قوى الحرب تصعد التوتر مع الصين - سعيد مضية

2020-04-24

قوى الحرب تصعد التوتر مع الصين

سعيد مضية

الحكومات تتحول أحيانا إلي لصوص ولكن الشعوب لا تفعل ذلك"- فيكتور هوغو.

واضح أن قوى الامبريالية العالمية لم تقبل تفوق الصين الاشتراكية في مكافحة وباء كوفيد تتويجا لتفوقها في مجال التطور الثقافي والعلمي. خالف ترمب الميثاق الأخلاقي لمنظمة الصحة العالمية الذي يحظر ذكر اسم بلد او حيوان متعلق بمرض يكتسح العالم، وطفق يتحدث عن الكورون الصيني؛ بينما فضل وزير خارجيته الضرب على وتر "النظام المغلق" تبريرا لتقصير بلدان النظم "المفتوحة" و"الشفافة ".

الصين هي اول من التقط الفيروس واكتشفت سلسلته جيناته، ونجحت في السيطرة على الوباء، حيث أخفقت الإدارة الأميركية. الوباء حمل اسم كوفيد 19، حيث التقط اواخر عام 2019، وجاء آخر سلسلة أمراض كوفيد التي انتشرت في سنوات سابقة. اتخذ الفيروس شكل التاج، فحمل الاسم الفيروس التاجي، والتاج معناه باللاتينية كورون، فحمل الفيروس الاسم الأكثر انتشارا، كورونا. اوّلت إحدى المسئولات في إدارة ترمب، إذ جهلت ملابسات التسمية، فأطلقت عليه الاسم كوفيد التاسع عشر، تيمنا بأسماء أباطرة الكون.

أعلنت الصين منذ الأيام الأولى لاكتشاف الفيروس عن مواصفاته واعلنت فرض الحجر المشدد على منطقة ووهان حيث بدأ انتشاره. لم تحجب الصين وسائلها وأساليبها في المكافحة التي بلغت أسماع وزيرة صحة ولاية كيرالا الهندية، فاتّبعت نفس خطط الصين وتمكنت من حصر الفيروس والسيطرة عليه، وحدّت من ضرره على سكان الولاية الهندية . وكذلك فعلت كوريا الجنوبية وفعلت اليابان.

قامت بعثة منظمة الصحة العالمية بزيارة للصين في 16 فبراير/شباط ومكثت هناك حتى الرابع والعشرين منه. في تقرير أصدرته، أجمل مشاهداتها أثنت البعثة على حكومة وشعب الصين، "بذلوا أقصى طاقتهم للحد من انتشار الفيروس". وفي الرابع من آذار نشرت نيويورك تايمز مقابلة مع دكتور بروس آيلوارد، الذي ترأس البعثة، حيث أجاب على سؤال الصحيفة بصدد تجاوب الصين مع الفيروس، فقال: "كانوا جميعا، حكومة وشعبا مجندين معبأين ، كما في الحرب، وكان الخوف من الفيروس هو الدافع للجهد العام. حقا رأوا أنفسهم في الجبهة الأمامية لحماية بقية الصين والعالم أجمع".

طبيعي أن الولايات المتحدة بإدارة ترمب لم يكن لها فضل في المعركة ضد الوباء، لم تكتشف الفيروس ولا تحكمت في انتشاره؛ لكن امبراطور الكرة الأرضية(!) استكثر إطراء الصين وإغفال الولايات المتحدة واستشاط غضبا وهدد بوقف المساهمة المالية في موازنة المنظمة. له أسبقيات في الانسحاب من المنظمات الدولية، ولحزب الجمهوريين أسبقيات في الاستخفاف بالأمم المتحدة وبقية منظماتها الدولية. طلب ترمب من إدارة منظمة الصحة، كي لا ينفذ تهديده، ان تسجل بأنها اكتشفت ان الصين صنعت الفيروس في مختبراتها للحرب البيولوجية؛ رفضت المنظمة، إذ لا تتوفر دلائل على التهمة. لم يتلق استجابة منظمة حظر الأسلحة البيولوجية تطرة التقارير المزيفة ضد سوريا!! من ثم طعن ترمب في مصداقية منظمة الصحة واتهمها بموالاة الصين.
دخل هنري كيسنغر ميدان التنبؤ بما بعد كورونا. هذا الثعلب العجوز لا يتنبأ إنما يخطط مؤامرات. في سبعينات القرن الفائت قال أن نظام اليندي في تشيلي يخطط لنشر الرفاهية للشعب وهو خطر علينا ويجب الإطاحة به. وهذا ما حصل. الآن يقول ان عالم ما بعد كورونا ليس ما قبله. مجتمعات العالم قاطبة شاهدة على فضيحة نظام الرأسمالية وقصوره وعجزه امام الفيروس، في حين نجح مجتمع الصين الاشتراكي، فنال شرف النجاح في الصراع ضد الوباء؛ فلمن المستقبل؟!
ببصيرته النفاذة رأى المفكر الأميركي المشهور نوعام تشومسكي أن "عالم ما بعد الفيروس انظمة تنحو منحى إنسانيا تعتبر وتبادر الى التغيير وتتبني منهج التنمية بواسطة العلم واخرى ستتصدى للتيار محافظة على نظام الرأسمالية بكل السبل. كعادتها دوما لن تترك الرأسمالية مجتمعات العالم تمضي وفق قناعاتها. حيال ذلك على قوى التقدم أن تستعد للمواجهة".

بسرعة تطورت القضية الى حملة ضد الصين تطالبها بالتعويض على الضحايا باعتبارها صانعة الوباء. ولإضفاء الجدية على التهمة طُلِب من الحليفتين ، بريطانيا وفرنسا، الانضمام للحملة، واستجابتا جزئيا، باتهام الصين بالتقصير في الإبلاغ عن الفيروس.

دخل جو بايدن، المرشح الديمقراطي في الحملة . وخلافا لموقف زعيمة الديمقراطيين في مجلي النواب ، إذ وصفت ترمب بالأحمق، وتعهدت بمقاومة التصدي لمنظمة الصحة العالمية، شارك جو في اتهام الصين، بل زاود على ترمب واتهمه "تقاعس الرئيس دونالد ترامب عن محاسبة الصين على جائحة كورونا". وفي خضم المزاودات لا يستبعد أن يستفز ترمب الصين، ويعلن من طرف واحد شطب ديون الصين المترتبة على أميركا وتقدر بالمليارات تعويضا للمنكوبين بالوباء !!
هل يتوهم التحالف الامبريالية تكرار حرب الأفيون تسطو على الصين، تستبيحه سوقا لتجارة الأفيون، وتنشر المخدر في الوسط الصيني؟!

في القرن الثامن عشر أوعزت بريطانيا الى شركة الهند الشرقية بزراعة الأفيون في الهند وتهريبه داخل الصين، فحققت أرباحا مجزية فتحت شهيتها على المزيد. انتشر إدمان الأفيون في الصين. لذلك اصدر الامبراطور الصيني قرارا بحظر ادخال الأفيون إلى الامبراطورية الصينية.. بل وذهبت الامبراطورية إلى ابعد من ذلك؛ حيث توجه ممثل الامبراطور الي مركز تجارة الأفيون واجبر التجار البريطانيين والأمريكيين علي تسليم مخدراتهم من الأفيون الذي بلغ الف طن وقام بإحراقه في احتفالية كبيرة شهدها المناوئون لهذا المخدر.

قررت بريطانيا التي كانت في اوج قوتها العسكرية في ذلك الوقت اعلان الحرب على الصين لفتح الأبواب من جديد أمام تجارة الأفيون للعودة من جديد. تذرعت آنذاك بمبدأ حرية التجارة والدفاع عن شرف بريطانيا المهان بحرق كميات الأفيون. النظام الدولي آنذاك يقوم على مبدأي حرية التجارة وسطوة السفن المسلحة. خاضت بريطانيا بالتعاون مع فرنسا تؤازرهما أميركا ثلاثة حروب. أرسلت بريطانيا عام1840م سفنها وجنودها الي الصين لإجبارها علي فتح أبوابها للتجارة بالقوة. استمرت حرب الأفيون الأولى عامي 1840- 1842 ، اجبر الامبراطور الصيني على توقيع اتفاقية "نان جنج".

استمر البلاط الامبراطوري يرفض التعامل مباشرة مع البريطانيين، فقدموا مذكرة بمراجعة الاتفاقات القائمة ورفضها الامبراطور؛ قررت بريطانيا وفرنسا استخدام القوة مرة أخرى ضد الصين ووجدوا ذريعتهم بقيام سلطات الصين بتفتيش سفينة تحمل العلم البريطاني واعتقال بحارتها وانزال العلم؛ وقتل في الحادثة مبشر فرنسي. استطاعت القوات البريطانية والفرنسية عام 1858 دخول ميناء "جوانج شو".. والاتجاه نحو ميناء قريب من بكين، مما جعل الامبراطور يقبل مراجعة الاتفاقات وتوقيع اتفاقية تمنح القوى الغازية المزيد من الامتيازات في مقدمتها فتح موانئ جديدة للتجارة الدولية، خاصة الأفيون.

لم يبتلع امبراطور الصين المهانة، وتردد في تنفيذ الاتفاقية، وحيال تردد الامبراطور في الالتزام بالاتفاقية شنت الدولتان حربا ثالثة عام 1860، واستطاعت قواتهما احتلال العاصمة بيكين عام1860 وتوجهت إلي القصر الصيفي للامبراطور الذي يبعد بضعة آميال عن بكين وكان هذا القصر يعتبر من أعظم وأفخم قصور العالم ويحتوي علي آثار تاريخية هامة وقام الضباط البريطانيون والفرنسيون بنهب محتوياته لمدة أربعة أيام، وأضرموا فيه النار .

في ذلك كتب فيكتور هوغو: "دخلت العصابتان البريطانية والفرنسية كاتدرائية آسيا..أحداهما قامت بالنهب والأخرى قامت بالحرق.. إحداهما ملأت الجيوب والثانية ملأت الصناديق ورجعتا إلي أوروبا ايديهما متشابكات ضاحكتين.. ان الحكومات تتحول أحيانا إلي لصوص ولكن الشعوب لا تفعل ذلك".

اضطر الامبراطور للرضوخ لمطالبهم ووقع اتفاقيات "تيان جن" مع كل من فرنسا وبريطانيا وكذلك روسيا والولايات المتحدة التي منحت امتيازات أكثر أهمها فتح المزيد من الموانئ امام تجارة هذه الدول وحق الإقامة لرعاياهم في بكين.. والتعامل المباشر مع البلاط الامبراطوري وحرية تجول المبشرين في الصين. ارتفع عدد المدمنين في الصين من مليوني مدمن عام 1850م إلى 120 مليوناً سنة 1878م. لم تنته حروب الأفيون نهائياً إلا باتفاقية 8 مايو1911 إثر الثورة الصينية الأولى التي دشنت مع الثورة الروسية 1905-1907 ثورات التحرر الوطني الشعبية في العالم.

على الرغم من فشل الانتفاضات الثورية الشعبية خلال لعقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر في الصين بقيادة (صن يات صن)، إلا إنَّ ذلك لم يمنع من استمرار الثورات، وفي العاشر من تشرين الاول 1911 أطاح الثوار الصينيون بالحكم الامبراطوري، واجبروا أُسرة المانشو على التنازل عن السلطة. وفي 29 كانون الأول تأسست جمعية مؤقتة انتخب صن يات صن رئيسا مؤقتا للجمهورية التي أُعلنت عام 1912. شكل صن يات صن وأسس حزب الكومنتانج الذي تحالف مع الشيوعيين الى أن توفي عام 1924. ارتد خليفته تشيان كاي تشيك عن النهج الثوري وناصب الشيوعيين العداء. في البداية خاض الشيوعيون بقيادة ماو تسي تونغ حربا أهلية ضد الكومنتانغ، ثم دخلوا في ائتلاف معهم ضد الغزو الياباني. تخلل النضال المشترك عمليات غدر من جانب تشيان كاي تشيك. استأنف الشيوعيون الحرب الأهلية بعد طرد الغزاة اليابانيين.

أولت ثورة ماو تسي تونغ الشعبية اهتمامها بالقضاء التام على إدمان الأفيون وفتحت عيادات لمعالجة المدمنين وتمت تصفية تعاطي المخدرات في الصين نهائيا. وبجهود الشيوعيين أيضا تركز الاهتمام حول التخلص من ظاهرة الدعارة التي روجها توغل التجار الأوروبيين في الصين. كوبا أيضا امتهن البعض من نسائها الدعارة حين كانت موئلا للمضاربين والكازينوهات في عهد باتيستا. ونجح كاسترو في تصفية المكرهة الاجتماعية. وشأن مكافحة المخدرات فتحت معاهد أعادت تأهيل المومسات ومكنتهن من العمل الشريف قوى منتجة. .

هل يستبد الوهم بزعماء الدول الثلاث ان الصين الشعبية في القرن الواحد والعشرين هي صين القرن التاسع عشر تحت سطوة أباطرة الصين؟