أين نقف الان وما المطلوب عمله؟!

2024-04-29

| شوقي العيسة

تحليل اهداف العدوان الفاشي الحالي ليس من خلال الغوص في التفاصيل اليومية على اهميتها بل يجب ان يسبق ذلك، ويكون اساس لفهم الاهداف، معرفة وفهم الاستراتيجية بعيدة المدى للحركة الصهيونية.

الهدف الصهيوني سيطرة وسيادة اسرائيل على كل فلسطين بأقل عدد ممكن من الفلسطينيين فيها. وتقوية اسرائيل لتصبح القوة الاقليمية الاولى المقررة. ثم التوسع والطموح لتصبح قوة عالمية مقررة.

هذه الاهداف تحدد وتقرر كل ما تفعله الحركة الصهيونية بكل اطيافها.

منذ ما قبل النكبة واثنائها وبعدها لم تقم اسرائيل بأي عمل يتعارض مع هذه الاهداف الاستراتيجية. احيانا تتكتك وتتدرج في التنفيذ حسب الظروف.

لكن من المهم الانتباه ان المنطقة والعالم ليست كجهاز كمبيوتر يستجيب لضربات الكيبورد الصهيوني دائما. وحركة الشعوب لا تخضع دائما لمخططات السياسيين بل يأخذها السياسيون بعين الاعتبار اثناء وضع مخططاتهم. ويضطرون لتعديل خططهم بناء على هذه الحركة.

الحركة الصهيونية بطبيعتها الكولونيالية العنصرية الفاشية الدموية لا تهمها اطلاقا الخسائر البشرية سواء في صفوف الاسرائيليين او الفلسطينيين او غيرهم ما دامت لا تؤثر على تنفيذ اهدافهم الاستراتيجية.

ولانها تعرف ان تنفيذ اهدافها يتطلب القيام بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم ابادة وتطهير عرقي فأنها حرصت من البداية على بذل جهود هائلة للسيطرة على وسائل الاعلام والتغلغل في اوساط الهيئات والمؤسسات الدولية وخاصة في الدول الغربية من اجل تضليل العامة وحرف الانظار عن هذه الجرائم. وقد بدأت الحركة الصهيونية بذلك منذ ما قبل الحرب العالمية الاولى وتقوم باستمرار بتطوير هذا العمل، من المهم ان نقر انها نجحت نجاحا كبيرا على مدى اكثر من مئة عام. وهنا يجب القول ان هذه الهيمنة الصهيونية بدأت بالتخلخل بعد ٧ اكتوبر.

خلال هذا العدوان على قطاع غزة وفي بدايته طالبت اسرائيل وامريكا علنا بنقل الفلسطينيين من قطاع غزة الى سيناء. وحين فشلوا في تنفيذ ذلك انتقلوا الى تنفيذ التخلص من الفلسطينيين في القطاع بإبادتهم.

الدعم اللامحدود وغير المسبوق من المعسكر الامريكي وعدم قيام المعسكر المناوىء للمعسكر الغربي برد فعل مؤثر عمليا، جعل الصهاينة بما اصابهم من عمى القوة يرتكبون أفظع الجرائم منذ تأسيس اسرائيل.

عجزهم عن تنفيذ المهمة في وقت قصير وفقدانهم الهيمنة الكاملة على وسائل الاعلام الدولية وفتح اكثر من جبهة واتساع نشاطات التضامن مع الشعب الفلسطيني في مختلف دول العالم. جعل المعسكر الامريكي الغربي يبدأ في التفكير ان اسرائيل لا تستطيع تحقيق اهداف العدوان. وبدأ التراجع عن الدعم المطلق لها في هذا العدوان. لان امريكا ومن معها لديها تخوف على مصالحها في المنطقة اضافة الى تخوفها من اتساع الضغط الشعبي ضد اسرائيل وضد الدعم الامريكي الغربي لها، وتخوفها الاكبر من تفكك المجتمع الاسرائيلي بكل ما يحتويه من تناقضات.

سبب نجاح اسرائيل في المئة عام السابقة، كان اهم سبب ادى له هو عدم وجود تخطيط واستراتيجية لدى الطرف الاخر الفلسطيني العربي، وعدم اتصاف القيادات الفلسطينية بالديناميكية السياسية في العمل والبرامج. اما سبب بطأ اسرائيل في تنفيذ اهدافها طوال ٧٦ عاما مضت فهو الصمود الشعبي الفلسطيني والبطولات والتضحيات التي قدمها.

ما بعد ٧ اكتوبر ليس كما قبله.

اولا ما يسمى حل الدولتين والتفاوض حوله اصبح غير واقعي وغير قابل للتحقيق، اكثر من اي وقت سابق، واذا استمر فانه فقط سيعطي الصهاينة ومن معهم الوقت لإعادة ترتيب صفوفهم ومواصلة العمل لتحقيق اهدافهم الاستراتيجية.

ثانيا اتساع التضامن مع الشعب الفلسطيني والعداء لإسرائيل في مختلف دول العالم وخاصة في امريكا واوروبا يعود لعدة اسباب منها حجم جريمة الابادة التي ترتكبها اسرائيل وفقدان هيمنتها على وسائل الاعلام وخاصة الاعلام الشعبي وعدم قدرتها على مواصلة تسويق اكاذيبها وكذلك مواصلة جريمتها على مدى عدة اشهر ولا تزال مستمرة. وانكشاف زيف ادعاءات امريكا واوروبا باحترام الديموقراطية وحقوق الانسان امام شعوبهم. والسبب الاخر الذي يحتل اهمية كبرى هو حملة وصم اسرائيل بدولة فصل عنصري (ابارتهايد) لما لذلك من مكان في عقلية الشعوب في امريكا واوروبا نتيجة لتجربتهم مع النظام السابق في جنوب افريقيا وهي تجربة حديثة لا يزال من عايشها على قيد الحياة وهي جزء من ثقافتهم.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف السبيل الى المحافظة على هذه الحالة في دول الغرب وغيرها من دول العالم ؟! هل الصمود والبطولة والتضحية الشعبية الفلسطينية كافية ؟! لا ليست كافية.

انا اعتقد ان علينا البدأ بسرعة في نقاش برنامج سياسي استراتيجي يدعو الى المطالبة بدولة واحدة في كل فلسطين وعودة اللاجئين وحل السلطة وتبني هذا الطرح بشكل واسع والتحدث بلغة سياسية تفهمها شعوب العالم وخاصة شعوب الدول المقررة في السياسة الدولية، والاهتمام ببناء اوسع تحالف مع كل القوى المساندة لحقوق شعبنا.

ما حصل في ٧ اكتوبر وما تلاه غير الكثير في العالم فهل يغيرنا نحن. من حقنا ان تكون لنا قيادة مؤهلة تخطط وتضع برامج تؤدي لنتائج.

اما المهمة اللحظية الان والتي يجب على الجميع تقديمها على كل شيء فهي وقف الابادة بأي شكل كان.