ليس جسما مانعا.. بل هو سدّ منيع في وجه الفاشية - عصام مخول

2019-03-09

ليس جسما مانعا.. بل هو سدّ منيع في وجه الفاشية

* عصام مخول

في كل المعارك الانتخابية التي انخرطت فيها وشهدتها عن قرب منذ العام 1977، لا أذكر معركة أكثر خطورة من الانتخابات التي نخوضها اليوم والتي تصل الى نهايتها في التاسع من نيسان القادم. وخطورة هذه الانتخابات نابعة في أساسها عن الأزمة السياسية والاجتماعية والأخلاقية الخانقة التي يواجهها نظام الحكم الفاسد في اسرائيل والتي أوصلته الى الحائط والأفق المسدود.

وهي أزمة نابعة عن عجز المؤسسة الحاكمة في اسرائيل عن توفير الأجوبة السياسية والأمنية والإجتماعية الضاغطة، ونابعة عن هزيمة المشروع الاقليمي الارهابي بقيادة الامبريالية الامريكية في المنطقة من سوريا ولبنان وحتى اليمن ووصولا الى صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية ولَكْعِها على الرف نهائيا.

ونحن نعرف من التاريخ أن النظام اليميني المتطرف، نظام الشوفينية والعدوان والاحتلال والعسكرة، يبحث في البداية عن مخارج من أزماته المحدقة من خلال التحايل على قواعد اللعبة الديمقراطية الشكلية القائمة على محدوديتها، لكنه ما أن يكتشف عمق الأزمة التي أطبقت على خناقه، وما أن يدرك أن سقوطه بات قاب قوس وأدنى، وأن المهارب من الازمة قد سدّت في وجهه، فإنه سرعان ما يلجأ الى الوسائل الفاشية بهدف تضييق الفسحة التي تتيحها "ديمقراطية البحبوحة"، وصولا الى القضاء على الحريات وحقوق الانسان،والى المجابهة العنيفة مع مؤسسات وآليات "الديمقراطية" البرجوازية نفسها، كالبرلمان والجهاز القضائي وحرية التعبير، والاستيلاء على وسائل الاعلام وترويض حرية الصحافة المحدودة أصلا، وتداخل رأس المال الكبير مع النخب الحاكمة (انظر/ي لوائح الاتهام بحق نتنياهو –موزيس)، وما يجره ذلك من تفريغ العملية الانتخابية من مضمونها، ليضعها جميعا في خدمة ديكتاتوريته السافرة أو إزالتها من طريقه بأكثر الوسائل الارهابية فجوراً،مجبولةً بالتحريض العنصري والاضطهاد القومي وشيطنة الأقلية القومية والقوى التقدمية والثورية في مجتمع الأكثرية نفسه.

كل إناء بالذي فيه ينضح! شرعية الفاشي وشطب مقاوم الفاشية عوفر كسيف

لقد شهدنا بشكل فاضح كيف إن من يمنح الشرعية لترشّح الفاشي الكهاني بن أري للكنيست، هو نفسه يشطب بالضرورة ترشّح أحد أبرز المتخصصين في مقاومة الفاشية في الأكاديميا الإسرائيلية وفي ساحات النضال، القائد الشيوعي والجبهوي د. عوفر كسيف، الذي دافع ببطولة أمام لجنة الانتخابات المركزية في "جلسة الشطب"،عن حقه في رفض الصهيونية وفي إدانة الاحتلال وفي دعم معركة الشعب الفلسطيني التحررية.

نحن نقف في هذه المعركة الانتخابية على أبواب مرحلة نوعية جديدة من الانزلاق الفاشي في اسرائيل، وجدت تعبيرها الفظ في قيام زعيم المعسكر الفاشي في اسرائيل، المدعو بنيامين نتنياهو، بدعوة ممثلي الكهانية التي أخرجتها الكنيست ذاتها منذ ثلاثة عقود خارج القانون بصفتها منظمة ارهابية، ليكونوا مركبا في الحكومة الاسرائيلية القادمة وأداة إرهابية من بين أدواتها، لهدم الحيز الديمقراطي المهلهل أصلا والذي باتت المؤسسة الحاكمة تضيق ذرعاً به.

إن التجارب التاريخية تعلمنا بشكل قاطع أن القوة الأولى المعنية والمرشحة للمبادرة لبناء جبهة مناهضة للانزلاق الفاشي في اسرائيل، هي بالضرورة قوة يسار عربية يهودية مجربة تستند الى عمق شعبي وتملك رصيداً كفاحياً وسياسياً وفكرياً مشهوداً، في صلبها الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.

نحن نعي أن الجبهة لوحدها لا تستطيع ان تصد الانزلاق الفاشي، لكن من دونها لا أحد يستطيع القيام بهذه المهمة. بنينا تحالفنا مع العربية للتغيير قبل الانتخابات، ونبني اوسع التحالفات في مواجهة الانزلاق الفاشي مع القوى الفاعلة على ساحة الجماهير العربية بعد الانتخابات، ولكننا نعرف أيضا أن الجبهة التي نحتاج الى بنائها في هذه المعركة المصيرية يجب أن تشمل كل القوى اليهودية والعربية المعنية بوقف المد الفاشي والعنصري في اسرائيل. وهذا هو التحدي الكبير أمام الناخبين العرب والتقدميين اليهود لتعزيز قوة الجبهة وتحالفها، بعيداً عن تجار اليأس والإحباط ودعاة المقاطعة.

العربي الأليف! وصرعة المقاطعة

في هذه الحالة تصبح مهمتنا الاولى كأقلية قومية ومعها القوى الأكثر تقدمية في المجتمع الاسرائيلي، ليس أن نبني "جسما مانعا" غير مطروح أصلا، بل أن نبني سداً منيعا في وجه الجرف الفاشي، ليس على مستوى العمل البرلماني فقط، وانما في الشارع وفي الميادين وفي ساحات النضال،ومن خلال استنهاض وحدة الصف الكفاحية وتعزيزها، ليس بديلا عن الحضور البرلماني القوي على ساحة الكنيست، وانما استكمالا للمواجهة البرلمانية وإسناداً لها، باعتبارها الساحة الأكثر تعقيدا وإحباطاً أحياناً، ولكنها المنصة الأكثر مركزية وأهميةً التي تتصادم فيها المواقف السياسية ويتصارع على منصتها الفكر الاجتماعي وتناقضات المصالح الطبقية والقومية المتصادمة.

وسيكون من الترف الترويج لنضال برلماني لا يستند الى عمق شعبي كفاحي، وسيكون من العبث بالمقابل الدعوة الى التخلي عن النضال على الساحة البرلمانية، وشن حملة متشنجة تثير غير قليل من الشبهات أحيانا، تدعو بحُرقةٍ الى مقاطعة الانتخابات وتجعل من هذه الدعوة فجأة مشروع حياتها . وهي تشنجات غالبا ما تصدر عن دعاة لا يخرجون من بيوتهم لعمل شعبي او نضالي إلا لِماماً.

لقد دعونا وندعو الى التمييز بين موقف من وصل الى قناعة سياسية أو أيديولوجية أيا كان طابعها، وأياً كان نقاشنا معها، تصل به الى قرار الامتناع مبدئيا او سياسيا عن المشاركة في العملية الانتخابية، وبين من يحوّل الدعوة الى مقاطعة الانتخابات الى مشروع سياسي متشنج .وعلينا أن نحترم خيار الاول وان نحاول إقناعه بأهمية المشاركته في الانتخابات ما استطعنا اليه سبيلا. لكننا لا نستطيع أن نتسامح مع مروجي اليأس والإحباط و"الوطنية" الفضفاضة الفارغة والمتهافتة، بين جماهيرنا في هذه المواجهة السياسية وفي أدق اللحظات والمعارك التي تنتظرنا.

لقد ملأنا الفضاء وبحق خلال الأشهر المنقضية منذ الصيف الماضي بالحديث عن قانون القومية والتحذير من أبعاده على الجماهير العربية وحقوقها وأدائها السياسي . واعتبرنا بحق، أن قانون القومية يرمي الى إخراج الاقلية القومية الفلسطيينية في اسرائيل خارج الشرعية السياسية، وإخراجها خارج دائرة التأثير، وتنفيذ ترانسفير سياسي بحقها، وإلغاء ثقلها السياسي من معادلات القوة في اسرائيل. وتشكّل الانتخابات القريبة بهذا المعنى الفرصة الحقيقية في أيدي أبناء الاقلية العربية الفلسطينية المواطنة في اسرائيل للانتقام من قانون القومية، ومن العقلية العنصرية التي وقفت من ورائه، وإسقاطه مضمونه وقلبه على رؤوس العنصريين. ستكون هذه الفرصة مواتية إذا أحسنا التصرف وتحملنا مسؤولياتنا في هذه اللحظة التاريخية كأفراد وكأقلية قومية، من خلال فرض وزننا السياسي واستنفاذ ثقلنا السياسي والانتخابي، عن طريق أوسع مشاركة عربية وتقدمية يهودية في الانتخابات.

وبغير ذلك، فإن "العربي الأليف" الذي يدعو الى مقاطعة الانتخابات ويواصل تحريضه الفيسبوكي ليل نهار على القوى التي تخوض الانتخابات، ويتنكر لإنجازات سبعين عاما من نضال الحزب الشيوعي والجبهة بما فيه النضال البرلماني، انما بدعوته لمقاطعة الانتخابات يتطوع الى جانب المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة لإخراج الناس من السياسة ودعوتهم الى الغوص في الإحباط والكسل السياسي، ويستميت في إقناع الناس بالنكوص عن المشاركة في حمل الهم العام والاختناق في يأسهم، وهو بذلك يقدم للمؤسسة الحاكمة على طبق من فضة، قانون قومية طوعي، يتبرع في إطاره باسم الوطنية الجوفاء، بإلغاء وزننا وتغييب ثقلنا، وإخراجنا من المعادلات المؤثرة على طابع وطبيعة المجتمع الذي نعيش فيه، والساحة السياسية الاسرائيلية التي قيض لنا دون غيرنا من أبناء شعبنا الفلسطيني ان نخوض صراعاتنا ونضالاتنا عليها .

إن أحد أولئك يطرح نفسه باحثاً، قد فاق الجميع في أدلجة الانتهازية السياسية الرخيصة والاحباط، حيث "أبدع" موقفا فيسبوكيا فاضحا فكتب:

"لا شك أن هناك مقاطعين (للانتخابات ع.م) بسبب الإحباط أو بدهم يعاقبوا. (الجملة ركيكة في الأصل). ما الخطأ أن نحوّل ذلك الى مقاطعة مبدئية؟ أليس هذا تعزيزا للوعي الوطني" .. يا سلام!! على "المبدئية" وعلى "الوعي الوطني".. انه نموذج لعربي أليف، يكتفي بالتسلق على إحباط الناس من أجل الترويج للمزيد من إحباطهم.

ان واجب الساعة هو أن نعد ابناء شعبنا ونحسم أمرنا من أجل ضمان تدفق الناخبين العرب في التاسع من نيسان الى صناديق الاقتراع، لنبني اللبنة الاولى والأساسات المتينة لسد تقدمي منيع في وجه الفاشية، وليفقع نتنياهو ويمينه الفاشي وأحزاب الجنرالات وسياساتها العنصرية!

* رئيس معهد إميل توما للدراسات الفلسطينية - الاسرائيلية