صفحات مشرقة من المقاومة الشعبية ضد الاستيطان والاحتلال | د. ماهر الشريف

2022-01-05

صفحات مشرقة من المقاومة الشعبية ضد الاستيطان والاحتلال

| د. ماهر الشريف

أصبحت المقاومة الشعبية في مواجهة الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة ظاهرة تثير اهتمام المحللين والمراقبين، وذلك بفضل حيويتها وتنوع أشكالها، وشجاعة الشبان والشابات المنخرطين فيها وغلبة الطابع الوطني، البعيد عن النزعات الفصائلية، عليها. فمن بلعين إلى النبي صالح، ومن بيتا إلى بيت دجن، وصولاً إلى برقة، أثبتت هذه المقاومة فعاليتها في التصدي ليس للمستوطنين الصهيونيين فحسب وإنما كذلك لوحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي التي تدعمهم، وصارت تحظى بتضامن واسع على الصعيد الدولي وحتى من جانب مناهضي الاحتلال داخل إسرائيل.

بلعين: قصة انتصار شعبي

بلعين قرية تقع في محافظة رام الله والبيرة، ويعيش معظم سكانها على الزراعة، وخصوصاً زراعة الزيتون، وقد ذاع اسمها، منذ مطلع سنة 2005، بعد قيام سكانها بتنظيم مظاهرات أسبوعية حاشدة ضد بناء الجدار الفاصل الذي يمتد مساره إلى ما وراء أراضي القرية، ويعزل سكانها عن مصادر رزقهم. وقد تشكلت لجنة شعبية للإشراف على احتجاجات السكان، اضطلع بتنسيق نشاطاتها معلم في المدراس الثانوية هو عبد الله أبو رحمة. وقد ابتدعت هذه اللجنة أشكالاً نضالية عديدة، منها تعبئة التضامن الدولي، واللجوء إلى القضاء الإسرائيلي، وهو ما ساهم في الحد من قيام الجنود الإسرائيليين باستخدام الذخيرة الحية في تفريق المتظاهرين، فضلاً عن دعوة مراقبين دوليين ونشطاء إسرائيليين، وتنظيم مؤتمرات وموائد مستديرة لإبراز أهمية المقاومة الشعبية وفضح المشروع الإسرائيلي القائم على مصادرة أجزاء واسعة من أراضي القرية.

واعتباراً من سنة 2006، صارت تنشأ لجان وروابط في القرى القريبة، على غرار لجنة بلعين الشعبية، بغية خلق شبكة للمقاومة الشعبية. ويفتخر عبد الله أبو رحمة بأن بلعين "كانت مثالاً، وكان لمبادرتها مدى تجاوز بكثير الهدف الأولي المتمثل في عدم عزلنا عن أرضنا، إذ  أصبحت بلعين منصة مفتوحة على العالم". وأمام احتجاجات سكان القرية المتواصلة والتي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، والتضامن الدولي معهم الذي شارك فيه العديد من الشخصيات المعروفة مثل الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، وديزموند توتو  رئيس أساقفة جنوب إفريقيا، الحائزين على جائزة نوبل للسلام، أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا، في أيلول/سبتمبر 2007، حكماً عبّرت فيه عن عدم اقتناعها بالمبررات الأمنية التي قدمها الجيش الإسرائيلي للحفاظ على مسار الجدار الفاصل عبر أراضي بلعين، وأن مسار الجدار يضر ببلعين ويجب تغييره، وهو ما يسمح لسكان القرية باستعادة نسبة كبيرة من الأراضي التي صادرتها إسرائيل في سنة 2004. وفي حزيران/يونيو 2011، بدأت قوات الجيش الإسرائيلي بالفعل بتفكيك أجزاء من الجدار المقام على أراضي بلعين (1).

النبي صالح: مقاومة شعبية متواصلة منذ أكثر من عقد

تقع قرية النبي صالح شمال غرب مدينة رام الله، وقد أقيمت فوق مساحة واسعة من أراضيها مستوطنة "حلميش". وفي أواخر سنة 2009، صادر المستوطنون الصهيونيون نبعاً للمياه يقع في الوادي الواقع بين القرية والمستوطنة ومنعوا  أهالي القرية من الوصول إليه، علماً أنه من مصادر المياه الرئيسية في القرية ويشكّل موقعه متنزهاً لسكانها، الذين قرروا الاحتجاج والتصدي للاحتلال، ومقاومة مصادرة أراضيهم ومياههم من خلال تشكيل لجنة للمقاومة الشعبية وتنظيم مظاهرة أسبوعية كل يوم جمعة، كانت تجابه بقمع جنود الاحتلال الذين صاروا يعلنون القرية منطقة عسكرية مغلقة صباح كل يوم جمعة ويمنعون دخول المتضامنين إليها، كما قتلوا واعتقلوا العشرات من شبانها وشاباتها، من بينهم الشابة عهد التميمي التي أطلق سراحها في تموز/يوليو 2018 بعد اعتقال دام نحو ثمانية أشهر (2). وعلى الرغم من انطلاق الاحتجاجات الشعبية في القرية منذ أكثر من عشرة أعوام، فإن زخمها لم يخمد، إذ وقعت مواجهات عنيفة في القرية في تموز/يوليو 2021 ، استشهد خلالها الفتى محمد منير التميمي متأثراً بإصابته برصاص جنود الاحتلال.

بيتا: أسلوب مبتكر في المقاومة الشعبية

تقع قرية بيتا جنوب مدينة نابلس، وقد نجح سكانها، في مطلع تموز/يوليو 2021، في إجبار جنود الاحتلال الإسرائيلي على إخلاء البؤرة الاستيطانية "إفياتار" التي أقيمت على قمة جبل صبيح، وتحويلها إلى منطقة عسكرية، وذلك بعد احتجاجات تواصلت على مدى شهرين، وشهدت سقوط سبعة شهداء و 294 جريحاً فلسطينياً. وأعلنت سلطات الاحتلال أنها ستفحص لمن تعود ملكية الأراضي التي أقيمت عليها البؤرة الاستيطانية، قبل أن تتخذ قرارها النهائي بشأن مستقبلها.

وقد اتخذت احتجاجات أهالي بيتا على الاحتلال والاستيطان شكل المظاهرات الأسبوعية التي تجري يوم الجمعة من كل أسبوع، وتُرفع خلالها الأعلام الفلسطينية فقط، ويتخللها إحراق إطارات السيارات، والمواجهات مع الجنود والمستوطنين، كما شهدت لجوء الأهالي إلى أسلوب كفاحي مبتكر تمثّل في تنظيم حملات "إرباك ليلي"، إذ يتجمع مئات الفلسطينيين من جميع الأعمار في مجموعات صغيرة  تثير ضوضاء واسعة عبر إطلاق أصوات أبواق كبيرة، وتسليط  أشعة الليزر نحو منازل المستوطنين ورمي مفرقعات عليها، لمنع قاطنيها من النوم وتذكيرهم بأنهم محتلون وغير مرحب بهم على الأرض الفلسطينية (3).

ومع أن الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة زعمت في تشرين الأول/أكتوبر 2021، بعد فحص ملكية الأراضي التي أقيمت عليها البؤرة الاستيطانية، أن حوالي 60 دونماً من هذه الأراضي تعتبر أراضي دولة ويمكن البناء عليها، إلا أن أهالي قرية بيتا مصممون على الحؤول دون ذلك وإزالة جميع مباني المستوطنين من على أراضيهم.

بيت دجن: الاستمرار في المقاومة حتى إفشال المخطط الاستيطاني

تقع بلدة بيت دجن إلى الشرق من مدينة نابلس، وقد ذاع صيتها جراء المقاومة المستمرة التي يخوضها أهاليها، منذ أشهر عديدة، ضد مشاريع الاحتلال الرامية إلى مصادرة أراضيهم وفصل بلدتهم عن الأغوار ومحافظات أريحا وطوباس ونابلس، وضد محاولات المستوطنين الصهيونيين الساعية إلى تثبيت بؤرة استيطانية أقاموها على مساحة 15 دونماً، وذلك بعد أن قدِم مستوطن مع عائلته وقطيعه من الأبقار إلى موقع في البلدة، وأقام بيتاً متنقلاً فيه  وسيّج الأراضي المحيطة به. وينقل الصحافي بشار دراغمة عن نصر أبو جيش، مسؤول اللجنة الشعبية للدفاع عن الأراضي في البلدة، قوله إن "الأمر لا يتوقف على إقامة بؤرة استيطانية، وإنما محاولة مصادرة نحو 25 ألف دونم من أراضي أهالي بيت دجن، وهي نصف مساحة أراضي البلدة"، ويضيف أن "المخططات الاستيطانية تبدأ ببؤرة وتتوسع لمصادرة المزيد من الأراضي، وما يجري فوق أرض بيت دجن خطير للغاية، ونحن مصرون على كنس البؤرة وحفظ الأراضي لأصحابها".

وتتخذ احتجاجات أهالي البلدة، التي تشرف عليها لجنة الدفاع عن الأراضي، شكل مظاهرات أسبوعية ومبادرات لزراعة الأراضي بالأشجار المثمرة والحبوب، وإعادة زرع أشجار الزيتون التي يقتلعها المستوطنون. كما تتخذ أحياناً شكل حملات "الإرباك الليلي"، عبر اللجوء إلى إحراق الإطارات واستخدام أبواق المركبات والإضاءة القوية، سعياً إلى إزعاج المستوطنين. ويرد جنود الاحتلال على هذه الاحتجاجات بإطلاق الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع، الأمر الذي أدى إلى استشهاد مؤذن جامع البلدة الشيخ عاطف حنايشة وإصابة عشرات المواطنين بجروح (4).

برقة: مقاومة متصاعدة لمنع المستوطنين من إحياء مستوطنة "حومش"

تقع بلدة برقة في محافظة نابلس بالقرب من الشارع الرئيسي الواصل بين مدينتي نابلس وجنين، وقد لفتت الأنظار إليها في الأسابيع الأخيرة عقب الصدامات الواسعة التي صارت تجري بين أهاليها، من جهة، ومجموعات المستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال الإسرائيلي، من جهة ثانية. ففي 16 كانون الأول/ديسمبر 2021، نفذ شابان فلسطينيان عملية أدت إلى مقتل مستوطن وإصابة مستوطنين اثنين آخرين بجروح طفيفة على مدخل مستوطنة "حومش" الواقعة على جبل القبيبات المطل على البلدة، وهي مستوطنة كانت سلطات الاحتلال قد أخلتها من قاطنيها سنة 2005 في إطار خطتها لفك الارتباك بقطاع غزة، وباتت بلدة برقة، منذ ذلك الحين، هدفاً لهجمات يومية واسعة يقوم بها مئات المستوطنين الذين يعتدون، بحماية جنود الاحتلال، على المنازل والممتلكات والمقابر، فيتصدى لهم أهاليها بمقاومة شعبية منظمة، تهدف إلى حماية الأراضي الفلسطينية ومنع المستوطنين من الوصول إلى قمة الجبل وإحياء مستوطنة "حومش" وتثبيت وجودهم فيها من جديد، كما تهدف إلى توفير حماية للمنازل الواقعة على أطراف البلدة القريبة من الجبل.

ففي 25 كانون الأول الفائت، على سبيل المثال، تصدى المواطنون الفلسطينيون لهجوم شنه المستوطنون على البلدة، فدارت مواجهات عنيفة تخللها رشق حجارة وزجاجات حارقة، بينما لجأ جنود الاحتلال والمستوطنون إلى إطلاق الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع، ما أسفر، بحسب طواقم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، عن سقوط 247 جريحاً، كان من ضمنهم 10 بالرصاص الحي، و 48 بالرصاص المطاطي و 185 بالاختناق بالغاز. 

وتتميز المقاومة الشعبية التي ينظمها أهالي بلدة برقة في مواجهة المستوطنين بمشاركة مواطنين من القرى والبلدات المجاورة في نشاطاتها، وخصوصاً من بلدة سبسطية وبلدة سيلة الظهر وقرية قريوت.  

وهكذا، وبمبادرات محلية إبداعية، يسجّل الفلسطينيون والفلسطينيات يومياً صفحات مشرقة من المقاومة الشعبية، التي ينخرط فيها الجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، في وحدة وطنية يظللها قاسم مشترك هو نزع الإستيطان الصهيوني عن الأرض الفلسطينية ودحر الاحتلال الإسرائيلي عنها.

الهوامش:

1- https://www.alternatives-non-violentes.org/Revue/Numeros/167_Albert_Camus_ou_le_refus_du_meurtre/De_la_resistance_non-Violente_palestinienne_exempl

2- https://m.uneseuleplanete.org/Nabi-Saleh-village-de-la-resistance-populaire

3-https://www.chroniquepalestine.com/beita-une-nouvelle-forme-de-resistance-populaire-fait-ses-preuves/ https://www.lorientlejour.com/article/1272794/-ni-hamas-ni-fateh-beita-laboratoire-de-la-contestation-palestinienne.html

4-https://alhaya.ps/ar/Article/119554/%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%AF%D8%AC%D9%86-%D8%AA%D8%B5%D9%86%D8%B9-%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC%D8%A7-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%A9

https://felesteen.news/post/93650/%D8%A8%D9%8A%D8%AA%D8%A7-%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%AF%D8%AC%D9%86-%D9%81%D8%AA%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D8%B4%D8%AA%D8%B9%D9%84-%D8%AD%D8%AA%D9%89-%D8%AF%D8%AD%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86

5-https://www.alquds.co.uk/%D8%A8%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%AA%D9%84%D8%AD%D9%82-%D8%A8%D9%80%D8%A8%D9%8A%D8%AA%D8%A7-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B0%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA

https://alqudscenter.info/articles/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D9%86%D8%A7%D8%A8%D9%84%D8%B3