حروب من الجيل الرابع - د. فؤاد الخطيب

2019-12-05

حروب من الجيل الرابع

د. فؤاد الخطيب

الحقيقة البديهية هي أن كل أجيال الحروب قذرة خاصة تلك الامبريالية العالمية التي شنتها ضد شعوب العالم وعددها بالعشرات، نعم ضد شعوب العالم المُستضعفة عَسكريا واقتصاديا في القرن السابق والحالي. فلاسفة أو أبالسة الغرب المُعاصرون الذي ينطلق غالبيتهم مخترعو عنصرية التفوق الجنس الابيض الغربي على شعوب العالم قرروا. ورجوا لهذه الحروب القذرة بقولهم أن النيوليبرالية الغربية وخاصة الامريكية هي آخر مراحل التطور الاجتماعي السياسي الاقتصادي للمجتمعات البشرية. ها هي الامبريالية الامريكية تَصرفُ فائض قوتها العسكرية ضد شعوب الأرض في العالم كله شرقه وغربه مُتجاهلة كل الأعراف والقوانين الدولية التي اكتسبتها البشرية خلال قرون وعصور طوال وجودها.

أي أن الامريكان يعودون بنا اليوم فعلا الى شريعة الغاب، بأن القوي يقتل الضعيف وينهبه ويخرب بلده ويستولي على أرضه أحيانا، وأحيانا أخرى يَهدم حضارته ويَسرق خيراته وثرواثه كما هو حاصل الآن في العالم وبصلافة غربية امريكية منقطعة النظير بعيدة عن كل قوانين وحقوق البشر المَعمول بها والمتعارف عليها منذ شرائع حمورابي وأوركاغينا في بلاد ما بين النهرين. يدعونها اولئك الأبالسة بحروب الجيل الرابع أي اضافة الى التهديد بالقوة العسكرية فرض الحصار الاقتصادي المالي المُحكم بقوة السلاح والعقوبات على الدول المعادية للنيوليبرالية والتمادي أحيانا في فرض حرب اقتصادية ظالمة معلنة رسميا بادية للعيان كما هو حاصل الآن بين الولايات المتحدة والصين. الحصار الاقتصادي أو الحرب الاقتصادية بفكر فلاسفة الغرب يعني شل اقتصاد الشعوب وتقييد حركتها التجارية التي تؤدي الى تآكل تم شلل بطيء في اقتصاد الشعوب المنوي تدميرها ومن ثم خروج الشعوب وانهيار المؤسسات المدنية فيها وخصوصا المالية والبنكية وازدياد نقمة الشعوب ضد حكامها ومن ثم تأتي الفوضى الخلاقة التي أطلقتها كوندليسا رايس وزيرة الخارجية السابقة من بيروت في عهد اللص السنيورة عام 2006، أي تجزئة المُجزأ وتفتيت المُفتت، ومن ثم سيادة الغرب النيولبرالي على هذه الشعوب والتصرف بوقاحة منقعطة النظير في مستقبلها وربما في وجودها كله وسرقة مقدراتها الى ما شاء الله.

ما نراه يحدث حولنا في عالمنا العربي يطابق السياسة الغربية والنوايا الخبيثة التي يُخططها الغرب ضد العالم قاطبة بصورة عامة وخصوصا في هذه المنطقة العربية، قلب العالم وطرق مواصلاته وكثر ثرواته التي لم تستفيد الشعوب العربية منها بعد ان مكنت الامبريالية في تولية عملائها في قيادة هذه الشعوب كما هو الحال في الخليج .

الخليج رغم ثرائه الفاحش الذي تنهشه الامبريالية مع القبائل او العائلات الحاكمة من ممالك مُتخلفة اجتماعيا وسياسيا وبائدة، ومن الطبيعي جدا بمفهوم جدلية التاريخ أن تكون خارج التاريخ منذ زمن بعيد. الغرب يسعى الى خلق دول عربية فاشلة مرتبطة بوجودها بالغرب الذي يمتص خيراتها وأوطانها، دول ريعية غير منتجة، تقترض من البنك الدولي او صندوق النقد الدولي وتقتني كل شيء لوجودها وبقائها. احيانا تشتري مرغمة وبالضغط من الغرب، أحيانا كثيرة ما تحتاجه من الدول الغربية الاستعمارية حتى غذائها وسلاحها وكل شروط البقاء في عالم اليوم، اي ان الغرب حقيقة جعل شعوب هذه الدول وناسها مجرد ارقام استهلاكية هشة غير قادرة على البقاء رغم ثرائها الفاحش بدون النيوليبرالية المُنفلتة التي تسرق طاقاتها وأرضها وكرامتها القومية والوطنية بصلافة منقطعة النظير.

نحن الآن برأيي في خضم صراع وجودي مع الغرب لا نعرف مصيره بعد،على اعتبار غياب أيديولوجية مناهضة للغرب قوية حتى هذه اللحظة. الصراع الاقتصادي لا بد أن يكون رديفا لصراع أيديولوجي حقيقي وقوي وهذا ما يفتقره العالم بعد غياب الاتحاد السوفييتي الذي كان حقيقة درع الشعوب، حمى شعوب الارض وكان سندا لمعظمها في الحفاظ على الذات والكرامة الوجودية الذي يحوله الغرب "المتحضر" الآن الى فوضى وحروب تأكل الأخضر واليابس. الفكر الاشتراكي منع أو خفف من حدة هذه السيطرة المُهيمنة للغرب الامبريالي - النيوليبرالي طيلة سبعة عقود طوال وساهم مباشرة في دعم حروب وحركات الشعوب التحررية من مخالب الرأسمالية التي تنقض الآن بوحشية على شعوب الارض. وصلت الامبريالية الى مأزق أيديولوجي تقره تصرفاتها الغير متزنة وغير العقلانية حتى التوحش احيانا، فهي اصبحت كالمقامر الذي يلقي بنرده الأخير على العالم، اما السيطرة عليه بالقوة، اي على العالم، او تخريبه والسيطرة المطلقة عيله أو انتفائه أي الغرب، والنيوليبرالية من الوجود اذا تردت حالة شعوبه الاقتصادية اي الشعوب الغربية التي من طبيعة وجودها تطلب العدالة الاجتماعية كما كل البشر منذ أن وجدوا.

شعوبنا العربية ما زالت تعيش نقمة سيطرة الفكر الديني الغيبي على الدولة ونقصد الإسلام السياسي التكفيري المُتخلف والفكر الإخواني العميل للغرب مند أن أوجده الغرب الاستعماري في عشرينيات القرن الماضي وحدد دوره العميل من حينها، وهو ببساطة أن يكون طابور خامس لهذا الغرب ومنع الشعوب العربية من الداخل من أيه تطور عربي قومي سيادي متطور.

الغاية كانت كما أسلفنا وما زالت منع وحدة العرب الاقتصادية والسياسية والقومية ونهب ارض العرب وكل مقدراتهم المادية والفكرية وحتى الوجودية التي تتعلق بنهب الأرض والثروات الطبيعية والمياه، كما يحصل من بناء سد النهضة الذي سيؤدي الى خطر وجودي لمصر العربية ودجلة والفرات بعد ان بنت تركيا مئات السدود عليهما وحقيقة باتت تهدد الأمن المائي العربي. قيام مثل هذا التطور القومي معناه انهاء دور الاستعمار الجديد والقديم القائم على نهب العرب وسرقة ثرواتهم ونهب حضارتهم. الشرط الأساس والذي نراه الأهم في لحظة التاريخ هذه، لأن تقوم قيامة العرب القومية،هي فصل الدين عن الدولة نهائيا وبهذا يحافظون على الدين الحنيف وبذات الوقت يخلقون دولا وطنية ذات توجه قومي قوية اقتصادية معادية للغرب، والناصرية خير مثال حي في الوجدان العربي على ما نقول وعبد الناصر هو أول من وقف وقاوم الغرب وخلق دولة قومية بدأت تتطور بعيدة عن الهيمنة الرأسمالية الغربية.

أرى أن هناك فرصة مواتية اليوم، لخروج العرب الاقتصادي والمالي من كل منظومات الغرب الاقتصادية والمالية بعد أن أصبحت تلك البنوك حقيقة وكر حرامية أيضا للصوص العرب الذين يسرقون الشعوب العربية بإمرة الغرب وبصورة فجة وقحة ومنافقة ومخالفة للوطنية والقومية. الخروج الاقتصادي يكون عندما تحول شعوب ونخب هذه الدول دولها من دول ريعية غير منتجة الى دول منتجة قادرة على الاقل في تأمين اقتصادها ووجودها بدون اعتمادها على الغرب الذي يسرق كل مقدراتها من حملة بونابرت على مصر وفلسطين عام 1798-1802 الى يومنا هذا.

على العرب البحث عن الحلف الأورآسوي الذي يتبلور الآن بين روسيا والصين الند الاقتصادي والسياسي والعسكري الموازي للغرب الاستعماري والحليف للشعوب في حق وجودها وتطورها والذي لا يهدف الى معاداة الشعوب العربية، ويحترم القانون الدولي وينظر الى حضارات الشعوب ويحترمها كونها حضارات انسانية ندية يمكن التعاون معها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا باحترام متبادل بكل ما تجلبه سلام الحضارات المختلفة وتعاونها مع بعضها من خير وتطور للشعوب ومن ثم وحدة الكرة الارضية وسلامتها والمحافظة على مستقبل البشرية..