مستنبت الفاشية (3 من 5) (الحلقة الثالثة) | سعيد مضية

2020-10-28

مستنبت الفاشية (3 من 5)

(الحلقة الثالثة )

| سعيد مضية

أميركا لم تهزم الفاشية، بل أشاعتها مباشرة في أنحاء المعمورة  

هذه الحلقة هي أيضا مقاربة للأكاديمي الأميركي، غابرييل روكهيل، نشرها في 16 أكتوبر الجاري. ولمن لم يطالع الحلقة الثانية نعيد التعريف بالكاتب غابرييل روكهيل  فيلسوف أميركي من أصل فرنسي، ناقد ثقافي ومناضل في ميدان الثقافة. مؤسس ومدير ورشة النظرية النقدية واستاذ الفلسفة بجامعة فيلانوفا. منهمك في انشطة أكاديمية أخرى في عوالم الفن، الى جانب اسهاماته المنتظمة في النقاشات الثقافية العامة.

من مؤلفاته  "تحقيقات في غير زمانها بالعولمة، التكنولوجيا والديمقراطية" (2017)"تدخلات في الفكر المعاصر: التاريخ، السياسة الجماليات" (2016) و"التاريخ الراديكالي وسياسات الفن" (2014). وقدم لمقالته بعبارة مقتبسة عن المناضل الثوري الأسود، جورج جاكسون، الذي اغتيل بطلق ناري عام 1971 وهو في الثلاثين من عمره، نص العبارة:

"أقامت الولايات المتحدة من نفسها عدوا لا يهادن  أي حكومة شعبية في العالم وأي تعبئة اشتراكية – علمية للوعي في كل أنحاء المعمورة، وأي حركة مناهضة للامبريالية على وجه البسيطة."

مقاربة روكهيل لموقف الولايات المتحدة من الفاشية وحروبها العدوانية  ترصد  تدشين مرحلة الامبراطورية الأميركية ومسلسل جرائمها الواردة في حوارية نوعام تشومسكي واندريه فالتشيك، والمنشور ترجمتها للعربية تحت العنوان "الكولنيالية الفكرية والأخلاقية تعزز الكولنيالية السياسية-الاقتصادية" https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=694775 

وفي مقالة لاحقة سوف نطلع على ثقافة الفاشية وما تلحقه بالمجتمعات البشرية من خراب روحي ودمار معنوي. كل لذلك لتغييب وتعطيل أي مقاومة شعبية لسيطرة الرأسمال من أجل تخليد نظمه المقوضة لإنسانية البشر.

الامبراطورية الأميركية احتضنت عناصر الغوستابو الألمانية والفاشية الإيطالية وجندتها في حروبها العدوانية ضد حركات التحرر والتقدم في أنحاء المعمورة. تقربت قيادة الاستخبارات العسكرية الأميركية أثناء الحرب وبعدها من النازيين والفاشيين ومنعت تقديمهم الى محاكمات جرائم الحرب، ما يكذب الادعاء انها ساهمت في قهر الفاشية. يكتب روكهيل في بحثه الموثق:

ليس صحيحا أن الفاشية تم استئصالها عقب الحرب العالمية الثانية؛ بالعكس أعيد تموضعها كي تؤدي مهمتها التاريخية: تدمير الشيوعية الملحدة وتصفية  أخطارها على "الدور الحضاري للرأسمالية". وبات معلوما ان أفضل طريقة لبناء الفاشية المعولمة القيام بذلك تحت غطاء ليبرالي،  يعني من خلال عمليات سرية بواجهة ليبرالية. وحيث قد  تبدو هذه كأنها مقارنة مُبالغ فيها لمن يفهمون التاريخ طبقا للعلوم الاجتماعية البرجوازية، التي تركز في الغالب على الحكومة المرئية والغطاء الليبرالي الوارد ذكره، فإن تاريخ الحكومة غير المرئية لجهاز الأمن القومي تشير بان الفاشية، ابعد ما تكون قد هزمت في الحرب العالمية الثانية، حيث تم نشرها بنجاح على صعيد العالم كله.

بناة الفاشية العولمية

عندما دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية كان الرئيس المقبل لوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه)، ألن دالس، يتحسر لأن بلاده تحارب العدو الخطأ. فالنازيون، كما أوضح، مسيحيون آريون موالون للرأسمالية؛ بينما العدو الحقيقي هي الشيوعية الملحدة وعداؤها الحازم للرأسمالية. الولايات المتحدة كانت قبل عشرين عاما فقط ضمن المتدخلين العسكريين لوأد الاتحاد السوفييتي؛  وبكلمات وينستون تشرشل- من أجل "خنق الوليد البلشفي وهو بالمهد". أدرك دالس، شأن عدد من زملائه في الحكومة الأميركية، أن ما سيدعى لاحقا الحرب الباردة مواصلة للحرب القديمة. وكما طرح القضية ميشيل بارينتي [بروفيسور في علوم الإدارة] لقد كافحوا الشيوعية منذ بزوغها.

قبيل انتهاء الحرب توجه الجنرال كارل وولف، الذراع الأيمن لهملر، الى دالس في زيورخ، حيث كان يعمل لصالح مكتب الخدمات الاستراتيجية، سلف السي آي إيه. عرف وولف ان الألمان قد خسروا الحرب، وأراد تجنب تقديمه للعدالة.

من جانبه طلب دالس ان تلقي الوحدات في إيطاليا، العاملة تحت قيادة وولف سلاحها، وتتحول من مواجهة الغرب الى مساعدة الأميركيين في حربهم ضد الشيوعية. كان وولف أعلى ضابط وحدات الإس إس بقي على قيد الحياة؛ وعد دالس إنشاء شبكة من فرقته النازية لعمل شبكة استخبارات ضد ستالين. الجنرال الذي اشرف على آلة إبادة الجنس، وهيأ قطارات شحن تنقل يوميا خمسة آلاف يهودي الى تريبلينكا، ابتهج لأنه سيلقى الحماية من رئيس المخابرات المركزية القادم، والذي ساعد بالفعل على تجنيبه محاكمات نورمبيرغ.

لم يكن الوحيد، فحكاية راينهارد غيلين مشهورة على وجه الخصوص. هذا الجنرال في الرايخ الثالث، الموكل بمنظمة فريمده هيري اوست، بالاستخبارات النازية العاملة ضد الاتحاد السوفييتي قد جُنِد بعد الحرب في السي آي إيه، والتقى مع جميع مهندسي دولة  الأمن القومي بعد الحرب: ألن دالس، وليام دونوفان، فرانك وايزنر والرئيس ترومان.

في ما بعد، عُيِن رئيس اول منظمة استخبارات المانية، وتقدم لتوظيف العديد من زملائه المتعاونين مع النازية. قدر لمنظمة غيهلين، كما كانت تسمى، أن تغدو النواة للمخابرات الألمانية. ويقدر إيريك ليختبلاو إدماج قرابة أربعة آلاف نازي في شبكة تشرف عليها وكالة التجسس الأميركية. استطاع غيهلين ورجاله الأشداء العمل بأمان بموازنة بلغت نصف مليون دولار تقدمها السي آي إيه. عبر يفونّيك دينويل عن هذا الالتفاف بوضوح: من الصعب ان نفهم ان يجند الجيش والاستخبارات الأميركية مجرمي الحرب النازيين، في وقت مبكر ـ عام 1945- وبدون دخان."

بالمثل حدث في إيطاليا، لآن اتفاق دالس مع وولف كان جزءًا من مشرع أضخم أُطلق عليه "عملية شروق الشمس"، جرى فيه تسخير النازيين والفاشيين لإنهاء الحرب في إيطاليا (والشروع بالحرب العالمية الثالثة عبر العالم). تعاون دالس مع جيمز أنغيلتون، الذي سيصبح الرئيس القادم للمنظمة. وبتعاونهما الوثيق ضما النازيين والفاشيين الى منظمتيهما الاستخباريتين. عمل أنجيلتون على إنهاء الحرب لإضعاف قوة الشيوعيين في إيطاليا، كان ساعده الأيمن فاليريو بورغيس، الذي كان من أعمدة نظام موسوليني، وكان على استعداد لخدمة الأميركيين في النضال المناهض للشيوعية. عرف الرجل بكنية الأمير الأسود ومنح الفرصة لأن يغدو أحد الملوك غير المتوجين للفاشية الكونية لما بعد الحرب. انقذه انغيلتون من أيدي الشيوعيين وواصل الحرب ضد اليسار الراديكالي تحت إشراف صاحب العمل الجديد- السي آي إيه.

كما أورد فريدريك شاربير:"تم إنقاذ الجنرالات وكبار المسئولين والشرطة والصناعيين والمحامين والاقتصاديين والدبلوماسيين والعلماء ومجرمي الحرب الحقيقيين واعيدوا الى وظائفهم. على سبيل المثال، فالرجل الذي أسندت اليه مهمة الإشراف على مشروع مارشال، عمل في الحكم النازي احد كبار مستشاري غورينغ، رئيس أركان القوة الجوية. عمل دالي قائمة بأسماء كبار العاملين في النظام النازي لتأمين حمايتهم وتحويلهم معارضين لهتلر. ويقدر إيريك ليختبلاو أن ما يزيد على عشرة آلاف نازي سابق استطاعوا السفر الى الولايات المتحدة بعد الحرب (على اقل تقدير سمح ل 700 عضو مسجل بالحزب النازي بدخول الولايات المتحدة، بينما في عقد الثلاثينات، كان المهاجرون اليهود يمنعون من دخول الولايات المتحدة [بناءً على طلب الحركة الصهيونية] استطاع  هؤلاء إدخال ما لا يقل عن 1600 عالم ألماني مع أسرهم للإقامة في الولايات المتحدة، وتوظيف خبراتهم في مجال الصواريخ والطيران والأسلحة البيولوجية والكيماوية لصالح الامبراطورية الأميركية.

تعاونت السي آي إيه مع المخابرات البريطانية (إم 16) لإنشاء منظمة سرية تضم جنودا معادين للشيوعية في كل بلد من أوروبا الغربية. ولهذه الغاية جندوا متعاونين نازيين وفاشيين وغيرهم من المعادين للشيوعية واليمين المتطرف. وقدر عددهم بعدة آلاف في كل قطر. وطبقا لما جاء في برنامج تلفزيون ريتوار أوكس سورسيز، كان خمسون شبكة كامنة بالنرويج  و150 في ألمانيا ـ وازيد من 600 في إيطاليا و3000  في فرنسا.  هؤلاء العسكريون المدربون سوف يتم لاحقا تعبئتهم كي ينفذوا او ينسقوا هجمات إرهابية ضد المدنيين، تلصق جرائمها بالشيوعيين لتبرير الهجمة السلطوية باسم "حفظ النظام والقانون". في إيطاليا حدث14591 عدوانا إرهابيا بدوافع سياسية ما بين 1969 و1987، قتل خلالها 491 إنسانا، وجرح 1181.

تحدث فينسينو فينزيغيرا، العضو بمنظمة اورداين نووفو الفاشية، والذي القى قنبلة قرب بيتيانة عام 1972، فقال ان منظمة أفانغارديا نازيونال الفاشية، شأن منظمته تمت تعبئتهما في المعركة كجزء من الاستراتيجية المناهضة للشيوعية الموحى بها من الدولة، وليس من منظمات انحرفت عن مؤسسات السلطة. وتوصلت لجنة برلمانية للتحقيق في الأحداث الى الاستنتاج التالي عام 2000:"تلك المجازر، وتلك القنابل وتلك الأعمال العسكرية قد نظمها او روجها او دعمها رجال داخل مؤسسات الدولة الإيطالية؛ وكما اكتشف مؤخرا، جرت على أيدي رجال يرتبطون ببنية المخابرات الأميركية".

كما قامت سلطة الأمن القومي بالولايات المتحدة بالإشراف على  نقل الفاشيين من أوروبا والسماح لهم بالإقامة في ملاذات آمنة في أنحاء العالم، وذلك مقابل  القيام بأعمال قذرة. وليست قضية كلاوس باربي -جزار ليون- سوى واحدة من آلاف. عمل رئيسا لمكتب الغوستابو لمدة سنتين، في الوقت الذي أمر هملر بإبعاد 22000 يهودي على الأقل من فرنسا. هذا الاختصاصي في"تكتيك التحقيقات المعجلة "، والمعروف عنه انه عذب حتى الموت منسقة المقاومة الفرنسية، جين مولين، نظم أول عرض للاتحاد العام لليهود بفرنسا أمام مخبرين عام 1943، وقتل 41 طفلا في إيزيو في إبريل 1944 في ليون. وقبل نقله الى ليون قاد فرق موت وحشية، قتلت أكثر من مليون إنسان على الجبهة الشرقية، كما اورد اليكسندر كوكبيرن وجيفري سانت كلير[محررين في موقع كاونتر بانش الإليكتروني]. وبعد الحرب انتقل الثالث ضمن قائمة  المطلوبين بإلحاح من مجرمي الغوستابو الى العمل في المخابرات المضادة بالجيش الأميركي. تم استئجاره لتجنيد نازيين للعمل خلف الخطوط  والتجسس على المخابرات الفرنسية في ألمانيا. ولما عرف الفرنسيون ذلك وطالبوا إبعاد باربي اعترض المفوض الأميركي السامي بألمانيا .

بعد ذلك تبين انه مكْلِف للغاية إبقاء جزار مثل باربي في اوروبا، فأرسل الى أميركا اللاتينية عام 1951، حيت واصل ممارسة عمله القذر. استقر في بوليفيا وعمل مع الاستخبارات العسكرية للديكتاتور الجنرال رينيه باريينتوس، ثم مع الدكتاتور هوغو بانزر؛ وفي نفس الوقت شارك في انقلاب الكوكايين عام 1980 وأصبح مدير قوات الأمن في حكم الجنرال ميزا. وخلال كل هذا الوقت احتفظ بعلاقات مع منقذيه  بالولايات المتحدة، ولعب دورا مركزيا في عملية كوندور لتجميع الديكتاتوريات في أميركا اللاتينية لصالح الولايات المتحدة. كما ساعد في تطوير امبراطورية المخدرات في بوليفيا. سافر بحرية في ستينات وسبعينات القرن الماضي وزار الولايات المتحدة، ويحتمل انه شارك في القبض على إيرنيستو غيفارا.

ونفس الدور لعبه الفاشيون في اليابان. أوضح  تيسا موريس- سوزوكي استمرار المخابرات، حيث بالتفصيل شرح كيف أشرفت سلطة الأمن القومي على منظمة كاتو، الشبكة  الاستخبارية الخاصة، المماثلة لمنظمة غيهلين، وأدارتها بصورة مباشرة. كما أقامت قوات الاحتلال الأميركي  علاقات متينة مع قادة المخابرات العسكرية، بمن فيهم رئيس الاستخبارات الامبراطورية. هذه الاستمرارية البارزة في اليابان قبل وبعد الحرب قد دفع موريس – سوزوكي وغيره من العلماء للتعبير عن تاريخ اليابان "نظام عبر الحرب"، بمعنى انه تواصل حتى بعد الحرب. نابوسوكي كيشي، المعجب بألمانيا النازية، عين وزيرا للذخيرة في حكومة هيديكيتوجوعام 1941، لتجهيز اليابان لخوض حرب شاملة ضد الولايات المتحدة، وكان هو الموقّع على الإعلان الرسمي للحرب ضد أميركا. وبعد أن أمضى فترة سجن قصيرة، كمجرم حرب، أعادت سي آي إيه تأهيله مع زميله في الزنزانة، يوشيو كوداما ، ملك الجريمة المنظمة. تزعّم كيشي، بمؤازرة أسياده الجدد الحزب الليبرالي، وتسلم رئاسة الحكومة.

كتب تيم وايزنر ان"اموال السي آي إيه انهمرت طوال خمسة عشر عاما على الأقل، في ظل أربعة رؤساء وزارات وساعدت على توطيد نظام الحزب الواحد باليابان طوال الحرب الباردة".

كما أسست وكالات الأمن القومي الأميركية شبكة تعليم عالمية لتدريب الموالين للرأسمالية- احيانا تحت قيادة نازيين وفاشيين مجربين- على تقنيات الاضطهاد والتعذيب وإثارة الفوضى، الى جانب الدعاية والحرب النفسية. وقد خرّجت المدارس عددا كبيرا من الديكتاتوريين في التاريخ العالمي. كتب ضابط السي آي إيه، جون ستوكويل، طوال حوالي خمس وعشرين عاما دربت السي آي إيه ونظمت ضباط شرطة وميليشيات من أنحاء العالم على تقنيات ضبط الجمهور والاضطهاد والتعذيب. انشئت المدارس داخل الولايات المتحدة وبنما وآسيا، حيث تخرج منها آلاف الضباط. وفي حالات معينة عمل ضباط نازيون من رايخ هتلر الثالث محاضرين  في هذه المدارس".

الفاشية انتشرت بغطاء ليبرالي

هذا التوسع الدولي لأنماط حكم فاشية قد أفضى الى تكاثر معسكرات الاعتقال وحملات التعذيب والإرهاب  والحروب القذرة، وشبكات الجماعات المسلحة والجريمة المنظمة في أنحاء العالم. اُورِد هنا شهادة فيكتور مارشيتي، الذي كان أحد كبار ضباط السي آي إيه خلال الفترة 1955-1969: "كنا نقدم المساعدة لكل ديكتاتور أحمق ولكل طغمة عسكرية واوليغارشية ظهرت في العالم الثالث، طالما يعدِون بالحفاظ على الوضع القائم، الذي هو بالطبع مفيد للمصالح الجيوسياسية الأميركية، والمصالح العسكرية ومصالح البيزنيس وغيرها من المصالح الخاصة.

ان سجل السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية ربما يشكل أفضل معيار لإسهامها الفريد في عولمة الفاشية. تحت علم الديمقراطية والحرية نجحت الولايات المتحدة، كما أورد أستاذ علم النفس، ويليان بلوم، في الإطاحة بما يزيد عن خمسين حكومة أجنبية؛ والتدخل بفظاظة في الانتخابات الديمقراطية في30 بلدا على الأقل؛ ومحاولة اغتيال ما يزيد عن خمسين زعيما أجنبيا؛ كما ألقيت القنابل على اكثر من ثلاثين بلدا؛ وحاولت قمع حركات شعبية او انتفاضات وطنية في عشرين بلدا.

احصت جمعية مكونة من 14 ضابطا سابقا بالسي آي إيه، تدعى جمعية المعارضة المسئولة، أن وكالتهم مسئولة عن مقتل ستة ملايين إنسان كحد أدنى، في 3000 عملية كبرى و10000 عملية صغرى، وذلك خلال الفترة 1947-1987. نفذت اغتيالات مباشرة، شملت ضحايا الاعتقالات الجماعية والتعذيب وسوء التغذية ونقص مياه الشرب والاستغلال والقمع والتردي الاجتماعي وأمراض البيئة او الأمراض (في العام 2017، طبقا لتقارير الأمم المتحدة توفي 6.3 مليون طفل وشاب يافع من أمراض يمكن تجنبها مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية واللامساواة البيئية في نظام الرأسمالية، أي بمعدل موت طفل كل 5 ثوان).

كي تفرض هيمنتها العسكرية العولمية وتؤدي دور  كلب حراسة دولي للرأسمالية اعتمدت حكومة الولايات المتحدة وسلطة الأمن القومي على مساعدة عدد هام من النازيين والفاشيين قامت بدمجهم في شبكة الاضطهاد الخاصة بها، بمن فيهم 1600 نازي جلبوا الى الولايات المتحدة من خلال عملية  بيبر كليب؛ وقرابة 4000 دمجوا في منظمة غيهلين؛ عشرات بل مئات آلاف أعيد دمجهم في الأنظمة المتشكلة بعد الحرب- وبالأحرى عبر الحرب- في البلدان الفاشية؛ العدد الضخم ممن منحوا حرية العبور الى الفناء الخلفي للامبراطورية –أميركا اللاتينية- وأماكن أخرى؛ آلاف او عشرات الآلاف ممن دمجوا في كوادر حلف الأطلسي للعمل خلف الخطوط. تلك الشبكة العولمية من قتلة مجربين للشيوعيين قد استخدموا أيضا لتدريب جيوش من الإرهابيين في أنحاء العالم للمشاركة في الحروب القذرة وتدبير الانقلابات وزعزعة الاستقرار والتخريب وحملات الإرهاب.

جرى كل هذا تحت غطاء الديمقراطية الليبرالية وبمساعدة صناعات الثقافة ذات الحول والطول. ان التراث الحقيقي للحرب العالمية الثانية أبعد ما يكون عن نظام ليبرالي عالمي الحق الهزيمة بالفاشية، إنما هو تطور دولي فاشي حقا تحت غطاء ليبرالي في محاولة لتدمير اولئك الذين كافحوا بالفعل وكسبوا الحرب ضد الفاشية، أقصد الشيوعيين.

(يتبع - الحلقة الرابعة)