مرة أخرى: تطبيع اسرائيل يجب أن يسبق التطبيع معها! - عصام مخول

2019-08-24

مرة أخرى: تطبيع اسرائيل يجب أن يسبق التطبيع معها!

عصام مخول

التلهي بأوهام المشاركة في ائتلاف حكومي من دون تحول جذري في المفاهيم السائدة في اسرائيل يضر بنضال الجماهير العربية والنضال الديمقراطي والاجتماعي التقدمي!

حين يتوجه النائب أيمن عودة -لو توجه- الى القضاء لمقاضاة جريدة يديعوت أحرونوت والصحفي ناحوم برنياع، الذي أجرى مقابلة موسعة معه وينشرها في الجريدة الاكثر انتشارا في اسرائيل صباح اليوم، وحين يطالب عودة الصحيفة والصحفي، بالاعتذار والتصحيح والتوضيح، بسبب ما نسب اليه من مواقف تتناقض جوهريا مع سياسة الحزب الشيوعي والجبهة وتشكل انقلابا "تاريخياً" (كما تصفها الصحيفة) على الفكر السياسي الذي تطور في إطار الحزب والجبهة، عبر عقود طويلة من النضال السياسي المبدئي والموقف الملتزم الذي انتخب على أساسه مرشحو قائمة الجبهة وبضمنهم ايمن عودة للكنيست، فإن النائب عودة سيجدنا الى جانبه، حزبا وجبهة، كوادر ومؤسسات نصد عنه افتراءات وتشويهات يديعوت أحرونوت وتشهيرها، وسنقف معه في مطالبة الصحيفة باحترام مرشحينا والترفع عن البهرجة وألعاب السيرك السياسي التي روجّت لها والبعيدة كل البعد عن تراث الحزب الشيوعي والجبهة وموروثهما الكفاحي كما عكستها المقابلة.

إن ادعاء يديعوت أحرونوت بأن أيمن عودة صرّح بأنه يدعم إمكانية التوصية بمرشح كاحول لفان بيني غانتس لمهمة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، ويدعم إمكانية انضمام القائمة المشتركة الى الائتلاف الحكومي برئاسة غانتس "بشروط معينة"، هو كلام خطير لم يناقش في اي إطار مخوّل للبت فيه، ويتناقض مع الأسس الاولية للمفاهيم السياسية الموجِّهة للأجسام السياسية العريقة، الجبهة التي يشكل الحزب الشيوعي عمودها الفقري، التي انتخبت عودة ورفاقه، والتي ترسل ممثليها الى الكنيست ليعبروا عن سياستها ومفاهيمها لا لينقلبوا عليها.  إن هذه الاقوال المنسوبة الى أيمن تندرج في باب التشهير وتشويه اسمه، ونحن نتوقع منه ان يقوم بمقاضاة الصحيفة ولا شيء أقل من ذلك،  ونحن ندعمه في ذلك فهو يمثلنا في القائمة ولن نقبل أن يلطّخ اسمه بما نسب اليه من تصريحات وتشويه مواقف.

ونحن نعتبر أن المحاولة المنهجية في الخطاب السياسي السائد على الساحة الاسرائيلية، لتحميل ضحية سياسة التمييز العنصري والاضطهاد القومي والاجتماعي، وفي طليعتها وصلبها، الأقلية القومية العربية الفلسطينية المواطنة في اسرائيل وممثليها،  المسؤولية عن أوضاعها وبؤس حالها وعن كونها ضحية، يهدف الى تهريب المسئولية الملقاة على مؤسسة الحكم وأحزابها الحاكمة وتلك المرشحة للحكم من جهة، والى ابتزاز الضحية سياسيا وتمنينها بنيل حقوقها من الجهة الاخرى، وينبع عن ذلك اشتراط تحسين أوضاعها بتغيير سلوكها وتجليبها الى قواعد اللعبة السياسية السائدة في ملعب الظالمين وأصحاب سياسة الاضطهاد القومي والظلم الاجتماعي والاستعلاء الصهيوني والاحتلال والاستيطان والضم والحروب. وكل ذلك باسم براغماتية سياسية مشبوهة لا قاعدة حقيقية لها ولا سياق.

ومنطق هذه المنهجية، أنه لو وافقت الاحزاب الممثلة للناخبين العرب في إسرائيل الدخول في الائتلاف الحاكم، وقبلت بالتدجين السياسي، فعندها فقط يمكن ان تتقدم قضاياها !.. وفقط لو وافق الشبان العرب على الخدمة في الجيش او اقتنعوا بالامتثال لمشروع الخدمة المدنية لانتهى التمييز ضدهم وتوقف هدم البيوت وما كان ليتم تشريع قانون القومية! لقد رفضنا في الماضي وأفشلنا على طول الطريق ونرفض اليوم وسوف نفشل في المستقبل أية محاولة للانجرار الى هذا المنطق. إن وقف هدم البيوت العربية، ووقف هدم القرى العربية في النقب، ووقف سياسة التمييز، وبناء المرافق الصحية والاقتصادية في المناطق العربية، والمساواة في الميزانيات، وتحمل الحكومة مسؤولياتها في وقف العنف المستشري في قرانا ومدننا، لن يحدث نتيجة اندماجنا في ائتلاف حاكم يتحفز لخوض حرب مدمرة على غزة ونزع الشرعية عن المواطنين العرب في اسرائيل، وانما يحدث نتيجة تصعيد المعركة البرلمانية والشعبية ضد هذه السياسات ومن اجل انتزاع الحقوق، وتجربة الشعوب تعلمنا أنه لا توجد طرق سحرية لتقصير المسافات واستبدال المعركة البرلمانية والشعبية في مواجهة مع سياسات الائتلاف الحاكم والائتلاف المرشح للحكم بعد أيلول القادم بنشر الاوهام حول امكانية الاندماج بالحكم والائتلاف الحاكم، قبل ومن دون أن يحدث الانقلاب على الفكر السياسي العنصري المهيمن في اسرائيل منذ سبعين عاما.

إن هناك من يقوم بخلط الزيت بالماء، فإذا كان الهجوم على حركة كاحول لفان وأحزاب صهيونية أخرى عادلا بسبب تنكرها لوزن المواطنين العرب ورفضها التعامل مع ممثليهم في الكنيست، وتمنّعها حتى اللحظة الاخيرة عن اشراك نائب عربي على منصة مظاهرة المعارضة ضد نتنياهو في تل ابيب، واذا كانت مطالبة كاحول لفان  بالتراجع عن نهجها العنصري المتغطرس  صحيحا، فإنهذا لا يعني أبدا أن تراجعها بشكل خجول عن مواقفها العنصرية المتعالية وقبولها بعقد اجتماعات خجولة مع بعض نواب المشتركة، (كما نشرت يديعوت أحرونوت في حواشي المقابلة المذكورة)  يجعل من الصحيح والمباح سياسيا الحديث عن الاندماج في ائتلاف حاكم بقيادة غانتس دون إحداث تغيير بنيوي جوهري خارج أسس الاجماع القومي الصهيوني وبديلا له.

إن عقلية اللوبي السائدة في بعض جمعيات المجتمع المدني الممولة حتى العنق، بديلا عن النضال من أجل الحقوق، لا تنفع جوابا للسياسة وللأطر السياسية التمثيلية الفاعلة وللدفاع عن حقوق شعب وتطور مجتمع. فبعض هذه المنظمات وخصوصا بعضها الممول من مصادر أمريكية واسرائيلية صهيونية،  تلعب دورالمدجِّن الاساسي على ساحة الجماهير العربية، بعد أن تهاوت تاريخيا أساليب وآليات حزب المباي وحزب العمل واليسار الصهيوني.  وسيكون علينا ان نَحْذَر ونحذِّر من هذا الدور ومن انعكاساته على الخطاب السياسي  والايديولوجي على النهج الكفاحي لجماهيرنا وعلى مجمل العمل السياسي.

الجسم المانع مثل التاريخ:  مرة يظهر كتراجيديا ومرة على شكل كاريكاتور

وسيكون من العبث محاولة الربط بين مضامين الافكار التي نشرتها "يديعوت أحرونوت" ونسبتها الى النائب أيمن عودة، من القبول بالجسم المانع، والقبول في ظروف معينة بالدخول في ائتلاف حاكم يشكله بيني غانتس، وبين تجربة الجسم المانع عام 1992 التي قادها توفيق زياد في ظروف مختلفة تماما،  أصبح الجسم المانع ممكنا عام 1992 في الأوضاع التي أعقبت الانتفاضة الفلسطينية الشعبية الباسلة وتراجع مؤسسة الحكم في اسرائيل عن لاءاتها،واعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية وقبولها مبدأ انهاء الاحتلال أساسا لحل سياسي تحت وطأة الانتفاضة الفلسطينية المظفرة، إن شيئا من هذا ليس متوفرا الان انما العكس هو الصحيح، وإن أية محاولة للمماثلة بين الفكرتين لا تتعدى كونها ربطا ميكانيكيا سطحيا ومسيئا للعقل وللمنطق وللتاريخ ولصانعيه.

ليست هذه هي المرة الأولى التي ألجأ فيها إلى عنوان هذه المقالة. فتطبيع اسرائيل وتحويل طبيعتها وطابعها تحويلا تقدميا وديمقراطيا، خاليا من التمييز والمصادرة، وخاليا من سياسات الاحتلال والاستيطان والتوسع  وخاليا من التنكر للحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني، يجب بالضرورة أن يسبق التطبيع العربي معها، بل إن ثمن التطبيع مع إسرائيل يجب أن يدفع بالعملة الفلسطينية الصعبة. هذا صحيح عندما كنا نناقش تهافت الرجعية العربية ودول الخليج على التطبيع مع اسرائيل والتي تتعمق في السنوات الأخيرة في التحضير لصفقة القرن، تماما كما أن تطبيع اسرائيل داخليا ونسف أسس الاجماع القومي الصهيوني السائدة فيها، والانتقال من نزع الشرعية عن الاقلية القومية العربية الى التأكيد على هذه الشرعية في جوهر تعريف الدولة، ومنع التمييز القومي بالقانون، وتحويل اسرائيل تحويلا ديمقراطيا مناهضا للفاشية وللتشريعات العنصرية المعادية للعرب وللطبقات الشعبية العاملة، يجب أن يسبق التطبيع معها داخليا أيضا، وأن يُشتَرَطَشرطاً مسبقا لأية مناقشة لفكرة المشاركة في ائتلاف حاكم فيها.