الجائحة في خدمة ترامب ونتنياهو - صلاح دباجة

2020-03-20

الجائحة في خدمة ترامب ونتنياهو

صلاح دباجة

لا بد ان تنقشع هذه الغمامة السوداء سريعا عن عالمنا الجميل وتكف عن حصد ارواح الآلاف من بني البشر وان تعود الحياة بكل صخبها ورونقها الجميل كما كانت عليه وأفضل الى هذا العالم. هذا التفاؤل يستند الى الإنجاز الهائل الذي حققته الصين، قيادة وشعبا وأطقم طبية وأنظمة تكنولوجية متقدمة، في محاصرة الوباء وخفض عدد المصابين به بالإضافة الى ما أبدته الصين من استعداد، كما أكد ذلك قادتها، لتقديم المساعدة الانسانية لأي دولة تواجه هذا الوباء الخبيث. 

لا بد أيضًا ان تنكشف حقيقة ما وراء هذه الجائحة التي بدأت في مدينة ووهان في وسط الصين وانتقلت الى 164 دولة وتحول مركزها اليوم الى اوروبا. وقضت على ارواح أكثر من 8 آلاف شخص وما زالت تتهدد حياة عشرات الآلاف الآخرين كما شلت الحياة في عشرات الدول فهل هي مجرد ضربة من السماء ام من صنع البشر.

وأفادت آخر البيانات بأن عدد المصابين بفيروس الكورونا بلغ حتى أمس الأول الاربعاء، 201634 شخصا على الأقل، تعافى منهم 82030، فيما ارتفع عدد الوفيات إلى 8007. وان الصين تتصدر قائمة الدول الأكثر تضررا بالفيروس بـ3241 وفاة و81102 إصابة تليها إيطاليا (2503 وفيات و31506 إصابات) وإيران (988 وفاة و16169 إصابة) وإسبانيا (558 وفاة و13716 إصابة) وألمانيا (26 وفاة و9877 إصابة) وكوريا الجنوبية (84 وفاة و8413 إصابة) وفرنسا (148 وفاة و7696 إصابة) والولايات المتحدة (114 وفاة و6496 إصابة) وسويسرا (27 وفاة و2700 إصابة) وبريطانيا (72 وفاة و1961 إصابة).

وعربيا ولا تزال قطر تتصدر قائمة الدول الأكثر تضررا بالفيروس بـ442 إصابة مؤكدة دون تسجيل وفيات، تليها البحرين (وفاة واحدة و242 إصابة) ومصر (6 وفيات و196 إصابة) والسعودية (171 إصابة دون وفيات) والعراق (11 وفاة و154 إصابة) والكويت (142 إصابة دون وفيات) ولبنان (ثلاث وفيات و133 إصابة) والإمارات (113 إصابة دون وفيات).

هذا عدا عن الخسائر الفادحة التي لحقت بالاقتصاد العالمي بسبب توقف الحياة والحركة، بشكل شبه مطلق، في معظم الدول التي أصاب وباءها هذا الفيروس الذي  سنلمس أثره السلبي على مدار سنوات طويلة قادمة.

ان مجرد تبادل التهم حول هذه الجائحة يعزز لدى الإنسان البسيط الشكوك بأنَّ هناك ما وراء الاكمة. فأن يسمي الرئيس الامريكي الفيروس باسم "الفيروس الصيني" هو اتهام سافر للصين بالمسؤولية عن هذا الوباء الامر الذي رفضته الصين بشكل قاطع خاصة وانها أول من نكبت بهذا الوباء وخسارتها لا تزال هي الاكبر هذا عدا عن ان الولايات المتحدة امتنعت عن تقديم أي مساعدة للصين وانما على العكس قامت بدور المحرض على نشر الذعر والهلع الجماعي حول العالم.

ووصفت صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية "تصرف الزعيم الصيني مع الازمة يبدو جميلا مقارنة بتصرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قال مرة إن الفيروس سيختفي مثل المعجزة، وإنه حيلة من تدبير أعدائه".

وقالت الصحيفة أنه "من السهل على الكثيرين في الغرب أن ينتقدوا ترامب، ولكن من الصعب عليهم الاعتراف أو معالجة العلل الموجودة في النظام الديمقراطي الأمريكي الذي وضع رجلا عديم الكفاءة في البيت الأبيض".

وان ما يدحض مزاعم ترامب هذه هو ان الصين دولة اشتراكية يقودها الحزب الشيوعي وتتبنى قيمًا انسانية ونهجا سياسيا واقتصاديا يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الإنسان والسلام العالمي وتقديم المساعدة الانسانية لمختلف الدول حول العالم.

اما الصين فاتهمت، يوم الخميس الاسبوع الماضي، على لسان المتحدّث باسم الخارجية الصينيّة، تشاو لي جيان، الجيش الأميركي بجلب الفيروس إلى مدينة ووهان الصينية.

وهذا ما حمل الخارجية الأميركية على استدعاء يوم 13 آذار الجاري، السفير الصيني لدى واشنطن تسوي تسي انكاي، بسبب ما وصفته بـ"الحملة الوقحة لتضليل المعلومات ".

إلا أن جيان ، عاد وتمسّك بروايته الأولى، وأعلن الاحد الماضي عن وجود إثباتات تؤكد أن الفيروس تم اختراعه وتطويره من قبل علماء أميركيين عام 2015، وأن مجلة Nature Medicine  الأميركية، أكدت في بحث نشرته في أحد أعدادها في العام ذاته، أن علماء في الولايات المتحدة تمكنوا من الحصول على نوع جديد من فيروس "كورونا" له تأثير خطير على الإنسان.

وأضاف ان جنودا أميركيين شاركوا في دورة الألعاب العسكرية العالمية، التي جرت في مدينة ووهان التي تنافس فيها 10 آلاف عسكري من مختلف أنحاء العالم في تشرين الأول الماضي (قبل أيام معدودة من بدء انتشار المرض)، هم الذين نقلوا الفيروس إلى هذه المدينة.

فالولايات المتحدة بسجلها الحافل بالجرائم الوحشية حول العالم ابتداء من تصفية 25 مليون من الهنود الحمر (سكان امريكا الاصليين) ومرورًا بهروشيما وناكازاكي ومواصلتها، اليوم، التآمر على انظمة عشرات الدول حول العالم التي ترفض الانصياع لهيمنتها دون أي اعتبار لما ينجم عن ذلك من ويلات ونتائج مأساوية على شعوب هذه الدول وعلى السلم العالمي، هي مؤهلة اليوم للقيام بأبشع للجرائم من اجل الحفاظ على سطوتها وهيمنيها على المستوى العالمي، خاصة انها بدأت تعي حقيقة أن هذه الهيمنة تتجه نحو مزيدٍ من الانحسار.

 ففي السنوات الأخيرة ظهر بشكل واضح للعيان عجز الاقتصاد الأمريكي في مواجهة ازدهار وتعاظم الاقتصاد الصيني وان قدرة الولايات المتحدة على المنافسة الاقتصادية مع الصين في تراجع متواصل على النطاق المحلي والاوروبي والعالمي.

وفي ظل تقدم إقتصادي متعاظم للصين، وفي ظل تعاظم قوة روسيا العسكرية واتساع تأثيرها على مستوى العالم إضافة الى ظهور قوى جديدة صاعدة مثل إيران، وتقوقع أوروبا في عزلتها، تحاول الولايات المتحدة تسويف انحسار هيمنتها من خلال جر الصين وروسيا الى مناحٍ اخرى من السباق والمواجهة وهذا ما يفسر انسحاب امريكا من المعاهدة الدولية لحظر الصواريخ متوسطة المدى ومحاولاتها تعطيل اتفاقية " نيو ستارت" للحد من الاسلحة الاستراتيجية التي من المفترض أن تتجدّد تلقائيًا عام 2021.

وهذا ما يفسر أيضًا، اسباب الحرب التجارة التي شنها ترامب ضد الصين واضطراره فيما بعد للتراجع.

هذه السياسة تنطوي على الكثير من العنصرية والكراهية والعربدة التي يمكن تلخيصها بالشعار الذي رفعه ترامب منذ ان جاء الى البيت الأبيض "أمريكا اولًا" وهذا الشعار قد لا يختلف عن تلك الشعارات التي قادت العالم الى حربين عالميتين مدمرتين في النصف الأول من القرن الماضي.

والتجربة التاريخية تثبت انه عندما تعجز الامبريالية عن تحقيق ما تصبو له سلميا لا تتورع عن اللجوء الى قدراتها العسكرية وارتكاب ابشع الجرائم وأكثرها وحشية غير آبهة بالنتائج مهما كانت مأساوية ومدمرة.

ومن غير المستغرب ان يستغل مغامر مثل ترامب جائحة انسانية لأهداف سياسية انانية فصديقه الصدوق نتنياهو استغل هذه الجائحة لأهداف شخصية محضة فأغلق المحاكم، بعد رفض تأجيل محاكمته في قضايا الفساد، وأغلق الكنيست لمنع انتخاب رئيس جديد لها ولجان فرعية كذلك لجأ الى الشاباك لتعقب مرضى الكورونا وكل "المشتبه" بهم.

وما قاله الشاعر توفيق زياد "امريكا رأس الحية" وكذلك ما قاله شاعر فلسطين محمود درويش "امريكا هي الطاعون والطاعون امريكا" يصحان في هذا المقام.