في البحث عن مخرج! - مهند عبد الحميد

2019-11-26

في البحث عن مخرج!

مهند عبد الحميد

نعيش مأزقا عنوانه استباحة إسرائيلية أميركية للحقوق الوطنية الفلسطينية طولا وعرضا، يترافق مع عجز دولي وعربي عن اعتراض وإبطال الاستباحة. ما يجعل الإجراءات والمواقف الاسرائيلية والأميركية سارية المفعول وتتحول الى أفعال ووقائع على الأرض. فقد جاء القرار الأميركي بتشريع الاستيطان كثمرة جديدة لانعدام الردود العملية على ضم الجولان وضم القدس ونقل السفارة الأميركية إليها، وشطب قضية اللاجئين، وبعد أن تأكد للإسرائيليين ولإدارة ترامب سقف الاعتراض وهو الاستنكار والشجب الدولي والعربي. الاستثناء الوحيد كان نجاح الدولي والعربي على شطب «الأونروا» لأنه تم إقران الاعتراض بإجراءات عملية، وجرى تثبيت «أونروا» كمؤسسة وكأدوار.

وجاء التصعيد الأميركي الإسرائيلي بعد ان انكشف أيضا ضعف ردود الفعل الشعبية في سائر البلدان بما في ذلك فلسطين. فالشعوب العربية تعيش أزمات طاحنة، وانتفاضاتها تتركز على المطالب الحياتية، والتغيير الذي تنشده لا يتجاوز تبديل شكل الحكم من حكم مستبد فاسد الى حكم ديمقراطي يستجيب لمطالب الشعوب في الخبز والكرامة والحرية والديمقراطية. لم تطرح علاقات التبعية الاقتصادية والهيمنة ولم تطرح القضايا الوطنية، ولم تتحرك الشعوب العربية ضد قرارات وإجراءات نتنياهو – ترامب.

وتغيب أي معارضة إسرائيلية جدية لمشروع تصفية حل الدولة الفلسطينية، وفرض نظام «ابرتهايد»، تكشف ذلك بشكل جلي أثناء الحملات الانتخابية في دورتين متتاليتين، حين لم يبد وجود اختلاف جوهري بين برنامجي معسكر نتنياهو ومعسكر غانتس.

في مقابل ذلك، بقي الموقف الرسمي الفلسطيني على حاله، كبرنامج وتكتيك، وكأن شيئا لم يكن. ليس المقصود هنا الانتقال من برنامج الى برنامج، وإنما التوقف عند التبديد الإسرائيلي لكل عناصر ومقومات البرنامج الفلسطيني وإفقاده لمضمونه وتحويله الى شكل بلا معنى. ما جعله غير مقنع لفئات وشرائح جديدة من الشعب، التي باتت تعتقد انه صار غير قابل للتطبيق. ولا شك ان كل برنامج غير قابل للتطبيق يفقد معناه واهم عنصر فيه وهو الزخم والالتفاف الشعبي. في ظل هذه المتغيرات يصبح بقاء الخطاب والتكتيك على حالهما جزءا من المشكلة. صحيح ان القيادة السياسية عملت على الانضمام لهيئات دولية بغية طرح ملفات الاستيطان وضم الأراضي وتهويد القدس العربية وغير ذلك. إلا ان وتيرة الفعل كانت اقل بما لا يقاس من وتيرة الاستيطان والضم الزاحفين، وأضعف من الرد الإسرائيلي الذي يتولى مهمة تفكيك الخطوات الفلسطينية وقطع الطريق عليها وإحباطها. ولم يستطع الموقف الفلسطيني حلحلة الموقف العربي ولا حتى إحراجه. بل يحول الرضا الفلسطيني بالموقف العربي وبالدفاع عنه، الى حالة سريالية.

إن انسداد وغلق شرايين الجبهة السياسية الرسمية يسمح بتصاعد هجوم نتنياهو - ترامب، وبتحقيق أهدافهما في الضم والإقصاء والتصفية. إزاء ذلك مطلوب البحث عن بدائل، وعندما تكون القضية الفلسطينية هي المستهدفة فإن البداية بالضرورة يجب أن تكون فلسطينية. مطلوب بداية او بدايات فلسطينية تمارس حق النقض على السياسات العدائية والتصفوية الأميركية الاسرائيلية، وتفتح الجسور لمشاركة شعوب عربية. الحراكات تبدأ بمواقف وسياسات مستقلة بعيدا عن الحسابات والمجاملات الرسمية. آن للعقول الفلسطينية المفكرة في كل مكان أن تصحو وتقدم الأفكار الخلاقة التي تُبنى عليها مهمات ملموسة، ليس مرة واحدة وإنما بشكل متواصل. فلا يعقل ان يتحول الشعب الفلسطيني الى متفرج أمام اخطر التهديدات التي تمس مصيره.

مطلوب ان يقول الشعب الفلسطيني موقفه الاحتجاجي الواضح والصارخ من تحالف ترامب نتنياهو. وان يصل هذا الموقف للعالم. لنحدد يوما نقول فيه «لا» قاطعة للولايات المتحدة. وليتكرر بأشكال متنوعة. وهذا يحتاج الى لجان تبحث في أشكال جديدة للاحتجاج العملي على السياسة الأميركية.

قضية اللاجئين المعرضة للتصفية بأشكال مختلفة، لماذا لا يعاد طرح هذه القضية بأشكال غير تقليدية بمشاركة اللاجئين وعبر الملتقيات والمؤتمرات والأنشطة في مختلف البلدان التي يتواجد فيها لاجئون في الشتات وفلسطين وخاصة في قطاع غزة. لا يكفي  إصدار بيان وتنظيم فعالية موسمية كل عام. المطلوب وضع هذه القضية على نار ساخنة وتطوير المبنى التنظيمي والإداري، والتقدم بمبادرات ومطالب للدول المضيفة وللمؤسسات الدولية. بما في ذلك إعادة تنشيط الذاكرة، وخوض معارك قانونية وعلى مستوى حقوق الإنسان.

وجبهة مقاطعة إسرائيل التي تتعرض لهجوم ضار إسرائيلي وأميركي ويميني أوروبي. تحتاج الى دعم وإعادة تفعيل وتطوير، وبخاصة لجهة إضافة مقاطعة المؤسسات والسلع الأميركية من قبل الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده وبخاصة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك ردا على مواقف إدارة ترامب.

صحيح ان القيمة الاقتصادية لهذه المقاطعة محدودة، لكن قيمتها الرمزية كبيرة جدا، وقد تؤدي الى الانتشار في بلدان عربية. والانتقال من المقاطعة الفلسطينية الانتقائية، إلى المقاطعة المدروسة وتقديم نموذج مؤثر للمقاطعة، قابل للتعميم. ان تقديم قاعدة معلومات بالشركات التي تعمل في المستوطنات وفي المشاريع الاسرائيلية داخل الأراضي المحتلة يعتبر مقدمة لإدراجها ضمن القائمة المطروح مقاطعتها. وهناك حاجة لتقديم قاعدة معلومات عن التطبيع الاقتصادي والأمني والثقافي والسياسي بين الدول العربية وإسرائيل توطئة لمطالبة الشعوب العربية التدخل لوقف تطبيع بلدانها مع دولة تستبيح الحقوق الفلسطينية وتدمر الحل السياسي الذي وعدت به.

ما يهم، إعادة بناء جبهات النضال الفلسطينية ضد التصفية الأميركية الاسرائيلية، بأساليب جديدة غير نمطية ولا تقليدية. الجامعات الفلسطينية من المفترض ان تتحول الى مراكز لإطلاق موجة المعارضة والاحتجاج المنظمين. حشد الآلاف وتقديم رسالة للشعوب الصديقة، ولكل داعمي حق الشعب الفلسطيني بالخلاص من الاحتلال وبانتزاع حريته، أهم من قصر الاحتجاج على مجيء عشرات من قاذفي الحجارة الشجعان.

أتخيل وجود آلاف على مستديرة «الستي ان في البالوع» يحاكمون ترامب ونتنياهو، ووجود عشرات الآلاف في الساحات الحدودية مع قطاع غزة يطرح قضية اللاجئين والحصار، الشيء نفسه في القدس والخليل ونابلس وقلقيلية ورفح وأريحا. وفي السياق تطرح قضايا الانقسام والديمقراطية وتجديد المؤسسة الفلسطينية واتفاق أوسلو واتفاق التهدئة طويل الأمد المزمع إبرامه بين «حماس» ودولة الاحتلال.