وعد نتنياهو - عبد الحسين شعبان

2019-09-18

وعد نتنياهو

عبد الحسين شعبان

في خطوة لا تبدو خارج السياق، أعلن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو عشية انتخابات الكنيست (22)، نيّته ضم «غور الأردن» وشمال البحر الميت إلى «السيادة الإسرائيلية»، في حال فوزه بالانتخابات (التي جرت أمس)، وقد حرص نتنياهو على جذب أصوات اليمين بشكل عام واليمين المتطرّف بشكل خاص، لتوسيع القاعدة الانتخابية لتحالف الليكود، وذلك بأمل تكليفه بتشكيل الحكومة التي فشل في تشكيلها في الانتخابات الأخيرة في 9 إبريل/ نيسان 2019، حيث تطلّب حصوله على 61 عضواً في الكنيست من أصل 120.

وبعيداً عن التوقيت الانتخابي، فثمة جوانب قانونية دولية لمثل هذا التصريح الخالي من الدبلوماسية، فضلاً عن الجوانب السياسية والعملية، لاسيّما العسكرية وغير العسكرية، خصوصاً إمكانية تحقيقه، والوسائل التي سيتم اتباعها، والمدّة الزمنية لوضعه موضع التطبيق، علماً أنه لا يأتي اعتباطاً، وإنما ينبع من خلفية فكرية وسياسية استراتيجية للدولة العبرية، التي ظلّت تتطلّع إلى استكمال المخطط الصهيوني بإجراءات وخطوات متواترة، وصولاً إلى تحقيق أهدافها منذ قيامها في 15 مايو/ أيار عام 1948.

وقد شجّع نتنياهو على استهتاره بالقانون الدولي وتجاسره في إطلاق مثل ذلك «الوعد»، دعم الولايات المتحدة، لاسيّما في ظل رئاسة دونالد ترامب، الذي تجاوز في اندفاعه بتأييد «إسرائيل» من سبقوه من الرئاسات الأمريكية، وخصوصاً رئاسة بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما، الذين وضعوا «حلّ الدولتين» في برامجهم، وإنْ كان بدرجات متفاوتة.

وكان ترامب قد أعلن في مايو 2018 نقل سفارة بلاده إلى القدس، بالضد من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 الصادر في 20 أغسطس /آب 1980 والقاضي بعدم الاعتراف بقرار الكنيست بضم القدس، وناشد الدول والبلدان إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية منها، كما يتعارض مع قواعد القانون الدولي المعاصر والقانون الإنساني الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ولاسيّما اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وملحقيها لعام 1977، التي تعتبر القدس الشرقية «محتلّة» من جانب «إسرائيل» بعد عدوان 5 يونيو /حزيران عام 1967.

وفي 25 آذار/ مارس 2019 اعتبرت واشنطن «مرتفعات الجولان السورية» جزءاً من السيادة «الإسرائيلية» بحكم «الأمر الواقع»، ومثّل ذلك انتهاكاً شديداً للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة التي لا تجيز ضمّ الأراضي بالقوة، كمكاسب للحرب بحجة «الأمر الواقع»، مثلما يتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 الصادر في العام 1981 بشأن «بطلان ضمّ هضبة الجولان المحتلة» الذي اتخذه الكنيست «الإسرائيلي».

ويشمل «وعد» ضم «غور الأردن» (القطاع الشرقي للضفة الغربية) نحو 120 كلم من منطقة «عين جدي» قرب البحر الميت جنوباً ولغاية الخط الأخضر جنوبي بيسان شمالاً، ويبلغ عرضه 15 كلم، وكان الكيان الصهيوني قد وضع عينه عليه منذ احتلاله الضفة الغربية في العام 1967، وكثيراً ما كان يلوّح بين فترة وأخرى بضمّه، خصوصاً في المنعطفات السياسية الحادة والصراعات الحزبية الشديدة.

جدير بالذكر أن «إسرائيل» أقامت أكثر من 26 مستوطنة في هذه المناطق خلال العقود الخمسة الماضية، وكانت تنظر إلى «غور الأردن» باعتباره عمقاً «إسرائيلياً»، متجاهلة اتفاقية أوسلو الموقعة بين الجانب الفلسطيني و«الإسرائيلي» العام 1993، على الرغم من أنها لم تلبِّ الحد الأدنى من مطالب الشعب العربي الفلسطيني. وكان إيجال ألون منذ العام 1982 قد أطلق فكرة استراتيجية مفادها اعتبار نهر الأردن حدوداً شرقية للدولة العبرية، وأكّد اسحق رابين ضرورة «منع كيان فلسطيني مشاطئ للبحر الميت» للحيلولة دون حصول تماس جغرافي مع أي رقعة عربية، وهكذا تجتمع عوامل الجيوبولتيكا مع عناصر الديموجرافيا تحت عنوان «أمن إسرائيل»، وهو ما حاول نتنياهو استثماره لأغراض انتخابية، حين جعل ذلك هدفاً يسعى إليه، وبالتالي أساساً لأية تسوية سياسية.

وتركّز الاستراتيجية «الإسرائيلية» على «غور الأردن» بدلاً من ضم كامل الضفة الغربية إليها ذات الكثافة السكانية، حيث يبلغ عدد نفوسها أكثر من 3 ملايين نسمة، في حين أن غور الأردن لا تزيد نفوسه على 200 ألف فلسطيني يمكن إجلاؤهم بالتدرّج وعبر عمليات ترانسفير، أو حتى احتجازهم في أسوار وممرّات أقرب إلى المعسكرات.

وحسب وجهة النظر «الإسرائيلية» سيكون «غور الأردن» حاجزاً «إسرائيلياً» أمنياً في التصدي لأي تهديد يأتي من الضفة الشرقية، وهو ما اعتبره نتنياهو «الجدار الحامي الشرقي»، كما أن السيطرة على غور الأردن تعني السيطرة على الأحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية، خصوصاً الأحواض الشرقية وتكريس الفاصل الجغرافي بين فلسطينيي الضفة الغربية وفلسطينيي الأردن الذين يمثّلون عمقاً ديموجرافياً لأي كيانية فلسطينية مستقبلية، حيث تسعى «إسرائيل» لتطويق الضفة عبر حاجزين: الأول، شرقي يضم غور الأردن.. والثاني، غربي وهو جدار الفصل العنصري (القائم) بالضد من الشرعية الدولية وقرار محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 9 يوليو/ تموز 2004.