عن الحزب الذي نريد في المؤتمر الخامس لحزبنا أ. ناظم سعد الحنيني

2021-02-26

عن الحزب الذي نريد في المؤتمر الخامس لحزبنا

 (مساهمة في النقاش)

1

أ. ناظم سعد الحنيني

حلم البدايات...:  

لقد كان الأمرعظيماً، تلقينا الفكرة شباباً وتبنيناها بحثاً عن الهوية الوطنية والفكرية، رغم معاندة المجتمع والواقع المعاش، كان الحلم كبيراً، والفكرة نبيلة فيها السعي للحق والحرية والعدالة الاجتماعية، أخذتنا فرصة قراءاتنا للأدب الاشتراكي بعيداً لعوالم رحبة من الإنسانية، تأثرنا بأبطال مكسيم غوركي وتولستوي وماركيز وحفظنا عن ظهر قلب شعراً لبابلو نيرودا.

كان ذلك قبل أن تحط رحال معرفتنا قريباً بعوالم شعر توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم، وأدب إميل حبيبي وحنا مينا ويوسف إدريس وعبد الرحمن منيف، اكتشفنا خلالها كم هي عظيمة المنطلقات الأخلاقية التي نناضل من أجلها.

اكتشفنا مبكراً أيضاً أن وحدها النوايا الطيبة والإخلاص غير كافية لتحقيق هذه المنطلقات، فكان بداية الطريق بحثنا عن الأداة أو المظلة التي يمكن للنضال بكنفها تحقيق الصورة الجميلة للمجتمع والعالم الإنساني الذي نريد، فكان انتماؤنا لفكر اليسار والماركسي منه قبل خمس وثلاثين عاماً تقريباً، بداية طريقنا للسياسة الفلسطينية الفريدة المزج بين النضال الوطني التحرري والنضال الاجتماعي مع غلبة الأول في الكثير من المحطات.

في بداياتنا الأولى كان الإنخراط السريع بفعاليات الإنتفاضة الكبرى عام (1987)، أولى مساهمات جيلنا في الفعل الوطني العبقري بمعنى الكلمة؛ " كانت عبقرية الانتفاضة تتمثل في تحييد أسلحة الاحتلال الثقيلة، باعتمادها على الحجر والمولوتوف والعصيان المدني الشامل، كما تتمثل أيضاً، بالالتزام الحديدي والدقيق بالقرارات التي كانت تصدرها القيادة الوطنية الموحّدة عبر بياناتها آنذاك "،*حسب وصف المتوكل طه للانتفاضة الكبرى.

أيام الانتفاضة الكبرى التي ناطح فيها الكف الفلسطيني مخرز الإحتلال بصلابة كان لها لون واحد هو الأبيض، الذي يسعى للانتصار على الأسود بكل مكوناته ومصادره، انخرط جيلنا بفكره الواعي بفعالياتها؛ لإيماننا بالفعل الشعبي الذي خبرنا بوعينا الجديد نجاحاته السابقة.

في بحثنا الدؤوب عن الهوية الفكرية؛ قرأنا ماركس وانبهرنا بدور فكره في الإنقلابات الكبيرة التي حدثت في بعض دول أوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا والتي بدأت بإرساء عالم أكثر إنسانية ومجتمعات أكثر عدالة وتضامناً.

تماماً كما انتبهنا لسحر الفكر الذي حمله فلاسفة ومبدعون عظام، وتبناه قادة وثوار وزعماء صالوا وجالوا بلدان ومجتمعات المعمورة ناشرين مبادئ الحرية والعدل؛ كان الأمل كبيراً والوازع أكبر بأن نبني مجتمعاً تسوده هذه القيم السامية.

قراءتنا لماركس الفيلسوف الجدلي، الذي كان مسكوناً بالسعي لمصير سعيد للعالم، قادتنا لقراءة لينين وتروتسكي وغيفارا وماوتسي تونغ وجياب وغرامشي، تماماً كما قادتنا  لمعرفة فكر حسين مروة ومهدي عامل وفرج الله الحلو وخالد بكداش وفؤاد نصار ومعين بسيسو وبشير البرغوثي، جلهم رغم اختلاف منابتهم سعوا لعالم تسوده قيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

الدور الذي أردناه....:

خبرنا في شبابنا الساعي للتغيير؛ مرحلة ذهبية مثلت القوى اليسارية ذات الجذور الماركسية والقومية خياراً على مدار سنوات الاشتباك مع المشروع الاستيطاني الصهيوني، وخطت نهجاً ثورياً تمثل في الموقف، وحسم الخيار بالانتماء والتعبير عن جماهير شعبنا الكادحة؛ كما نصت برامجها، وحملت البرنامج الوطني التحرري، وتصدت لمهام ومتطلبات المرحلة.

لم يطل ابتهاجنا بالمد الشعبي والنخبوي للفكر والطريق الذي سلكناه؛ حتى ظهرت بوادر الأزمة التي عصفت بحركة التحرر العربي والفلسطيني، وفي القلب منها القوى اليسارية.

وجدنا أنفسنا في أتون معركة اثبات وجود؛ بدأ شعورنا بفقدان الوزن وضياع الهوية، قد يكون للانهيارات التي أطاحت بقوة المثال العالمي تأثيراتها الموضوعية بحالة التشتت التي ألمت بقوى آمنا بفكرتها النبيلة، الفكرة التي عاهدنا شعبنا للسعي من خلالها لبناء مجتمع الحق والعدل والحرية.

في انتظارنا لإعادة التوازن؛ وجدنا أنفسنا أمام حاجة ماسة للدفاع عن الذات، لاعتقادنا بأهمية الذات للبحث عن "الحلول للأزمة" التي بدأت تدخل معجمنا، رغم اقتناعنا بقوة العامل الموضوعي.

لست من النادمين على ماض فيه الكثير من الإضاءات المشرقة، كما أنني لست ممن يتنكرون لنضالات وتضحيات عشرات آلاف الكادرات من القادة والمفكرين العظام والشهداء والأسرى الذين سبقونا في دروب التضحية.

ما أكتبه هنا محاولة مني وأنا ابن هذا الفكر الذي لا زال يحافظ على ضرورته في المبنى الوطني والاجتماعي لمجتمعنا، للدعوة إلى سبر غور "الأزمة" والبحث الجاد عن مكامن الخلل.

دعوتي هذه بحاجة لمساهمات حازمة وإرادة جسورة هدفها إعادة الاعتبار للمنطلقات الأخلاقية التي نشأ هذا الفكر على هديها؛ هذا لا يتأتى إلا بالعودة المظفرة والمقنعة للقاعدة الشعبية التي مثلت مع اختلاف المراحل الظهير الأمين على منطلقات الفكر وحملة لواءه، إضافة للعمل على لفظ كل ما من شأنه تغييب الناس أو انفصالهم عنه؛ " فلا خيار أمام هذه القوى إلا مدخل استعادة الجمهور ودوره" عبر أدوات المشاركة الديمقراطية بعيداً عن تغييبه أو الحديث باسمه عبر مناورات أضحت مكشوفة.

دعوتي جاءت في وقتها لقرب انعقاد مؤتمر حزبنا الخامس في الثلث الأول من شهر نيسان القادم، أي بعد أقل من شهرين من الآن بقليل، قد نحتاج إلى مبضع جراح لإحداث جراحات عميقة لتجاوز كل ما علق من زوائد في المبنى الفكري والذهني؛ وهذا لا يتحقق إلا عبر المراجعة الصادقة لمجمل التجربة، وعبر الفكر الواعي والجسارة اللازمة لطرح البدائل التي تعيد لهذا الفكر وقواه الحية ألقها المفقود.

أنا صاحب رأي بأهمية إعادة الاعتبار للنقد، مع التركيز على نقد السياسات لا الأفراد، في سعي مني للغوص عميقاً في الأسباب والظواهر. عدا ذلك ستبقى هذه القوى ومعها فكرها رغم نبل رسالته رهينة لماض بدأت تتكشف مكامن الخلل فيه.

على وقع المراجعة المتأنية لمجمل التجربة يأتي الأمل بمستقبل جديد في هذا الظرف المصيري، الذي باتت فيه مجمل قضيتنا الوطنية في مهب مشروع صهيوني اقتلاعي، وداخلياً تتمثل بنظام سياسي قاصر تتلاقفه ثنائية متحصنة بمواقع البحث عن المصالح الفئوية ومتناسية الهم العام للمواطن والوطن.

خلاصة القول أن الحاجة ملحة لهذا الفكر وقواه الحية، ليأخذوا دورهم المركزي في المسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه المجتمع والقضية.

إن تراخت هذه القوى في لعب هذا الدور، عندها سيكون لسان حال الناس يذكرني ببيت شعر للرائع مظفر النواب في إحدى قصائده، حين قال: " حينما لم يبق وجه الحزب وجه الناس ....قد تم الطلاق".

طبعاً هذا ما لا نتمناه لهذه القوى؛ اذا اغتنمت الفرصة قبل فوات الأوان.