إسرائيل المستفيدة من تأجيج التصعيد في الخليج
صلاح دباجة
تواصل الإدارة الامريكية، منذ إعلان الرئيس الأمريكي المتصهين، رونالد ترامب، الانسحاب، غير المبرر، من الصفقة النووية مع إيران وحتى الاعتداء المشبوه يوم الخميس الماضي على ناقلتي النفط في خليج عُمان يوميًا وبدون كلل، تلفيق التهم الواهية ضد طهران وتحمليها مسؤولية عدم الإستقرار في المنطقة وذلك في محاولة لتبرير نهجها الابتزازي العدواني، بهدف تصفير صادات إيران من النفط وكذلك إنشاء حلف عربي (ناتو عربي) يضم دول الذل والخنوع العربية وإسرائيل، حليفة واشنطن الاستراتيجية في المنطقة ضد إيران بهدف مزعوم ومبتذل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة!
ويبدو ان الدول العربية، الزاحفة على بطونها نحو التطبيع مع إسرائيل، تسعى الى تغيير معادلة ان إسرائيل هي مصدر عدم الاستقرار في هذه المنطقة بدءًا من نكبة شعبنا في العام 48 وحتى اليوم. فإيران في عهد الشاه كانت جارة ليس فقط مقبولة على إسرائيل وانما صديقة وهكذا الامر بالنسبة لأمريكا وزعانفها وحماة مصالحها العرب لأنها كانت تسير على إيقاع السياسة الامبريالية وفي تلم الأنظمة الخنوعة.
أما اليوم، بعد تحرر إيران من الهيمنة الامبريالية، أمست الد أعداء إسرائيل وامريكا وادواتها في المنطقة العربية وأصبحت بنظرهم مصدر عدم إستقرار والتوتر!
ويستغل هذا المحور، محور الشر، كل حادث مهما كان صغيرًا لتصعيد التحريض على إيران ويختلق، على مدار الساعة، مختلف المبررات والافتراءات لبث السموم ضد هذا البلد بهدف تأجيج اجواء التوتر وإيهام الرأي العام عربيًا وعالميًا بعدوانية إيران ومحاولة إقناع الدول، التي ما زالت تثق بإمكانية التفاهم والتعايش معها، بان إيران لا يمكنها ان تكون دولة غير عدوانية!
وليس صدفة ان تسارع الولايات المتحدة والسعودية والامارات وبريطانية لتحميل إيران المسؤولية عن التفجيرات في خليج عُمان قبل ان تقدم هذه الدول اية أدلة حقيقية. وتصعيدًا للأوضاع الخطرة في الخليج استغلت واشنطن وإسرائيل ما أعلنته إيران، الاثنين الماضي، أن إنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب سيتجاوز 300 كيلوغرام خلال 10 أيام، وهو السقف الذي يحدده الاتفاق النووي. واعتبرت واشنطن ذلك "ابتزازا نوويا"، ودعت المجتمع الدولي إلى تشديد الضغط على إيران في هذا السياق.
اما نتنياهو فهدد، الإثنين الماضي، قائلًا: لن نسمح لإيران بحيازة أسلحة نووية، داعيا المجتمع الدولي لمواصلة فرض العقوبات على طهران!!
اما فيما يتعلق بالهجوم على ناقلات النفط في خليج عُمان فانه من غير المعقول ان تنفذ إيران مثل هذا الهجوم في الوقت الذي تنتظر فيه الرد الأوروبي على مقترحاتها فيما يتعلق بالاتفاق النووي وتجاوز العقوبات الامريكية في التجارة معها اذ أمهلت إيران في 8 أيار الماضي الدول الأوروبية المعنية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) 60 يومًا للوفاء بتعهداتها. كذلك من غير المعقول أيضًا ان تتعرض ناقلة نفط تابعة لشركة يابانية في الوقت الذي كان خامينئي يستقبل رئيس وزراء اليابان، الامر الذي حمل وزير خارجية إيران جواد ظريف على القول بان الهجوم مشبوهًا. كما ان البحرية الإيرانية هي من انقذت طواقم ناقلتي النفط المنكوبتين. هذا بالإضافة الى ان إيران استنكرت الهجوم وأكدت سعيها الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
وهنا يطرح السؤال من هو صاحب المصالحة في تصعيد التوتر؟ ويبدو ان الجواب واضحًا. فمن عارض الاتفاق النووي مع إيران وواصل التحريض الارعن عليه واستغل كل منصة لإطلاق التهديدات ضد إيران وبذل جهودًا مضاعفة لجر واشنطن الى مواجهة عسكرية مع إيران وكرس جهودًا كبيرة لإقناع دول أوروبا بالانسحاب من الاتفاق مع إيران، هو نفسه رئيس حكومة اليمين بنيامين نتنياهو وبالتنسيق مع صقور الحرب في البيت الأبيض.
وهنا لا بد من الإشارة الى ما كتبه الزميل جميل السلحوت في "الاتحاد" يوم الاحد الماضي، لمن يشكّكون باحتمال قيام اسرائيل بهكذا عمل عليهم قراءة التّاريخ مرّة اخرى، ففي 8 حزيران 1967 وأثناء حرب اسرائيل على دول الجوار العربيّ، قامت اسرائيل بضرب سفينة "ليبرتي" العسكريّة الأمريكيّة، وقتلت 34 جنديّا أمريكيّا وجرحت حوالي 171 جنديّا وذلك لتحميل المسؤولية لمصر وحلفائها السّوفييت؛ لتبرير ردّ فعل كاسح يضمن النصر لإسرائيل".
وفي محاولة لعدم تفويت فرصة الانتقام من إيران يشهد البيت الأبيض منذ يوم الجمعة الأسبوع الماضي وفقا لوسائل الاعلام مناقشات مكثفة بمشاركة قادة عسكريين رفيعي المستوى وممثلين عن البنتاغون ومستشارين لترامب، حول "تنفيذ هجوم تكتيكي" على إيران.
وكشف مسؤولون دبلوماسيون في الأمم المتحدة ان الهجوم يستهدف منشأة مرتبطة ببرنامج إيران النووي. هذا بالذات ما تريده وتسعى اليه إسرائيل! كما صادق البنتاغون على إرسال ألف عسكري إضافي إلى الشرق الأوسط. كما ان بريطانيا أرسلت هي الأخرى قوة عسكرية الى الخليج.
لكن مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة نفت أن يكون ترامب نفسه متحمسا لشن عمليات عسكرية ضد إيران، وفالت: لكنه "فقد صبره" ومنح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الذي يعتبر من الصقور تجاه إيران، حق اتخاذ القرار بهذا الشأن.
يبدو ان ترامب حقًا لا يرغب في ان تشارك أمريكا في عدوان على إيران في هذا التوقيت بعد ان افتتح الثلاثاء الماضي معركته الانتخابية لدورة رئاسية ثانية، لكنه في ذات الوقت لا يرغب في إضاعة هذه اللحظة ومن غير المستبعد ان يعتمد في ذلك على السعودية والامارات في تنفيذ هذه المهمة. وقرار ترامب، وفق أنظمة الطوارئ، المصادقة على صفقة سلاح بأكثر من 8 مليار دولار للسعودية والامارات على الرغم من قرار الكونغرس الأمريكي بحظر بيع الأسلحة لهذين البلدين قد يؤكد صحة هذا التوقع. وهناك احتمالات عديدة أخرى متاحة لواشنطن قد يكون بضمنها السماح لإسرائيل بتنفيذ مثل هذه المهمة بمساعدة أمريكية.
وهذا ما حمل الكرملين والاتحاد الأوروبي على الدعوة الى المزيد من ضبط النفس وعدم التهور. وحث المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، جميع الأطراف إلى ضبط النفس وإلى تقييم مسؤول لحادثة خليج عُمان والتريث إلى حين الحصول على بيانات مؤكدة. وقال: "لم ننس المسحوق الأبيض"، (في إشارة كما يبدو إلى الذريعة التي تم بها تبرير غزو العراق). وحذر بيسكوف من أن مثل هذه الحوادث يمكن أن تهز الاقتصاد العالمي وبالتالي، لا يمكن الاعتماد على الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة.