الغابة والأشجار.. الأسرى والبنوك.. والاحتلال - بسام الصالحي - أمين عام حزب الشعب الفلسطيني

2020-05-08

الغابة والأشجار.. الأسرى والبنوك.. والاحتلال

بسام الصالحي 

أمين عام حزب الشعب الفلسطيني

مرة أخرى تنشغل الساحة الوطنية بالقضية الاهم لدى شعبنا، قضية الاسرى والجرحى وعائلات الشهداء ،قضية الدفاع عن مشروعية النضال الوطني والرواية التاريخية والنضالية للشعب الفلسطيني، وقضية محاولة وصم نضال شعبنا وقواه الوطنية وشهدائه وجرحاه واسراه البواسل بـ"الإرهاب"، ومرة اخرى يتجلى ذلك في الحلقة الجديدة من هذه السلسلة فيما يتعلق بحسابات الاسرى وعائلات الشهداء والجرحى في البنوك الفلسطينية .

أولا: لابد من تصويب قاطع للمسألة حتى يمكن معالجتها ،وهذا التصويب يقوم على عدم السماح بتحويل التناقض في هذه القضية من كونه مع الاحتلال ،وبالتالي ينخرط الجميع في توحيد الموقف منه، الى تناقض بين البنوك وبين الاسرى وعائلاتهم وعائلات الشهداء، وهذا يعني وقف اجراءات البنوك بهذا الخصوص، ووقف اية اتهامات لها، الى حين توحيد موقف وطني شامل في التعامل مع هذا الخطر وذلك بمشاركة كل الاطراف، وهو امر لا يحتمل التأجيل وقد يكون مداه مع الاسف يومين او ثلاثة حتى لا نجد انفسنا جميعا في خضم وضع سيء بتحول هذا التناقض الى داخلنا  بدلا من توحيد الجهد فيه ضد الاحتلال .

ثانيا: ان هذه القضية ليست قضية الاسرى  والشهداء والجرحى ومؤسساتهم فحسب ،كما انها  ليست قضية سلطة النقد او الجهاز المصرفي، بل قضية الشعب بأسره ولذلك فإنها قضية قرار سياسي اضافة الى طابعها الفني ،ومرجعية هذا القرار السياسي هي منظمة التحرير الفلسطينية بالتنسيق الكامل مع الحكومة الفلسطينية، وهي قضية بعيدة الأثر مرتبطة بتوصيف النضال الوطني ومرتبطة بكل أسرة فلسطينية، فيكاد كل بيت فلسطيني يتشارك بفخر وجود شهيد أو أسير أو جريح من بين ابنائه .

ثالثا: ضرورة التفريق الكبير عند أية معالجة بين الجانب المباشر للمشكلة في استمرار تلبية حقوق الأسرى وأسر الشهداء والجرحى في الحصول على مستحقاتهم المالية وهي قضية صارمة في التزام منظمة التحرير بها ،وقد تجلت في اكثر من موقف وتصريح من الرئيس ابو مازن ومن اللجنة التنفيذية ومن الحكومة وبين الحق في فتح الحسابات واستمرارها في البنوك لأبناء واسر الشهداء والأسرى والجرحى .

ان استسهال الخلط بين الأمرين بإغلاق حسابات كل من له صلة بالأسرى والشهداء والجرحى هو كارثة وطنية وأخلاقية وسياسية ،وهو عقاب جماعي غير مسبوق ،وهو ممارسة تنذر بتطبيق اسوأ ما في اجراءات العقوبات المستخدمة من الولايات المتحدة وغيرها تجاه المشمولين بقوائم "الإرهاب" ،على القطاع الواسع من أبناء شعبنا، وهي على كل الأحوال لن تنقذ البنوك من مطالبات يومية جديدة للقيام بأدوار ليست هي أدوارها ،كما انها قد تمتد لتشمل جوانب أخرى لا يوجد حصانة لأحد فيها سواء على مستوى الأفراد او المؤسسات .

وبسبب وجود فرق كبير بين ان يقوم البنك مثلا برفض استلام حوالة لحساب أحد عملائه تحسبا من إجراء معين ضده، وبين إغلاق حساب هذا العميل استنادا الى تصنيفه بـ"الإرهاب" فإن هذه القضية ترتدي اهميتها الكبرى وطنيا وقانونيا ،هذا بالاضافة الى انها تنفتح ايضا على واقع الخضوع  لأوامر وتعريفات الجهة التي تقوم بهذا التصنيف، وهي هنا الاحتلال وعلى النقيض التام مع صاحبة الولاية القانونية على عمل البنوك ومصدر التعليمات لها وهي هنا سلطة النقد الفلسطينية والحكومة الفلسطينية، وإذا كان مفهوما خوف البنوك على مصالحها أمام هذا التحدي الذي وجدت نفسها فيه، إلا أن ذلك يؤكد أن مواجهة هذا التحدي لا يمكن أن يتم بمعزل عن جوهره المرتبط بالقضية ذاتها في تصنيف "الإرهاب"، وكذلك بمعزل عن حقيقة أن الطرف الأساسي في مواجهة هذا التحدي هو السلطة الفلسطينية ذاتها بما في ذلك في المسؤولية عن تأمين الحماية للبنوك أمام هذا التعسف الإسرائيلي .

ولهذا بالضبط يجب أن نرى الغابة خلف الأشجار ،وإذا كان الرئيس ابو مازن قد  جدد الإعلان عن قرار منظمة التحرير بشأن الاتفاقات والعلاقات مع إسرائيل مع تصاعد الحديث الإسرائيلي عن الضم، فإن القضية التي نحن بصددها اليوم لا تقل الحاحية للإقدام على ذلك، لأنها ببساطة  تتناول جوهر الحق المشروع لشعبنا في النضال ضد الاحتلال ورفض وصم ذلك بـ"الإرهاب"، ورفض خضوع مؤسساتنا للتعامل مع هذا التصنيف وللأوامر العسكرية  الإسرائيلية بوصفه مصدر الولاية القانونية على الأرض الفلسطينية ، خاصة وأن تبعات هذا التصنيف لن تتوقف عند حدود ذلك فماذا لو امتد الأمر لاحقا ايضا لمنع حصول ذات الفئة على التأمين الصحي أو خدمة الاتصالات أو تأمين السيارة أو التملك ،أو كل الاجراءات الأخرى التي تمارس ضد المصنفين على قوائم "الإرهاب" في العالم .

إن القضية هنا اوسع بكثير من قضية مستحقات الأسرى وأسر الشهداء على الأهمية الكبرى لذلك، فهي قضية جوهر الرواية وجوهر الحق في النضال المشروع ضد الاحتلال، وينبغي علينا جميعا خوضها على هذا الأساس وهي تملي علينا الإسراع في الإقدام على ما يجب الإقدام عليه  من تطبيق قرارات المركزي والوطني، وما قضية "الإرهاب" بحق الاسرى والشهداء إلا تعبير إضافي عن ضرورة  ذلك، وهي بالمناسبة تمثل حتى وفق المصطلحات "التقليدية" التفاوضية، إجحافا في إحدى قضايا الحل النهائي ،فضلا عن كونها ايضاح جديد على ضرورة رؤية غابة  الاحتلال والأبارتهايد خلف أشجار مظاهرها اليومية المتزايدة ..

نشر بالتزامن مع "شبكة وطن الاعلامية " و"معا الاخبارية"