.

لقد عملت كل هذه القوات على تجهيز أنفسها بأنواع وكميات ضخمة من الأسلحة الحديثة في السنوات الأخيرة، مما يضمن أن يكون أي قتال كثيفا ودمويا ومدمرا بشكل مروع. لقد حصلت إيران على مجموعة متنوعة من الأسلحة الحديثة من روسيا وتمتلك صناعة سلاح ضخمة خاصة بها. بل أن إيران كانت بدورها تمد الأسد بأسلحة حديثة، ويشتبه في أنها تشحن كميات من القذائف والذخيرة الأخرى إلى حزب الله. أما إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فلطالما كانوا مستقبلين رئيسيين لعشرات مليارات الدولارات من الأسلحة الأمريكية المتطورة، كما وعد الرئيس ترامب بتزويدهم بأكثر من ذلك بكثير.

وهذا يعني، أنه بمجرد اشتعالها، يمكن أن تتصاعد حرب الخليج الثالثة بسرعة وتولد بلا شك أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين والعسكريين، وتدفقات جديدة من اللاجئين. ستحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها شلّ قدرات إيران العسكرية بسرعة، وهي مهمة تتطلب موجات متعددة من الضربات الجوية والصواريخ، بعضها موجه بالتأكيد إلى منشآت في مناطق مكتظة بالسكان. وسوف تسعى إيران وحلفاؤها إلى الرد بمهاجمة أهداف هامة في إسرائيل والمملكة العربية السعودية، بما في ذلك المدن والمنشآت النفطية. من المتوقع أن يقوم حلفاء إيران من الشيعة في العراق واليمن وأماكن أخرى بشن هجمات خاصة بهم على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. إذا بدأ القتال، سوف يكون من المستحيل التنبؤ بما سوف يؤدي إليه كل ذلك، لكن تاريخ القرن الواحد والعشرين يشير إلى أنه مهما حدث، فإن [هذه الحرب] لن تتبع خطط القادة العسكريين الموضوعة بعناية (أو المشرفين المدنيين عليهم) ولن تنتهي بشكل جيد أو متوقع.
كذلك لا يمكننا التنبؤ بطبيعة الحدث أو سلسلة الأحداث التي قد تشعل حربا من هذا النوع. ومع ذلك، يبدو من الواضح أن العالم يقترب أكثر من اللحظة التي يمكن فيها لشرارة معينة أن تؤدي إلى سلسلة من الأحداث المؤدية إلى أعمال قتالية واسعة النطاق في الشرق الأوسط في أعقاب رفض الرئيس ترامب الأخير للاتفاق النووي.

من الممكن، على سبيل المثال، تخيل أن يؤدي صدام بين وحدات عسكرية إسرائيلية وإيرانية في سوريا إلى اشتعال مثل هذا النزاع. يقال إن الإيرانيين أقاموا هناك قواعد لدعم نظام الأسد ولتوصيل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان. يوم 10 مايو قصفت طائرات إسرائيلية عديد من تلك المواقع في أعقاب هجوم صاروخي، يقال أن الجنود الإيرانيين في سوريا هم من أطلقوه على مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. لا شك أن المستقبل سوف يأتي بالمزيد من الضربات الإسرائيلية، حيث تصر إيران على مسعاها لإنشاء ومراقبة ما يسمى بالجسر البري عبر العراق وسوريا إلى لبنان.

هناك شرارة أخرى محتملة قد تتمثل في صدامات أو حوادث أخرى بين السفن البحرية الأمريكية والإيرانية في الخليج الفارسي، حيث كثيرا ما تقترب البحريتان من بعضهما البعض بطريقة عدائية. أيا كانت طبيعة الاشتباك الأولي، قد يتصاعد الأمر سريعا إلى أعمال قتالية واسعة النطاق بأقل قدر من التحذير.

كل هذا يطرح سؤالاً: لماذا تقترب الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة من حرب كبرى أخرى في الخليج الفارسي؟ لماذا الآن؟

الدافع الجيوسياسي

كانت أول حربين في الخليج مدفوعة إلى حد كبير بالجغرافيا السياسية للنفط. بعد الحرب العالمية الثانية، حين أصبحت الولايات المتحدة تعتمد بشكل متزايد على مصادر البترول المستوردة، زاد اقترابها من المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم. وبموجب وثيقة كارتر في يناير 1980، تعهدت الولايات المتحدة لأول مرة باستخدام القوة، إذا لزم الأمر، لمنع أي توقف في تدفق النفط من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى إليها وحلفائها. وكان رونالد ريجان، أول رئيس ينفذ هذه السياسة، قد أذن برفع العلم الأمريكي على ناقلات النفط السعودية والكويتية وحمايتها من قبل البحرية الأمريكية خلال الحرب الإيرانية العراقية التي بدأت في عام 1980 واستمرت لثمان سنوات. عندما كانت الزوارق الحربية الإيرانية تهدد مثل هذه الناقلات، كانت السفن الأمريكية تعمل على إبعادها في أحداث كانت بمثابة أول اشتباكات عسكرية حقيقية بين الولايات المتحدة وإيران. في ذلك الوقت، قال الرئيس ريغان مستخدما عبارات لا لبس فيها: “إن استخدام الممرات البحرية في الخليج الفارسي لن يمليه الإيرانيون.”

كما برزت الجيوسياسة النفطية بشكل بارز في قرار الولايات المتحدة التدخل في حرب الخليج الأولى. حين احتلت القوات العراقية الكويت في أغسطس 1990 وبدا أنها تنوي غزو المملكة العربية السعودية، أعلن الرئيس جورج بوش أن الولايات المتحدة سوف ترسل قوات للدفاع عن المملكة، ومن ثم طبق سياسة كارتر حين استدعى الأمر ذلك، وأعلن أن “بلدنا الآن يستورد ما يقرب من نصف استهلاكه من النفط وقد يواجه تهديدًا كبيرًا لاستقلاله الاقتصادي”، مضيفًا أن “الاستقلال السيادي للمملكة العربية السعودية له أهمية حيوية للولايات المتحدة”.

على الرغم من أن البعد النفطي لاستراتيجية الولايات المتحدة كان أقل وضوحًا في قرار الرئيس جورج دبليو بوش بغزو العراق في مارس 2003، إلا أنه كان لا يزال موجودًا. وقال بعض المقربين من دائرته الداخلية، وخاصة نائب الرئيس ديك تشيني، إن الحاكم العراقي صدام حسين يشكل تهديدًا لسلامة الممرات النفطية في الخليج الفارسي ويلزم إزالته. وكان آخرون في الإدارة حريصين على السعي وراء خصخصة حقول النفط المملوكة للدولة في العراق وتحويلها إلى شركات نفطية أميركية (وهي فكرة من الواضح أنها عالقة في ذهن دونالد ترامب، الذي أكد مراراً وتكراراً خلال الحملة الانتخابية في عام 2016 أنه “كان يجب علينا أن نحتفظ بالنفط”).
اليوم، تراجع النفط، إن لم يكن اختفى تماما، كعامل رئيسي في الجغرافيا السياسية في الخليج الفارسي، في حين انتقلت قضايا أخرى إلى الواجهة. من أهم العناصر في تحفيز المواجهة العسكرية الحالية هو الصراع المتصاعد من أجل الهيمنة الإقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية (مع وجود إسرائيل المسلحة نووياً على الأطراف). فالبلدان يعتبران نفسيهما كمركز لشبكة من الدول والمجتمعات المتقاربة فكريا – إيران كقائدة للجماعات الشيعية في المنطقة، والمملكة العربية السعودية كقائدة للسنة – وكلتاهما تستاءان من أي مكسب يحققه الآخر. ويزيد من تعقيد الأمور، أن يختار الرئيس ترامب، الذي يحمل ضغينة عميقة ضد الإيرانيين، الانحياز للمعسكر السعودي (على حد تعبيره) ، على حين اختارت إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو  التدخل إلى جانب المعسكر السعودي بشكل كبير، خوفًا من أي تقدم إيراني في المنطقة. والنتيجة، بحسب المؤرخ العسكري أندرو باسيفيتش، هي “تنصيب محور سعودي أمريكي – إسرائيلي” و”إعادة تنظيم كبرى للعلاقات الإستراتيجية الأمريكية”.

هناك العديد من العوامل الرئيسية التي تفسر هذا الانتقال من استراتيجية تركز على النفط ملوحة بالقوة العسكرية إلى صراع أكثر تقليدية بين المنافسين الإقليميين، تورطت فيه بعمق آخر قوى عظمى على الكوكب. بداية، تراجع اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد سريعا في السنوات الأخيرة، بفضل ثورة التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة التي سمحت بالاستغلال الضخم للاحتياطي المحلي من خلال التفجير. نتيجة لذلك، فإن الحصول إلى إمدادات النفط من الخليج الفارسي أًصبح أقل أهمية بكثير في واشنطن مما كان عليه في العقود السابقة. في عام 2001، وفقا لشركة النفط العملاقة بريتش بتروليوم، اعتمدت الولايات المتحدة على الواردات بنسبة 61٪ من صافي استهلاكها من النفط. وبحلول عام 2016، انخفضت تلك الحصة إلى 37٪ وما زالت تتراجع – ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة متورطة بشكل عميق في المنطقة، كما يشير للأسف عقد ونصف من حرب لانهائية وتصدي للمقاومة، وقصف بطائرات بدون طيار، وأنواع أخرى من أشكال النزاع.

من خلال غزو العراق واحتلاله عام 2003، أزاحت واشنطن أيضاً قطبا سنيا قويا تمثل في دولة يقودها صدام حسين، الذي كان، قبل عقدين من الزمن، يقف إلى جانب الولايات المتحدة في معارضة إيران. إنه لمن باب السخرية أن يؤدي هذا الغزو إلى مد النفوذ الشيعي ويجعل من إيران الدولة الفائز الأكبر – وربما الوحيد – في سنوات الحرب التي تلت ذلك. يعتقد بعض المحللين الغربيين أن أكبر مأساة للغزو، من وجهة نظر جيوسياسية، كانت صعود السياسيين الشيعة، ذوي العلاقات الوثيقة مع طهران، في عراق ما بعد صدام حسين. وعلى الرغم من أن القادة الحاليين لهذا البلد يبدو أنهم عازمون على اتباع مسار خاص بهم في مرحلة ما بعد داعش، فإن العديد من الميليشيات الشيعية العراقية القوية – بما في ذلك البعض الذي لعب أدوارًا رئيسية في طرد مسلحي داعش من الموصل وغيرها من المدن الكبرى – لازالت تحتفظ بعلاقات وطيدة بالحرس الثوري الإيراني.

رغم كونها في حد ذاتها كوارث، إلا أن الحروب في سوريا واليمن أيضا لم تضف سوى المزيد من التعقيدات إلى رقعة الشطرنج الجيوسياسية التي وجدت واشنطن نفسها عليها بعد الغزو والتي لم تتمكن من تخليص نفسها منها أبدا. في سوريا، اختارت إيران التحالف مع روسيا فلاديمير بوتين للحفاظ على نظام الأسد الوحشي، وتزويده بالأسلحة، والأموال، وعدد غير معروف من المستشارين من الحرس الثوري. كما أرسل حزب الله، أعداداً كبيرة من مقاتليه إلى سوريا لمساعدة قوات الأسد. وفي اليمن، يُعتقد أن الإيرانيين يمدون الحوثيين بالسلاح وتكنولوجيا القذائف، وهم جماعة شيعية متمردة محلية تسيطر الآن على النصف الشمالي من البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء.

السعوديون بدورهم يلعبون دوراً أكثر تأثيرا في تعزيز قوتهم العسكرية وحماية المجتمعات السنية المحاصرة في جميع أنحاء المنطقة. وسعياً إلى مقاومة وعكس ما يعتبرونه تقدماً إيرانيا، ساعد السعوديون في تسليح ميليشيات متطرفة، بل وحتى جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة التي تتعرض للهجوم من القوات الشيعية المدعومة من إيران في العراق وسوريا. في اليمن، في عام 2015، قاموا بتشكيل تحالف من الدول العربية السنية لسحق المتمردين الحوثيين في حرب وحشية شملت حصارًا للبلاد أدت إلى إحداث  مجاعة جماعية، وحملة جوية متواصلة تدعمها أمريكا، كثيرا ما تقصف الأهداف المدنية بما في ذلك الأسواق والمدارس وحفلات الزفاف. وقد أدى كل ما سبق إلى مقتل ما يقدر ب 10000 من المدنيين وأزمة إنسانية فريدة في ذلك البلد الفقير أصلاً.

رداً على هذه التطورات، سعت إدارة أوباما إلى تهدئة الوضع من خلال التفاوض على اتفاق نووي مع الإيرانيين مصحوب بوعود بزيادة العلاقات الاقتصادية مع الغرب مقابل التخفيف من حدة وجودهم خارج حدودهم. لكن هذه الاستراتيجية لم تفز أبدا بدعم إسرائيل أو المملكة العربية السعودية. وفي سنوات حكم أوباما، واصلت واشنطن دعم كل من هاتين الدولتين بشكل كبير، بما في ذلك إمدادهما بكميات هائلة من المعدات العسكرية، وتزويد الطائرات السعودية بالوقود في الجو حتى يتمكنوا من الضرب بشكل أعمق في اليمن، وتزويد السعوديين بالمعلومات الاستخباراتية دعما لحربهم الكارثية.

الثلاثي المناهض للإيرانيين

كل هذه التطورات الإقليمية، القائمة قبل انتخاب دونالد ترامب، اكتسبت زخما إضافيا منذ ذلك الحين، وذلك بفضل الشخصيات الهامة الأطراف فيها.

أولهم، بالطبع، هو الرئيس ترامب. خلال حملته الانتخابية، شجب بشكل منتظم الاتفاق النووي الذي وقعته كل من إيران والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي في يوليو 2015. ذلك الاتفاق، المعروف رسمياً باسم خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) ، أجبر إيران على تعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم مقابل رفع جميع العقوبات المتعلقة بذلك البرنامج. وقد كان اتفاقا التزمت به إيران بدقة. وعلى الرغم من أن الرئيس أوباما، والكثير من كبار صانعي السياسة الأميركيين، ومعظم الزعماء الأوروبيين جادلوا بأن خطة العمل المشتركة الشاملة – مهما كانت عيوبها – وضعت عائقًا قيماً على طموحات إيران النووية (وغيرها)، إلا أن ترامب استمر في التنديد بها واصفا إياها بأنها “اتفاق بشع” لأنه فشل في القضاء على كل بقايا البنية التحتية النووية الإيرانية أو حظر برنامج الصواريخ في ذلك البلد. “لقد كان هذا الاتفاق كارثة”، قال ترامب لديفيد سانجر من صحيفة نيويورك تايمز في مارس 2016.

يبدو أن ترامب، الذي ملأ إدارته بكارهي الإيرانيين، بما في ذلك وزير خارجيته الجديد ومستشار الأمن القومي الجديد، يؤوي عداوة بدائية تجاه الإيرانيين، ربما لأنهم لا يعاملونه بالعشق الذي يشعر أنه يستحقه، إلا أن لديه نقطة ضعف تجاه العائلة المالكة السعودية، الذين يعبرون عن ذلك العشق. في مايو 2017، في رحلته الأولى إلى الخارج كرئيس، سافر ترامب إلى الرياض، حيث أدّى رقصة بالسيف مع أمراء سعوديين وانغمس في ذلك النوع من عروض الثراء التي لا يقدر عليها سوى  ملوك النفط.
خلال وجوده في الرياض، أجرى ترامب محادثات مطولة مع نائب ولي العهد آنذاك، الأمير محمد بن سلمان، ابن الملك سلمان البالغ من العمر 31 عاماً، والفاعل الرئيسي في المسابقة الجيوسياسية للمملكة العربية السعودية مع الإيرانيين. الأمير محمد، الذي يشغل منصب وزير الدفاع السعودي وعُين كولي للعهد في يونيو 2017، هو المحرك الأساسي وراء حملة المملكة (التي لم تنجح حتى الآن) من أجل سحق المتمردين الحوثيين في اليمن، ومعروف عنه أنه يحمل وجهات نظر شرسة معادية لإيران.

في مأدبة غداء سابقة في البيت الأبيض في مارس 2017، بدا بن سلمان، أو م.ب.س، كما يعرّف أحيانًا، والرئيس ترامب في اتفاق ضمني على استراتيجية مشتركة لتوسيم إيران تهديدًا إقليميًا، وتمزيق الاتفاقية النووية، ومن ثم تهيئة المنطقة لحرب محتملة للقضاء على هذا البلد أو على الأقل لإسقاط النظام الذي يديره. أثناء وجوده في الرياض، قال الرئيس ترامب في مؤتمر لقادة العرب السنة إنه “من لبنان إلى العراق إلى اليمن، تمول إيران الأسلحة، وتدرب الإرهابيين والميليشيات والجماعات المتطرفة الأخرى التي تنشر الدمار والفوضى في جميع أنحاء المنطقة. إنها حكومة تتحدث علانية عن القتل الجماعي، وتعهدت بتدمير إسرائيل، وموت أمريكا، والقضاء على الكثير من القادة والأمم الموجودة في هذه القاعة ذاتها.”

في حين أنه ما من شك أن هذه الكلمات أرضت السعوديين والإماراتيين والكويتيين وغيرهم من الحكام السنة المستمعين لها، إلا أنها كانت أيضا صدى لآراء اللاعب الرئيسي الثالث في الثلاثية الإستراتيجية التي قد تقود المنطقة قريباً إلى حرب شاملة، ألا وهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لقد ظل لسنوات يهاجم الطموحات الإيرانية في المنطقة ويهدد بالعمل العسكري ضد أي تحرك إيراني من شأنه، أن يؤثر على الأمن الإسرائيلي، من وجهة نظره. الآن أصبح يرى في ترامب وولي العهد السعودي حلفاء أحلامه. في سنوات أوباما، كان نتنياهو معارضاً شرساً للصفقة النووية الإيرانية واستخدم ظهورا نادرًا أمام جلسة مشتركة للكونجرس في مارس 2015 للتنديد بها دون أي تردد. لم يسبق له أبداً – إلى أن أعلن ترامب انسحابه من الاتفاق – أن توقف عن محاولة إقناع الرئيس بضرورة إلغاء الاتفاق واستهداف إيران.

في الخطاب الذي ألقاه نتنياهو أمام الكونجرس في عام 2015، أعطى صورة عن إيران باعتبارها خطر دائم، سوف يقوم ترامب وحلفاؤه السعوديون باحتوائه لاحقا في  الرياض. وأكد في بيان انفعالي، كما هي عادته “إن النظام الإيراني يشكل تهديدًا خطيرًا، ليس فقط لإسرائيل، ولكن أيضًا لسلام العالم كله”، وأضاف “بدعم من إيران، يذبح الأسد السوريين. وبدعم من إيران، تعيث الميليشيات الشيعية خرابا في العراق. وبدعم من إيران، يسيطر الحوثيون على اليمن ويهددون المضيق الاستراتيجي عند مصب البحر الأحمر، إضافة إلى مضيق هرمز، الذي سوف يمنح إيران موقعا ثانيا لخنق إمدادات النفط للعالم.”

الآن، أصبح نتنياهو يلعب دوراً رئيسياً في دفع المنطقة، المصابة أًصلا بالشلل، إلى حرب قد تسبب مزيدا من الدمار وتنتج المزيد من الجماعات الإرهابية (والمدنيين المرعوبين)، وتخلق فوضى قد تمتد إلى نطاق عالمي، نظراً لأن كلا من روسيا والصين يدعمان الإيرانيين.

الدفع في اتجاه الحرب

انتبه إلى كلمات نتنياهو في واشنطن ودونالد ترامب في الرياض. تأملوها ليس باعتبارها نوع من الخطابة السياسية، بل كنبوات من النوع القاتم. سوف نستمع إلى المزيد من هذه النبوءات في الأشهر المقبلة مع اقتراب الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية من شن الحرب على إيران وحلفائها. وفي حين سوف تلعب الأيديولوجيا والدين دوراً في ما سوف يأتي، إلا أن الدافع الأساسي هو نزاع جغرافي سياسي من أجل السيطرة على منطقة الخليج الفارسي الكبرى، بكل ثرواتها، بين مجموعتين من الدول، كل منهما مصمم على أن يسود.

لا يمكن لأحد أن يقول على وجه اليقين متى، أو حتى إذا ما كانت هذه الأطراف القوية سوف تشن حربا مدمرة جديدة، أو مجموعة من الحروب في الشرق الأوسط. ذلك أن اعتبارات أخرى – مثل تصعيد غير متوقع في شبه الجزيرة الكورية إذا ما فضلت محادثات الرئيس ترامب مع رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، أو أزمة جديدة مع روسيا، أو انهيار اقتصادي عالمي – قد تحول الانتباه إلى جهة أخرى، تقلل من أهمية التنافس الجيوسياسي في الخليج الفارسي. كما أن قيادة جديدة في أي من البلدان الرئيسية يمكن أن تؤدي بالمثل إلى تغيير المسار. نتنياهو، على سبيل المثال، يواجه الآن خطر فقدان السلطة بسبب تحقيقات الشرطة الإسرائيلية الجارية في أعمال فساد منسوبة له؛ وترامب، حسنًا، من يعلم؟ بدون مثل هذا التطور أو هذه التطورات، يبدو أن الطريق مفتوح، الذي سوف يثبت بالتأكيد أنه الطريق إلى الجحيم، أمام حرب ثالثة في الخليج تلوح في أفق البشرية.

* الكاتب أحد أعضاء توم ديسباتش الدائمين، وهو أستاذ في دراسات السلام والأمن العالمي في كلية هامبشاير، ومؤخرا ألّف كتاب “السباق على ما تبقى” (The Race for What’s left).  نشر المقال باللغة الانجليزىة  على موقع TomDispatch