المثقف الفلسطيني ورهانات الحداثة 1908-1948 د. ماهر الشريف

2020-05-02

المثقف الفلسطيني ورهانات الحداثة 1908-1948

د. ماهر الشريف

هذا هو عنوان الكتاب الجديد الذي انتهيت من إعداده البارحة، على أن يصدر خلال الشهور

القليلة القادمة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

في كتابه "معنى النكبة"، الذي صدرت طبعته الأولى في بيروت في شهر آب/اغسطس 1948، كتب قسطنطين زريق: "إن ما أحرزه الصهيونيون من نصر – ولن ينكر هذا النصر إلا متغافل متعامٍ- ليس مرده تفوّق قوم على قوم، بل تميّز نظام على نظام... والنظام القائم على المدنية الحديثة لا يُغلب إلا بنظام أوسع أخذاً لهذه المدنية وأوفر تسلحاً بقواها؛ والذهنية المتطورة المتوثبة لن تقف أمامها ذهنية بدائية راكدة. وبالإجمال نكرر: إن الخطر الصهيوني، وكل خطر أجنبي، لا يدفع إلا بكيان عربي متحد محقق لهذه الصفات، ومثل هذا الكيان لا يتأتى للعرب إلا بانقلاب أساسي في نظم عيشهم".

هذه الأفكار التي طرحها قسطنطين زريق، غداة نكبة فلسطين مباشرة، كانت في ذهني عندما فكرت بإعداد هذا الكتاب. فأنا، ومن منطلق اعتقادي بسلامة مقاربة هذا المفكر القومي للعوامل التي أفضت إلى النكبة، أردت أن أعرف ما إذا كانت فلسطين قد افتقدت فعلاً مشروعاً مجتمعياً حداثياً، أم أنها عرفت مثل هذا المشروع، لكنه لم يوضع موضع التطبيق، لأسباب موضوعية، تتعلق باختلال موازين القوى الكبير بين الشعب الفلسطيني، من جهة، وقوى الاستعمار والصهيونية التي واجهها، من جهة أخرى، ولأسباب ذاتية تتعلق ببنية المجتمع الفلسطيني، التي حافظت على طابعها التقليدي، وبالطبيعة الاجتماعية للقيادة التي هيمنت على الحركة الوطنية الفلسطينية.
إن الافتراض الذي سأنطلق منه، وأسعى إلى تزكيته في هذا البحث، هو أن فلسطين عرفت مشروعاً مجتمعياً حداثياً، حمله مثقفون فلسطينيون، تأثروا بأفكار رواد النهضة العربية، واحتكوا بالثقافات الأوروبية الحديثة، إما عن طريق مدارس الإرساليات الأجنبية في فلسطين، أو عن طريق الإقامة والدراسة في الجامعات الأوروبية، أو عن طريق الترجمة، ووضعوا لأنفسهم هدفاً رئيسياً، وهو نقل مجتمعهم من التقليد إلى الحداثة، كي يتمكن من كسب صراع "تنازع البقاء" الذي فُرض عليه.

وانطلاقاً من هذا الافتراض، ستدور إشكالية هذا البحث حول السؤال الآتي: ما هي ملامح هذا المشروع الحداثي، أو بتعبير آخر ما هي رهانات الحداثة التي واجهها المثقفون الفلسطينيون، الذين راحوا يظهرون على مسرح الأحداث في فلسطين، منذ المرحلة المتأخرة من العهد العثماني وخلال عهد الانتداب البريطاني؟

وقد استندت في إعداد هذا الكتاب إلى مصادر أولية ثلاثة رئيسية، هي الدوريات، من صحف

ومجلات، التي راحت تصدر منذ الإنقلاب العثماني في سنة 1908 وطوال عهد الانتداب البريطاني، والتي يمكن تقسيمها بصورة ترسيمية، على الرغم من تشاركها في الهم الحداثي، إلى ليبرالية، ووطنية، وقومية عربية، ويسارية، مثل "الكرمل"، و"مرآة الشرق"، و"النفائس العصرية"، و"فلسطين"، و"الجامعة العربية"، "والجامعة الإسلامية"، و"الكفاح"، و"الاتحاد" و"الغد،" من جهة؛ واليوميات والمذكرات التي خلفها لنا، عن تلك الفترة، عدد من المثقفين الفلسطينيين، مثل خليل السكاكيني، وواصف جوهرية، وعمر الصالح البرغوثي، وأكرم زعيتر ومحمد عزة دروزة، من جهة ثانية؛ ومؤلفات عدد من مثقفي تلك الفترة، مثل مؤلفات إسعاف النشاشيبي، وأحمد سامح الخالدي، ومحمد روحي الخالدي، وقدري حافظ طوقان ونجاتي صدقي، من جهة ثالثة.

كما رجعت إلى بعض المصادر التي أضاءت لي واقع التعليم، والثقافة، والأدب والترجمة في فلسطين من جوانبه المختلفة في تلك الفترة، وكذلك إلى عدد من كتب الأعلام والسيرة، وبعض الكتب التي عالجت، في السنوات الأخيرة، إشكالية النهضة والحداثة في فلسطين.
وينقسم هذا الكتاب إلى اثني عشر فصلاً، كما يتضمن، فضلاً عن المقدمة، عدداً من الاستخلاصات وثبتاً بالمراجع العربية والأجنبية.