جائحة كوفيد 19 والعلم في ظل الرأسمالية - أنتوني أوكلاند

2020-05-29

جائحة كوفيد 19 والعلم في ظل الرأسمالية

* أنتوني أوكلاند

لقد أثار وجود دومينيك كامينغز  [1]في اللجنة الحكومية الاستشارية العلمية، الكثير من علامات الاستفهام حول مدى “حياد” المشورة التي يقدمها الخبراء. الواقع هو أنه في ظل الرأسمالية لا يمكن أبدا أن يكون العلم موضوعيا أو مستقلا حقا.

غالبا ما يبدو وكأن العلماء يقفون فوق المجتمع؛ أي وكأنهم يعملون، مسلحون “بالمنهج العلمي”، بلا كلل وليس في ذهنهم سوى شيء واحد فقط وهو أن يثبتوا، بموضوعية، ما هو صحيح وما هو خاطئ.

لذلك هناك ميل عام إلى اعتبار العلماء أنهم جديرون بالثقة. وقد وجدت دراسة قام بها موقع Ipsos Mori، عام 2019، أن 60% من المستجوبين الذين شملهم الاستطلاع، على مستوى العالم، يعتبرون أن العلماء أناس موثوق بهم.

لكن الفكرة القائلة بأن العلم يشتغل في الفراغ -متحرر بشكل كامل من التأثيرات السياسية أو الضغوط الاقتصادية- هي فكرة خاطئة.

في أوقات الأزمات تكون الثقة أمرا مفيدا للغاية. ولا بد أن تشكل مصدر قلق كبير بالنسبة لجونسون وترامب وأمثالهما، نظرا لكونهم أعضاء في واحدة من أقل المهن إثارة للثقة في العالم!

وجدت دراسة Ipsos Mori، التي تمت الاشارة إليها أعلاه، أن 9% فقط من الناس هم من يثقون بالسياسيين، وهو أدنى مستوى من الثقة بين جميع المجالات التي شملها الاستطلاع.

هناك سبب وجيه لذلك وهو أن السياسي، بالمفهوم السائد، شخص لا يمثل مصالح الطبقة العاملة، الغالبية العظمى من المجتمع. وحتى قبل جائحة كورونا كانت التخفيضات الضريبية لصالح الشركات الكبرى وسياسة التقشف ضد الفقراء، قد أوضحت هذا الواقع بشكل جلي.

بالإضافة إلى ذلك، فمع انتشار العدوى تأخر السياسيون حول العالم في اتخاذ الإجراءات الحاسمة الضرورية لوقف انتشار الفيروس، مما تسبب في الآلاف من الوفيات التي كان من الممكن تلافيها. وقد كان ذلك الجمود بسبب حرصهم على حماية أرباح أصدقائهم أصحاب الشركات الكبرى.

الاعتماد على العلم

قام السياسيون، من أجل جعل أفعالهم مستساغة من طرف الشعوب التي لا تثق بهم، بالاستناد على مؤسسات العلوم الموثوقة، وأعلنوا رسميا أنهم “يتبعون العلم”.

يوم 12 مارس، عندما كان فيروس كورونا قد بدأ ينتشر بالفعل في المملكة المتحدة، أوضح بوريس جونسون، بدعم من رئيس فريقه الطبي وكبير مستشاريه العلميين، أنه لن يفرض إغلاقا مبكرا. واستشهد بـ “رأي الخبراء” الذين قالوا، على ما يبدو، إن الناس سوف يتعبون لاحقا ويتمردون على أوامر البقاء في المنزل، وذلك بالضبط عندما ستصير الأوضاع أكثر خطورة.

يبدو، ويا للعجب، أن “العلم” يتطابق مع مصالح أرباب العمل. لا بد أن ذلك من قبيل الصدفة البحتة، على ما يبدو. أو لذلك، ربما، علاقة مع وجود دومينيك كامينغز -شبيه راسبوتين في داونينغ ستريت- في اللجنة الحكومية الاستشارية العلمية الرسمية؟

حقيقة الأمر، كما لاحظت صحيفة إيكونوميست مؤخرا، هو أنه “يمكن العثور على أدلة للعديد من الاستجابات السياسة الممكنة” على الجائحة.

لكن عوض أن يؤدي ذلك الوضع بجونسون وكامينغز إلى تطبيق تدابير كان من شأنها إنقاذ الكثير من الأرواح، فإنه من الواضح أنهما كانت لديهما “استجابة سياسية” مسبقة (حماية الأرباح).
ثم بعد ذلك قاما بالبحث عن الأدلة التي تبرر ذلك الاستنتاج المسبق. العلماء الذين يجلسون في اللجنة الحكومية الاستشارية العلمية، تحت أعين كامينغز الساهرة (والذين، بالمناسبة، يعتمد الكثير منهم على الحكومة لتمويلهم)، كانوا سعداء للغاية للقيام بما طلب منهم.

هذا دليل ملموس على حقيقة عامة وهي أنه: من المستحيل تحرير العلم بشكل كامل من ضغوط المجتمع. فالطبقة الرأسمالية، وخدامها السياسيون، سيستخدمون كل أداة ممكنة للدفاع عن مصالحهم.

يعملون في هذا السياق على تضخيم حجم العلوم التي تناسب مصالحهم، بينما يحاصرون ما لا يناسبهم. وقد تم الكشف في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، عن أن الحكومة قامت بتعديل أجزاء من تقرير اللجنة الحكومية الاستشارية العلمية، الذي ينتقد بعض خططها الرامية لاتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية.

الرأسمالية والعلوم

لا يتعلق الأمر فقط بالعلم الذي يستخدمه الساسة؛ بل يتعلق أيضا بكيفية استخدامهم له. ففي ظل الرأسمالية، التي تتميز بالإمبريالية والحروب، تحولت العديد من الاكتشافات، التي كان في مقدورها أن تمكن من انتشال ملايين البشر من الفقر والمعاناة، إلى خدمة التدمير.

ألبرت أينشتاين، وغيره من الرواد الأوائل للفيزياء النووية، على سبيل المثال، أصيبوا بالرعب عندما تم استخدام اكتشافاتهم في مجال الانشطار النووي -والتي يمكنها أن توفر طاقة لا حدود لها تقريبا- في صنع أسلحة الدمار الشامل المروعة المعروفة باسم القنابل النووية.

عندها توصل أينشتاين إلى استنتاج مفاده أنه إذا أراد أن يتم توظيف اكتشافاته من أجل أهداف مفيدة اجتماعيا، سيتعين عليه أن يناضل من أجل التغيير الاقتصادي والاجتماعي. لذلك أعلن نفسه اشتراكيا.

وفي شرحه لموقفه هذا، كتب الفيزيائي الشهير قائلا: “لا يمكن للعلم أن يخلق الغايات، فبالأحرى أن يغرسها في عقول البشر. يمكن للعلم، في أقصى الحالات، أن يوفر الوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق غايات معينة”.

تآكل الثقة

وبالتالي فإن العلم كان دائما مرتبطا (خاضعا) بشكل لا ينفصم بالنظام الاقتصادي الذي يوجد في ظله. وفي الوقت الحاضر تكشف جائحة كوفيد 19 بشكل جلي التناقضات الكامنة في العلم ومشاكله في ظل الرأسمالية، مما يحد بشدة من تألقه.

محاولات السياسيين، في هذه الفترة، استخدام “العلم” لتبرير قراراتهم القاسية، تكشف عن العوائق التي تحول دون تطور العلم في ظل الرأسمالية. وفي هذه الفترة التي نعتمد فيها بشكل كبير على المشورة العلمية في اتخاذ القرار، يتسبب ذلك في تآكل كبير للثقة.

على هذه الأرض الخصبة، بدأت تنتشر العديد من نظريات المؤامرة، حيث يزعم البعض أن الجائحة مجرد “خدعة”، الشيء الذي يهدد بتقويض الجهود المبذولة لاحتواء الفيروس.

لكن من أجل استئصال هذه الأعراض الخطيرة، علينا مكافحة المرض الأساسي: فالناس لا يثقون بالعلم لأنه يُستخدم من طرف السياسيين، في جميع أنحاء العالم، لتبرير قراراتهم الضارة.

عالم الحرية

إذا كان العلم -والعلماء- عرضة لنفس الضغوط الاقتصادية والسياسية مثلهم مثل الآخرين، فمن الواضح أن التغيير اللازم لمنع استخدام العلم لأغراض سيئة، لا يمكن أن يأتي من داخل الأوساط العلمية؛ بل بالأحرى، لتغيير العلم لا بد من تغيير المجتمع.

قال لينين ذات مرة إن السياسة هي تكثيف للاقتصاد. إن السياسيين الرأسماليين يمثلون مصالح الشركات الكبرى ويدافعون عنها. وسوف يستخدمون العلم لتبرير قراراتهم القاسية، وخدمة الأقلية ضد الأغلبية.

عندما سيكون لدينا سياسيون يمثلون الجماهير حقا - ومسؤولون أمامها ويعملون لصالحها- عندها فقط سيمكن ضمان استخدام العلم لصالح المجتمع.

ولذا فإنه من أجل القضاء على تحكم الطبقة الرأسمالية في السياسة والعلوم، يجب علينا القضاء على قوتها الاقتصادية. يجب علينا أن نكافح من أجل نظام نسيره نحن العمال من أجل مصلحتنا.

يجب علينا أن نناضل ضد السياسيين الفاسدين ومن أجل علم نزيه. يجب أن نكافح من أجل العلم الذي يمكنه أن يرقى إلى مستوى مثله العليا وأن يسهم في الارتقاء بالبشرية من “عالم الضرورة إلى عالم الحرية”، على حد تعبير فريدريك إنجلز.

يجب أن يكون هذا نضالا من أجل الاشتراكية تخوضه الطبقة العاملة المنظمة للاستيلاء على وسائل الإنتاج.

 [1]سياسي بريطاني يميني ومستشار بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا.

* كاتب اشتراكي بريطاني