لقاء صحفي مع الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني

2008-04-21

تقوية و توحيد اليسار مساهمتنا المركزية في حماية المشروع الوطني والديموقراطي والمجتمعي  

عقد حزب الشعب الفلسطيني مؤخرا مؤتمره العام الرابع، تحت شعار "اليسار طريقنا نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية" هذا الشعار الكبير يطرح في الوقت الذي نشهد فيه تراجعا كبيرا  لقوى اليسار ليس على الساحة الفلسطينية فحسب، بل وفي العالم العربي، ويمكن القول في العالم أجمع، باستثناء بعض الدول من اميركيا اللاتينية.
ولأن الشعار الذي رفعه مؤتمر حزب الشعب كبير ، ولأن هناك الكثير ممن هجروا التنظيمات اليسارية ناهيك عن حالة الانقسام السائدة في المجتمع الفلسطيني، آثرنا على أنفسنا أن نلتقي الأمين العام للحزب وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني الاستاذ بسام الصالحي، لنستوضح منه عن اليسار الفلسطني وأسباب تراجعه وكيفية استعادة دوره في الحياة السياسية وتحقيق شعار الحزب الكبير .من اجل وحدة قوى وتيارات اليسار الفلسطيني وفيما يلي نص المقابلة:

س: لماذا تتمسكون  باليسار وهل ما يبرر ذلك ؟

ج: نتمسك باليسار لانه لعب دوراً هاماً في مسيرة الكفاح الوطني والاجتماعي الديموقراطي الفلسطيني، وكذلك لأن هذا الدور لا يزال مطلوبا، فعندما ذهب الاخرون نحو الانقسام والتشتيت والتجزأة ،فان اليسار يسعى لتصويب الامور بل و يستطيع ان يحافظ على التوحد  وجمع الشمل وجعل التغيير المنشود والمطلوب تغييرا تقدميا يتجه بالامور على كل الاصعدة الوطنية والديموقراطية والاجتماعية الى الامام.
كذلك فإن تيار اليسار له مقوماته الفكرية والاجتماعية والسياسية المستقلة  التي  لا تعبر عنها التيارات السياسية القائمة في الساحة الفلسطينية وابرزها حركتي فتح وحماس ،ولانه تيار يطمح الى التغيير بافق ثوري تقدمي وفق رؤيته هذه فنحن نتمسك به ونثق بالدور الذي يجب ان يضطلع به،وبعبارات موجزة فان اليسار هو يسارتحرري يناضل من أجل تحقيق برنامج التحرر والاستقلال الوطني ، وهو يسار اجتماعي منحاز للفئات الفقيرة والشعبية، ويناضل معها ضد الفقر والبطالة والاستغلال والاحتكارات ومن أجل تعزيز مكتسباتها وحقوقها ومن اجل العدالة الاجتماعية، وهو يسار ديمقراطي، يناضل من أجل تطوير التجربة الديمقراطية في فلسطين على اساس التعددية وفصل السلطات وتعزيز سيادة القانون وضمان الحريات ومشاركة الجميع في النظام السياسي على أسس ديمقراطية، وهو يسار تقدمي يناضل من أجل التغيير الى الامام، على أساس فكر التنوير والجدل المادي العلمي والمساواة والتقدم وفي مقدمة ذلك في موقفه من المرأة ، وهو يسار علماني يناضل من أجل دولة مدنية، تقوم على الفصل بين الدين والدولة.
انه باختصار يسار وطني اجتماعي، ديمقراطي، تقدمي، علماني.
وعلى اساس مقوماته هذه فانه يعبر عن حاجة موضوعية وكذلك عن استعداد ذاتي للتعبير عنها.
س: لكن مصطلح اليسار لوحده لا يمثل تعريفا ايديولجيا او حتى مفهوما مشتركا؟
ج: هذا صحيح بشكل عام ،لكن باتت هناك مميزات مشتركة في التجربة التاريخية تعطي دلالات محددة لمفهوم اليسار ومضمونه تقلص من العمومية التي تحدثت عنها وثقربه من ان يصبح ذو دلالات اكثر تحديدا ، ومع ذلك فالامر يصبح اوضح عندما نتحدث عن الحالة الملموسة لليسار الفلسطيني،سواء كتنظيمات او كتيار اوسع نطاقا،فاليسار الفلسطيني  ورغم تنوع تياراته فإنه تميز بكونه على العموم يساراً ماركسياً، تباينت توجهاته السياسية ، وتقاربت الى حد بعيد رؤاه الاجتماعية والفكرية.
ورغم ان جذور هذا اليسار تراوحت بين الجذور الشيوعية التي مثلها حزب الشعب الفلسطيني كامتداد للتراث الشيوعي الفلسطيني، والجذور القومية التي مثلتها كل من الجبهتين الشعبية والديمقراطية وتنظيمات اليسار الأخرى، الا ان كل هذه التيارات، تقاربت الى حد كبير خلال مسيرة الكفاح المشترك، وخاصة في ملامستها للقضايا الاجتماعية – الديمقراطية التي باتت على تداخل عميق مع قضايا التحرر الوطني، بعد نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية، واتساع الصراع والتباين تجاهها، وفي الاستحواذ عليها، بما في ذلك  اللجوء  الى استخدام الوسائل العنيفة التي شهدتها احداث غزة الاخيرة.
ولذلك ليس من الصعب رؤية الخصائص المشتركة التي تميز اليسار الفلسطيني عن التيارات الاخرى ،ولكن الصعب والذي يحتاج الى ابداع وتطوير هو تجديد هذا اليسار وتآصيل مفاهيمه ومضمونه في الساحة الفلسطينية والنضال مع القوى الاجتماعية التي يدافع عن مصالحها من اجل تحقيق هذه المصالح،وفي سياق هذه العملية نحن واثقون من ان الجدل والتجربة واستحقاقات الواقع ستسهم في بلورة معالجات مبتكرة لقضايا الواقع الفلسطيني انطلاقا من مضامين وقيم اليسار الهادف الى التغيير التقدمي والى تحقيق قيم المساواة والعدالة الاجتماعية والتحررا،وفي هذه العملية هناك مساحة كبيرة كي تكون جبهة اليسار اكثر اتساعا وذلك يمشاركة قوى التقدم الاجتماعية .

س: تراجع اليسار اصبح ملحوظا بعد انهيار الاتحاد السوقييتي والمنظومة الاشتراكية، وفي حالتنا الفلسطينية هل هذا الانهيار هو الذي ادى الى تراجع اليسار؟

ج:هناك عوامل مختلفة ادت الى هذا  التراجع، وفي مقدمتها انهيار التجربة الاشتراكية التي مثلها الاتحاد السوفياتي وبلدان المعسكر الاشتراكي الاخرى، والتي انهارت معها جملة العقائد الجامدة التي صبغت هذه التجربة لسنوات طويلة، وتراجع مكانة الفكر الاشتراكي على الصعيد الدولي، في ظل صعود متسارع للفكر الليبرالي وتعبيراته الحديثة والتقليدية، والذي انبرى لتصفية الحساب التاريخي ليس فقط مع تجربة الاتحاد السوفياتي، وانما مع مجمل تراث الفكر الاشتراكي والماركسي التاريخي. الى جانب ذلك حدث انتعاش كبير للفكر الاصولي الديني، وفي مقدمته الفكر الاسلامي، وكذلك النزعة المسيحانية التي اتخذتها ادارات الجمهوريين الاميركيين.
لقد اثر انهيار الاتحاد السوفياتي في مختلف مجالات العلاقات الدولية، والتحالفات والصراعات ، وتعدى نطاقه حالة انتهاء الحرب الباردة، الى نطاق اتساع التوحش والانفلات لنظام عالمي جديد، يقوم على القطب الواحد، ويحكم توازنات العالم ليس بجبروته الاقتصادي فحسب ولكن بالقوة العسكرية المكدسة والتي ادى اتساع نطاقها الى الارتداد نحو الاشكال الكلاسيكية للاستعمار القديم، من خلال توسيع وزيادة اقامة القواعد العسكرية في بلدان العالم المختلفة، ومن خلال الاحتلال العسكري المباشر، الاحادي والمتعدد الجنسيات.
لقد اربكت هذه التطورات قوى اليسار والاشتراكية في كل مكان، ولم تسلم منها قوى اليسار الفلسطيني، رغم ان اولوية القضية الوطنية ظلت تطغى على درجة التأثر من الانهيار الذي اطاح بالنموذج الاشتراكي السوفياتي.
كما ارتبكت المعالجات الفكرية والسياسية للتعامل مع حدة هذا التغير الهائل، مما كون لدى قوى اليسار الفلسطيني، خطاباً فكرياً محدوداً، اقل تماسكاً وثقة، مما تعود عليه، الامر الذي اتسع نطاقه في صفوف قوى اليسار وفي الجماهير التي ترتبط بها.
ولكن اذا ما كان من سلبية كبيرة لهذا الواقع الا انه وبعد هذا الانهيار  يظهر ان المشكلة لم تكن على الاطلاق في وجود فكر رفض الرأسمالية والسعي لتجاوزها بالاشتراكية ،ولكنه مشكلة الويلات التي خلفتها ولا تزال النزعة الاستغلالية والاحتكارية والاستعمارية الامبريالية للراسمالية ،وسعيها المتواصل للهيمنة والحروب والتسلح  وافقار الشعوب وتلويث البيئة والهيمنة الثقافية وكل المظاهر الاخرى بما فيها التعدي على المكتسبات الاجتماعية في بلدانها.
وعلى اساس ذلك عادت للانتعاش قوى وحركات اليسار والمناهضة للحرب والعولمة المتوحشة للراسمالية وهي تحقق نجاحات في امريكا اللاتينية وفي بعض البلدان الاوروبية ،وتشق الصين الشعبية طريقا مختلفا في هذا الاتجاه .
الاستخلاص الاساسي من ذلك  يتمثل في حقيقة  ان تيارات اليسار عليها ان تجيب على تحديات الواقع الذي تجابهه بابداع وخصوصية ،وهي بذلك تغني تجربتها ودورها من جهة والتجربة المشتركة من جهة اخرى ،هذا الاستخلاص ليس جديدا ولكن اذا ما كان من السهل ترديده نظريا في السابق الا انه بدونه لا يمكن اليوم تحقيق اي تقدم ،ولذلك فالاتجاه نحو توحيد قوى اليسار الفلسطيني ليس الا نقطة البداية ولكن التعقيد الاكبر هو فيما سيقدمه هذا اليسار من معالجات لحقيقة المخاطر التي تجابه الشعب الفلسطيني  وكيف يجعل من معالجاته هذه قاعدة لمواجهة الهيمنة الثقافية للتيارات الاخرى ،الامر الذي يمكنه من التغيير بارادة الجماهير.
سؤال :قلتم هناك عدة عوامل ادت الى هذا التراجع؟
ج:نعم ،العامل الاهم تمثل في فشل اليسار في التعامل مع  نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية ،وتقدير الاثر الذي تركته ولا زالت في  الواقع الراهن للشعب الفلسطيني.
كان نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية، مؤشراً لحقبة جديدة في تاريخ حركة التحرر الفلسطينية حسمتها انتفاضة عام 1987 الكبرى، التي حسمت انتقال الساحة الرئيسية لكفاح الشعب الفلسطيني الى الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وبغض النظر عن الاعتبارات السياسية لاشكالية نشوء السلطة كسلطة على السكان وليس على الارض، وما تبع اتفاق اوسلو من استمرار الاستيطان ومصادرة الاراضي وغيره، الا ان ما يعنينا الاشارة اليه هنا، هو ان نشوء السلطة فرض تحولات هامة على صعيد الوضع ، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وباتت متطلبات اداء السلطة تجاه المجتمع والجماهير الفلسطينية مشابهة الى حد كبير لمتطلبات هذا الاداء في الدول المستقلة، رغم محدودية امكانيتها لذلك، كما أن متطلبات المجتمع وخدماته وقضاياه العامة، باتت مطلوبة من السلطة الوطنية وليس الاحتلال أو أية أطراف أخرى.
خلق هذا الوضع أساسا لحقيقة تزايد التداخل بين القضايا الوطنية والاجتماعية، ولم يعد يكفي لمعالجة هذا التداخل العميق، الركون الى التسليم المبدئي المبسط بأولوية  الصراع الوطني على الاجتماعي، بل أن هذا التداخل، جعل من غير الممكن التقدم في معالجة الوطني دون الالتفات الى الاجتماعي والديمقراطي.
وقد زاد من هذه الحقيقة أن السلطة ذاتها لم تثبت بالممارسة تغليبها للطابع الوطني واستحقاقاته المختلفة، على ادائها بل أنها تحولت الى ما يشبه صيغة السلطة التي تبحث عن المكان والمكانة والمال والأمن،ونحن نشهد الان كيف يتكرس الامر في الصراع العنيف من اجل الاستحواذ على السلطة.
ان قوى اليسار الفلسطيني رغم ادراكها حقيقة هذا التداخل العميق في المهام، لم تعط النضال الاجتماعي والديمقراطي المستقل من منطلق رؤيتها التقدمية الاهمية التي يستحقها، وظل موقفها من  الصراع او التحالف السياسي موقفا تاكتيكيا بل وشابه نوع من الاستخفاف و الاستعلاء على النضال الاجتماعي والديموقراطي، الامر الذي همش الدور المستقل .
وقد زاد من تأثير ذلك الطابع الزبائني للسلطة والماكنة الضخمة للاحتواء التي رافقت ذلك بتضخيم الجهاز الوظيفي للسلطة، الامني والمدني، وتحولهما الى اكبر مشغل، فضلاً عما كان يرافق ذلك من اعادة اصطفاف في وضع الفئات الوسطى، واتساع حجم تمويل المشاريع والمؤسسات الدولية والاهلية العاملة في فلسطين، والتي لعب الممولون دوراً سياسياً في استراتيجيات واولويات عملها، بما في ذلك المسعى لخلق التعارض بينها وبين القوى اليسارية، ولاضعاف المنظمات الجماهيرية والنقابية.
ان هذا الوضع لم يحظ بالأهمية التي يستحقها من اليسار لتوسيع النضال الاجتماعي والديمقراطي، وتقديم معالجات ملموسة للقضايا المجتمعية المتنوعة التي ترافقت معه، خاصة بعد ان تراجع دور الادوات التنظيمية الجماهيرية لقوى اليسار، في النقابات والمؤسسات، فضلاً عن ارتباك الرؤية الايديولوجية والاجتماعية عموماً، بسبب العامل الاول الذي اشرنا اليه، وكذلك في خضم "غزو" كبير لمفاهيم ورؤى بديلة، حملتها المشاريع والبرامج المكثفة للمؤسسات الدولية، والاهلية.
ولذلك فقد اخلى اليسار دوره في هذه العملية اما لحركة حماس او لتقارير المنظمات الحقوقية والمدنية، او للمراهنة على السلطة نفسها في الالتفات لتصحيح اخطائها،وبذلك فهو بتياراته المتنوعة لم يكن مقنعا ،لا عندما تحالف مع السلطة ولا عندما قام بمعارضتها.

سؤال:هل تشارككم قوى اليسار الاخرى في هذا التشخيص او النقد ان صح التعبير ؟
ج:نعتقد اننا نتشارك في الكثير من الامور في هذا الجانب فهناك مؤشرات عامة على الظواهر برغم التفاوت ونعتقد ان زمن الادعاء ان الاخرين فقط هم على خطأ اما نحن فعلى صواب قد ولى بالنسبة للجميع، وفي هذا الصدد دعنا نقول ايضا ان ان احد عوامل تراجع اليسار ايضا هو ضعف الوحدة والتنسيق، بين قوى اليسار، خاصة وقد بدأت تعاني جميعها، من استحقاقات تغيير الاساليب والمعايير في انتقالها الالزامي الى العمل العلني ومتطلبات النجاح في ذلك، والتي تختلف عن متطلبات العمل السري والنضالي، ومقاييسه، حيث ان الحكم في الوضع الجديد، هو القوة الانتخابية ايضاً، اضافة الى القوة السياسية وقوة التأثير، لقد تم هذا التحول في ظل ضعف الرابط الايديولوجي والتنظيمي لاعضاء التنظيمات اليسارية، فضلاً عن عمليات التحول الواسعة في وضع الفئات الاجتماعية وتبدل توزيع القوى الاجتماعية، والذي مسّ بصورة مباشرة او غير مباشرة اعداداً واسعة من كوادر وعناصر وقيادات هذه التنظيمات.،وبحيث هجرت اوساط واسعة من هذه الكوادر وخاصة من المثقفين هذه التنظيمات مما زاد من الصعوبات امام قوى اليسار.

سؤال:هل اثرت الانتفاضة  ايضا على هذا الوضع؟
ج:بالطبع فعلى العكس من الدور المميز لقوى اليسار الفلسطيني في انتفاضة عام 1987 ،وفي المركز منه امتلاك عنصر المبادرة بصورة متواصلة ،كان اداء قوى اليسار في الانتفاضة الثانية متواضعا وتابعا الى حد بعيد،وبرغم مساهمات قوى اليسار في شكلي المقاومة الشعبية والمسلحة الا انها لم تفرض ذاتها بقوة وبمبادرة لا في جعل المقاومة الشعبية ركن الزاوية في الانتفاضة ولا في ترشيد وتوحيد المقاومة المسلحة ،وذلك على الرغم من التضحيات والمأثر البطولية التي قدمتها ،وفي الواقع وبرغم ان قوى اليسار ظلت تنتقد الممارسات السلبية التي تمت باسم المقاومة وخاصة تلك التي عانى منها المواطنون الفلسطينيون ،وبرغم الجهد الذي بذل لتوحيد تكتيكات المقاومة وقواها وفق الصيغة التي تضمنتها وثيقة الوفاق الوطني الا ان اليسار لم يبادر لتكريس رؤيته او ممارسة انتقاداته بالجرأة المعهودة لديه، ولذلك فانه لم يستثمر بصورة صحيحة مساهماته الايجابية ولم ينتقد بصورة فعالة سلبيات ونواقص استمرار الحالة الراهنة لغياب وحدة العمل والقوى والتكتيكات الخاطئة.

سؤال: مع كل هذه النواقص هل يمكن لليسار الفلسطيني استعادة دوره وتأثيره؟

ج:نعم بالتأكيد خاصة وبسبب وعيه لهذه النواقص واستعداده بجدية لرؤيتها وانتقاد اخطائه التي تسببت بتراجع دوره ومكانته.
ان قوى وتيارات وتجمعات وجماهير اليسار والتقدم ،التي تعز عليها قضيته كقضية يؤمنون ومستعدون للنضال من اجلها والتي هي اوسع نطاقا من تنظيمات اليسار،تحتاج ان ترى مراجعة جريئة من قوى اليسار لمسيرتها واستعدادا حقيقيا لتوسيع اشكال تنسيق ووحدة عمل قوى اليسار، على طريق تشكيل حزب موحد لليسار الفلسطيني.
ان هذا الشعار سبق وان طرحه حزبنا في مؤتمره الثالث،كما طرحته تنظيمات اليسار الاخرى  ولكننا جميعا  لم نثابر عليه بما يكفي الامر الذي يلزمنا الآن باعطاء  اهمية اكبر للتوجه نحو تحقيقه كخلاصة نهائية، لتنسيق وتوحيد برنامج وقوى اليسار الفلسطيني، والذي يمكن ان يبدأ من خلال بناء جبهة او تجمع لليسار والتقدم كتيار مستقل ، وواضح ضمن التيارات الفكرية والسياسية في الساحة الفلسطينية، والتي باتت تتوزع في ظل استقطاب حاد، لا يعبر طرفاه عن رؤية اليسارتجاه العديد من القضايا ، خاصة  وان استحقاق وحدة العمل وبناء هذه الجبهة هو استحقاقاً الزامياً، ولا يحتمل المزيد من التأخير تحت اية ذرائع، كما انه لا يفترض بالضرورة الاتفاق الكامل على كل القضايا بل على جوهرها وعلى آلية العمل من اجل التعامل مع الاختلافات الطبيعية القائمة.

سؤال: هل تتحدثون عن جبهة لليسار؟
ج:لقد تداولنا في ثلاث صيغ ،التنسيق او الائتلاف بصيغة تجمع او جبهة ،او الاندماج،ومن الواضح ان مقومات الاندماج غير ناضجة بعد كما ان صيغة  التنسيق هي اقل من متطلبات الضرورة الراهنة،ولذلك فان الصيغة الافضل في الظرف الراهن هي بناء تجمع او جبهة لليسار والتقدم ،تتكون من تنظيمات اليسار ومن الشخصيات التقدمية واليسارية المستقلة وكذلك من بعض التجمعات والاطارات التي تجمعت تحت هدف السعي من اجل توحيد قوى اليسار،هذه المكونات بمجموعها يمكنها الائتلاف وبدء السعي لعقد مؤتمر تأسيسي لتجمع او جبهة اليسار في غضون الاشهر القليلة القادمة.ويمكن ان تكون اهداف عمل هذا التجمع المباشرة في مرحلته التأسيسية هي صياغة خطة عمل ومواقف مشتركة تجاه القضايا الوطنية والمجتمعية،وكذلك تنظيم فعاليات وحملات وانشطة مشتركة،بالاضافة الى خوض الانتخابات الفرعية والعامة بقوائم مشتركة وهذه يمكن ان تكون المرحلة الاولى بحيث يليها في مرحلة لاحقة توحيد الاطارات الجماهيرية لقوى اليسار وبحيث تنتهي هذه العملية بحزب موحد لليسار والتقدم.
وبالمناسبة فان بناء جبهة اليسار لا يعني الانعزال عن التيارات الديمقراطية والوطنية الأخرى بل انه يمثل رافعة هامة، في السعي من اجل بناء الجبهة العريضة من كافة قوى م.ت.ف والقوى الديمقراطية والتجمعات والتيارات المختلفة، على اساس وثيقة الاستقلال وبرنامج م.ت.ف وتطوير  دورها ، ومن اجل ضمان استمرار قيادة التيار الوطني الديمقراطي  لحركة التحرر الفلسطينية ، وبما يضمن كذلك تطور التجربة الديمقراطية الفلسطينية التعددية ، كما تضمنها اتفاق القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني.

سؤال:ما هي الاسس التي ستحكم عمل هذه الجبهة؟

ج:نحن لا نبدأ من الصفر، لدينا وثيقة مرجعية هامة، انجزت عام 2001، بمشاركة نشطة من الرفيق الشهيد ابو علي مصطفى، وصدرت بعنوان: نحو بناء تجمع ديمقراطي فلسطيني، حيث كان من المفترض نقاشها علناً، وادخال التعديلات عليها، فيمكن ان تكون مرجعية عامة مساعدة، لعمل الجبهة او التجمع. اضافة الى ذلك يجب صياغة خطة سياسية، وموقف مشترك من القضايا الرئيسية الراهنة باعتبارها موحداً سياسياً ومجتمعياً لعمل الجبهة او التجمع.
كذلك من الواضح ان الجبهة  لا تقوم  على اساس التطابق الايديولوجي، ولكن على أساس الالتزام بالتوجهات والخطط المقرة في مؤتمراتها، ذات الطابع اليساري التقدمي.
وبذلك فهي تترك  مساحة للاختلاف، دون التطابق في المواقف والآراء تجاه القضايا، بما يراعي  احترام الاستقلالية التنظيمية لكل طرف سياسي، وبما لا يتناقض جوهرياً مع مواقف الجبهة او التجمع،خاصة في ظل توسيع قاعدة المشاركة في قرارات ومواقف التجمع او الجبهة، من مجموع مكوناتها من التنظيمات والمستقلين.
اما قيادة الجبهة في المرحلة التأسيسية فيمكن ان تكون دورية تترافق مع بناء جهاز اداري  سياسي لادارة العمل اليومي، بالاضافة الى الاتفاق على تشكيل هيئات المتابعة السياسية.

سؤال: ما هي الخطوة العملية المطلوبة لتحقيق هذا الطموح؟

ج:الخطوة الاولى تبدأ باتخاذ قرار سياسي من قيادات تنظيمات اليسار بالتوجه لبناء هذه الجبهة وعقد مؤتمرها التأسيسي الذي يمكن ان يكون عماده الاساسي شخصيات اليسار المنتخبة في الهيئات العامة كالبلديات والنقابات المهنية ومجالس الطلبة والكتاب وغيرها فضلا طبعا عن الشخصيات المستقلة وقادة اليسار و ممثليه في المجلسين التشريعي والوطني.  بحيث يتم تشكيل لجنة تحضيرية  للمؤتمر تضم ممثلين عن التنظيمات ومن  الشخصيات المستقلة او التجمعات ، يجري الاتفاق عليها.وبحيث  تشكل اللجنة التحضيرية من بينها عدة لجان:
- لصياغة الخطة السياسية والمجتمعية، ولائحة عمل الجبهة او التجمع، وتحديد ودعوة الأعضاء للمؤتمر التأسيسي وغير ذلك من الترتيبات، التي تسمح بنجاح المؤتمر التأسيسي الذي ينتظره عمل كبير، بعد ذلك، ولكن مجرد انعقاده والاعلان عن خطة موحدة للعمل، تحت مظلة مشتركة، انما سيحقق قفزة كبيرة للامام، تغذيها بقوة جماهير وكوادر اليسار الواسعة، التي تتوق بشغف كبير لبناء هذا التيار الذي ينتظره شعبنا ويعول عليه الكثيرخاصة في ظل حالة الانقسام الحاد وتزايد المخاطرعلى مجمل المشروع الوطني الفلسطيني.

2042008