كيف نجحت سلطات الانتداب البريطاني في إخماد ثورة 1936-1939 في فلسطين؟ بقلم ماهر الشريف

2008-05-08

ألقي هذا النص في الندوة الدولية التي نظمتها جامعة باريس السابعة، بالتعاون مع المركز الوطني للأبحاث العلمية بباريس، ما بين 15 و 17 تشرين الثاني 2007، تحت عنوان: " الاستعمار والقمع "

تهدف مساهمتي هذه إلى رصد وتحليل الإجراءات التي لجأت إليها سلطات الانتداب البريطاني من أجل إخماد ثورة 1936-1939 في فلسطين، التي تُعتبر من بين أهم الثورات المناهضة للاستعمار التي واجهتها الإمبراطورية البريطانية في فترة ما بين الحربين العالميتين. وقد تراوحت تلك الإجراءات ما بين اللجوء إلى أقسى أساليب القمع وأعنفها، من جانب، وإلى المناورات السياسية الهادفة إلى شق صفوف الثورة وتأليب بعض قواها على البعض الآخر، من جانب آخر.
مقدمات الثورة
جاءت ثورة 1936-1939 نتاج تراكم مشاعر الغضب والإحباط لدى العرب الفلسطينيين على مدى سنوات طويلة، وفشل محاولات قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية في دفع الحكومة البريطانية إلى لعب دور يكون أقل تحيّزاً لمشروع الحركة الصهيونية الرامي إلى إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين. كما اندلعت وسط موجة ثورية معادية للاستعمار اجتاحت عدداً من البلدان العربية، وبخاصة مصر وسورية، ما بين عامَي 1935 و 1936.
كانت فلسطين قد شهدت، في النصف الأول من سنوات 1930، مجموعة من التحوّلات التي صبت في اتجاه تدعيم أسس مشروع الوطن القومي اليهودي، من جهة، وخلقت مقدمات اندلاع الثورة العربية، من جهة أخرى. فما بين عامَي 1930 و 1935، قدم إلى فلسطين حوالي 150 ألف مهاجر يهودي، كانت نسبة كبيرة منهم من أصحاب رؤوس الأموال ومن العمال المهرة والفنيين. وفي عام 1935 وحده، وصل إلى فلسطين 62 ألف مهاجر، وبلغت تحويلات رؤوس الأموال اليهودية 15 مليون جنيه، مما أعطى دفعة قوية للاقتصاد اليهودي على حساب الاقتصاد العربي، الذي أصبح يعاني من أزمة خانقة، حيث تدهورت زراعات وصناعات عديدة، كزراعة الخضروات والتبغ وصناعة التبغ وزيت الزيتون، وبات اليهود يستحوذون على أكثر من نصف الأراضي المزروعة بالحمضيات. وبينما كان الفلاحون العرب يعانون من الضرائب المجحفة ومن عبء الديون، أدّى توجّه المؤسسات اليهودية إلى استملاك اكبر مساحة من الأراضي إلى بروز فئة اجتماعية جديدة في الريف هي فئة " الفلاحين المعدمين "، وإلى تزايد ظاهرة الهجرة من الريف إلى المدينة بحثاً عن العمل المأجور، وذلك في الوقت الذي كانت فيه المدن الفلسطينية تعاني من تفاقم ظاهرة البطالة بين صفوف العمال العرب، نتيجة توسع المنظمات الصهيونية في تطبيق سياسة " العمل العبري " ( ماهر الشريف، " الإضراب التاريخي وثورة عام 1936 في فلسطين. نماذج عن بيانات ونداءات التعبئة والتحريض "، صوت الوطن، نيقوسيا، العدد 17، كانون الثاني 1991، ص 44-50).
وفي ظروف هذه المزاحمة اليهودية الشديدة، صارت تبرز مؤشرات عديدة تنبئ بتنامي المشاعر الثورية لدى الشعب العربي الفلسطيني وتزايد عدائه للاستعمار البريطاني، الذي صار يُنظر إليه بوصفه مسؤولاً عن تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين وتسهيل انتقال الأراضي إلى أيديهم. فقد تصاعد نضال العمال العرب وتوسع حجم  تنظيماتهم النقابية، وتشكّلت حاميات عمالية لمجابهة سياسة الهستدروت الرامية إلى طرد العمال العرب من أمكان عملهم، كما اندلعت العديد من المعارك الدموية بين الفلاحين المعدمين ورجال الشرطة والمستوطنين اليهود، وارتقت أشكال تنظيم الحركة الوطنية بظهور كتل سياسية، تقودها عناصر ثورية شابة، في المدن الرئيسية، وراحت تنتشر بعض فرق الأنصار المسلحة في الجبال، ومن أبرزها الفرقة التي شكّلها الشيخ عز الدين القسّام، الذي كان لمقتله، في تشرين الثاني 1935، في إحدى المواجهات مع القوات البريطانية أثر عميق في فلسطين كلها، وساهم في التحفيز على الثورة، لا سيما وأن الكثيرين من أتباعه كانوا لا يزالون مستعدين لحمل السلاح لمقاومة الوطن القومي اليهودي والحكم البريطاني في أول فرصة تسنح لهم.
ويبدو بأن السلطات البريطانية صارت تدرك أن أجواء البلاد المشحونة  باتت تهدد بالانفجار، الأمر الذي حدا بالمندوب السامي واكهوب ، في اليوم الثاني من نيسان 1936، إلى استدعاء زعماء الأحزاب العربية ليبلغهم أن وزير المستعمرات قد وجّه الدعوات إلى الأحزاب العربية الخمسة لإرسال وفد إلى لندن لطرح وجهات نظرها أمامه؛ وبعد مداولات قصيرة وافق الزعماء العرب على قبول دعوة الوزير البريطاني، لكن الخلافات التي برزت حول عضوية الوفد جاءت لتؤخر سفر الزعماء العرب، الذين أخذهم تطور الأحداث على حين غرة (الكيالي، ص 300-301).
الثورة تمر بمرحلتين
انفجرت ثورة 1936 بصورة عفوية. ففي الخامس عشر من نيسان، قامت إحدى فرق الأنصار بنصب كمين عند أحد المنعطفات على الطريق بين نابلس وطولكرم، وأوقفت قسراً رتلاً من السيارات، وطلبت من ركابها تسليمها أموالهم ومجوهراتهم. وأثناء عملية المصادرة، قتل تاجر يهودي وأصيب يهوديان بجروح خطيرة. وفي الليلة التالية، قامت عناصر صهيونية بقتل عاملين عربيين يعملان في بيارة بالقرب من مدينة يافا. وفي التاسع عشر من نيسان، وعلى أثر انتشار شائعة عن مقتل أربعة من العرب، بينهم امرأة، ثارت جماهير العرب في مدينة يافا، وأغلق التجار حوانيتهم، ودارت صدامات على حدود مدينتي يافا وتل أبيب، سقط خلالها عدد من الجرحى من الجانبين. وفي العشرين من نيسان تشكّلت لجنة قومية في نابلس وقررت إعلان الإضراب العام في البلاد، ثم راحت تظهر، في اليوم التالي، لجان قومية مماثلة في كل من حيفا ويافا وغزة ثم في القدس وبقية المدن الفلسطينية. كما تشكّلت بعض اللجان المتخصصة كلجان الإسعاف ولجان مساعدة المنكوبين ولجان مقاطعة البضائع اليهودية (الكيالي، ص 302).
وتخوفاً من انتقال قيادة الحركة إلى أيدي القيادات المحلية الميدانية، التقى زعماء الأحزاب العربية،  في 25 نيسان، وأعلنوا عن تشكيل اللجنة العربية العليا برئاسة المفتي محمد أمين الحسيني، التي دعت إلى " مواصلة الإضراب العام إلى أن تغيّر الحكومة البريطانية سياستها الحاضرة تغييراً جوهرياً "، وتستجيب لمطالب الحركة الوطنية العربية المتمثّلة في: وقف الهجرة اليهودية وقفاً تاماً؛ ومنع انتقال الأراضي إلى اليهود؛ وإنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي (الكيالي، ص 303-305).
وفي 14 أيار، وأمام استمرار تعنت الحكومة البريطانية، دعت اللجنة العربية العليا الشعب إلى البدء بتنفيذ قرار الامتناع عن دفع الضرائب ابتداء من 15 أيار، فرد المندوب السامي واكهوب بالموافقة، في 18 أيار، على عدد جديد من تصاريح الهجرة ، بلغ 4500 تصريح ، وعلى افتتاح ميناء تل أبيب،  ليحل محل ميناء يافا، في اليوم التالي. وتسببت هاتان الخطوتان بإعطاء الإشارة لانطلاق عمليات فرق الأنصار المسلحة في الجبال والأرياف، وتحوّل الاضطرابات إلى ثورة صريحة ضد الحكم البريطاني (الثورة العربية، ص 26-27؛ و خلة، ص 398-399)
وقد استمرت هذه المرحلة الأولى من الثورة حتى 12 تشرين الأول 1936، عندما دعت اللجنة العربية العليا إلى وقف الإضراب العام والاضطرابات، بعد توسط عدد من الملوك والأمراء العرب لديها.
أما المرحلة الثانية، التي كانت أشد عنفاً، فقد انطلقت في نهاية أيلول 1937، إثر اغتيال حاكم لواء الجليل، لويس أندروس، في أثناء ذهابه مساء يوم الأحد إلى الكنيسة في الناصرة. فقامت السلطات باعتقال نحو 108 من عرب الناصرة، وأصدرت، في 1 تشرين الأول، بلاغاً رسمياً اعتبرت فيه اللجنة العربية العليا وجميع اللجان القومية غير شرعية، وأقصت المفتي محمد أمين الحسيني عن منصبه وعن رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى، كما أصدرت أمراً باعتقال ساعده الأيمن جمال الحسيني، وأربعة آخرين من الزعماء العرب ونفتهم إلى جزر سيشل، بينما نجح المفتي في الهرب عن طريق البحر إلى لبنان ليلة 14 تشرين الأول. وهكذا، اشتعلت الثورة، من جديد، وتواصلت حتى نهاية عام 1939 تقريباً (خلة، ص 449-450).
أولاً: الإجراءات القمعية البريطانية
وكما ذكرنا سابقاً، فقد لجأت السلطات البريطانية إلى سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى القضاء على الثورة، جمعت ما بين أقسى أساليب القمع وأعنفها، من جانب، وما بين المناورات السياسية والتلويح بلجان التحقيق وبالتوصل إلى حلول سياسية، من جانب آخر.
فرض أنظمة قانون الطوارئ
ما أن اندلعت الصدامات بين العرب واليهود في مدينتي يافا وتل أبيب ، في يوم 19 نيسان، حتى قررت السلطات البريطانية وضع قانون الطوارئ موضع التنفيذ، حيث فرضت منع التجول ليلاً، وأذاعت مساء اليوم نفسه بلاغاً أشارت فيه إلى أنه " من قبيل الإجراءات الاحتياطية أعلن قانون الدفاع الذي يخوّل المندوب السامي وضع قانون الطوارئ موضع التنفيذ، وطبق كذلك نظام منع التجول في مدينتي يافا وتل أبيب الذي يطلب بموجبه من السكان ملازمة بيوتهم من الساعة السابعة مساءً حتى الساعة الخامسة من صباح اليوم التالي " (السفري، الكتاب الثاني، ص 12).
وبعد أن قررت اللجنة القومية في نابلس إعلان الإضراب العام، في 20 نيسان، اجتمع المندوب السامي، واكهوب، بعدد من زعماء الأحزاب العربية، وطلب منهم استخدام نفوذهم " لكبح جماح الفوضى والإخلال بالنظام "، وتسمية ممثليهم في وفد يتوجه إلى لندن للاجتماع بوزير المستعمرات في الرابع من أيار. وفي 22 نيسان، وجّه واكهوب رسالة إلى أهالي فلسطين يدعوهم فيها إلى التزام الهدوء والسكينة، ويناشدهم فيها " أن يساعدوا رجال البوليس خلال أوقات التهيج والقلق على ما يقومون به من الواجبات الشاقة، وما يبذلونه من المجهودات المحمودة في سبيل المحافظة على القانون والنظام، وأن يستمروا في تعاطي أعمالهم الاعتيادية وأن يحافظوا في جميع الأوقات على أقصى حد ممكن من الاعتدال وضبط النفس". وفي اليوم نفسه، صدر بيان عن وزير المستعمرات البريطاني أكد فيه " أن الحكومة عازمة على قمع كل إخلال بالأمن بأشد ما يمكن، وأن الاضطراب والتهديد لا يخيفان الحكومة ولا يجعلانها تحيد عن سياستها "  (السفري، الكتاب الثاني، ص 23-25).
وفي 12 و 20 حزيران 1936، قامت سلطات الانتداب بتنقيح أنظمة الطوارئ ونشرتها في عدد خاص من الوقائع الفلسطينية، وهي جريدة الحكومة الرسمية. وبموجب تلك الأنظمة اعتُبر كل شخص يطلق النار على أي جندي أو رجل بوليس، أو يلقي قنبلة، أو يعطّل عمل ميناء أو سكة حديد أو محطة كهرباء، أو طريق عام، أو يخرّب أي مادة أو ملك مما يخص أي ميناء، أو سكة حديد، أو محطة كهرباء أو طريق عام، أو يخرّب أي خط تلفون أو تلغراف، أو يعطّل أو يعرض للخطر سلامة أي باخرة أو طائرة أو مركبة؛ اعتُبر مجرماً، وإذا ثبت أنه ارتكب إحدى هذه المخالفات يحكم عليه بعد إدانته أمام محكمة الجنايات الكبرى إما بالإعدام أو بالسجن المؤبد.
كما أشارت تلك الأنظمة إلى أن كل جريمة ترتكب قرب أي بلدة أو قرية أو بيت، وكان من أسباب ارتكابها إحداث خسارة أو ضرر لأي ملك، واعتقد حاكم اللواء أن سكان تلك البلدة أو القرية أو البيت قد ارتكبوا هذا الجرم أو تسببوا في إيقاع الخسارة أو الضرر، أو ستروا على الجرم، أو تمنعوا عن تقديم المساعدة لاكتشاف المرتكب، والقبض عليه، فإنه يجوز للحاكم أن يفرض على سكان هذه البلدة أو القرية أو البيت غرامة مشتركة إما نقداً وإما بأخذ دواب أو غنم أو ماعز، أو أي حيوانات أخرى أو حبوب أو أي محصولات زراعية. كما يجوز لحاكم اللواء أن يضع يده، بالنيابة عن المندوب السامي، على أي بيت أو بناء أو عمارة اقتنع أنه أطلقت منها رصاصات أو قنبلة أو أي مواد أخرى قابلة للالتهاب، كما يجوز له، بعد الحصول على أمر من المندوب السامي، أن يضع يده على أي بناء اعتقد أن سكانه قد ارتكبوا أو ساعدوا على ارتكاب عملاً تخريبياً، ومن ثم أن يأمر بهدمه أو بالتصرف فيه كيف شاء.
ولم تسلم الصحافة من هذه الإجراءات القمعية، حيث لم يعد في إمكان أي جريدة أن تطبع وتنشر في فلسطين ما لم يحصل صاحبها أولاً على تصريح موقع من حاكم اللواء المختص (السفري، الكتاب الثاني، ص 57-59)؛
تعزيز الوجود العسكري وفرض الحكم العسكري
كانت القوات البريطانية في فلسطين تضم، عند بدء الثورة، ما يقرب من 7000 جندي. وبعد ثلاثة أشهر على بدء الإضراب، استقدمت الحكومة البريطانية وحدات عسكرية جديدة من مالطة، كما استحضرت وحدات من المشاة ومن الدبابات والمصفحات من بريطانيا. وبذلك أصبح عدد رجال الجيش البريطاني في فلسطين في حدود 15 ألف جندي، يضاف إليهم ستة آلاف من رجال البوليس، وأربعة آلاف من قوة حرس الحدود (السفري، الكتاب الثاني، ص 116-117)؛
وأسندت الحكومة البريطانية القيادة العليا لقواتها في فلسطين إلى الجنرال جون ديل، رئيس أركان حرب الجيوش الإمبراطورية البريطانية، وأطلقت يده في اتخاذ ما يراه من التدابير والإجراءات للقضاء على الثورة، فشكّل مركزاً لقيادة الجيوش البريطانية في فلسطين وشرق الأردن، واستقدم إمدادات عسكرية جديدة إلى فلسطين. ولما تكامل عديد القوات، أصدرت الحكومة يوم 30 أيلول 1936 مرسوماً يقضي بفرض الأحكام العرفية، تمّ بموجبه تشديد الرقابة على المطبوعات، ومراقبة المرافئ والمطارات، والنقليات البرية، والتجارة والتصدير والاستيراد والإنتاج والصناعة، ومصادرة الأموال، وفرض الغرامات (السفري، الكتاب الثاني، ص148-151؛ و خلة 408-409).
وبعد انطلاق المرحلة الثانية من الثورة، في نهاية أيلول 1937، استدعت سلطات الانتداب من البنغال إلى فلسطين تشارلز تيغارت، الخبير  البريطاني في حرب العصابات، وقررت، بهدف الحد من مشاركة أبناء البلدان العربية المجاورة لفلسطين في الثورة، إقامة " خط  تيغارت "، وهو عبارة عن أسلاك شائكة بطول 80 كيلومتراً على حدود فلسطين مع سورية ولبنان، و 40 كيلومتراً على حدود فلسطين مع شرق الأردن، بعرض ثلاثة أمتار وارتفاع ثلاثة أمتار أيضاً، وفيه مصائد ألغام، و 15 قلعة مجهزة بالحراس ومعدات الكشف (خلة، ص 455).
وفي خريف عام 1938، انتقلت السلطة كلها إلى يد الجيش. ففي 18 تشرين الأول 1938، أصدر المندوب السامي أمراً خضعت البلاد بموجبه لسلطة القائد العام للقوات البريطانية في البلاد، حيث تسلّم الجيش في اليوم نفسه السلطة في لواء القدس، ثم وسّع، بعد أربعة أيام، نطاق الحكم العسكري ليشمل كل أنحاء البلد، الذي قسّم إلى أربعة ألوية عسكرية، على رأس كل منها حاكم عسكري (الثورة العربية، ص 167-168). وابتداء من أول تشرين الثاني، أخضع الجيش حركة المرور على الطرقات للمراقبة، وأصبح كل مسافر بحاجة إلى هوية شخصية، وتصريح عسكري خاص للتنقل بين منطقة وأخرى (الثورة العربية، ص 169).
وكانت سلطات الانتداب قد أعلنت، منذ 10 تشرين الثاني 1937، إنشاء محاكم عسكرية بموجب أنظمة الطوارئ. وخوّلت السلطات هذه المحاكم العسكرية الحق في إصدار حكم الإعدام على كل شخص يحمل سلاحاً بغض النظر عن نوع ذلك السلاح أو يحرز ذخيرة ولو كانت مخبوءة؛ واعتبرت أحكام المحاكم العسكرية نافذة، لا استئناف فيها ولا نقض ولا عفو يشملها (خلة، ص 409).
قانون العقوبات الجماعية
بناءً على قانون الطوارئ، شرعت السلطات تنسف ما تختاره من بيوت المدن والقرى بالديناميت وتفرض عليها ما تشاء من غرامات. فخلال أشهر الإضراب، نسفت السلطات عدداً كبيراً من البيوت في مدن اللد، والخليل، ونابلس، وغزة، والمجدل، وصفد، وبيت لحم، وخان يونس، وقلقيلية، وفرضت غرامات مالية كبيرة على سكانها. ففي 25 حزيران 1936، على سبيل المثال، نصبّ الثوار كميناً لقطار شحن بالقرب من مدينة اللد، مما أدّى إلى خروجه عن الخط وإلى مقتل جنديين بريطانيين وسائق القطار العربي، فتلقت اللد عقوبتها الجماعية التي تمثّلت في حملة تفتيش عسكري واسعة أُرفقت بنسف بيوت، ودمار كبير، وإصابات في الأرواح، وغرامة جماعية مقدارها 5000 جنيه فلسطيني. وفي ليلة 15 -16 تشرين الأول 1937، أحرق الثوار مطار اللد، ففرضت السلطات البريطانية على المدينة نظام منع التجول لمدة 23 ساعة في اليوم طيلة أربعة أيام متتالية، وهدمت منزلين، وفرضت خمسة آلاف جنيه غرامة جماعية على سكان المدينة (الثورة العربية، ص 20).
كما نسفت السلطات عشرات البيوت في القرى، وفرضت غرامات نقدية وعينية على حوالي 250 قرية. فعلى سبيل المثال، فُرض على سكان قرية " عزون " تقديم 300 دجاجة، و 500 بيضة، وخمسة خراف، بينما فُرض على أهالي قرية " إندور"
دفع 200 جنيه غرامة استوفت السلطة بدلها عملاً. وحينما كان الأهالي يمتنعون عن دفع الغرامة، كانت السلطات تصادر ما في القرية من الحبوب والدجاج والخيول والحمير والبقر، وتفرض على أهالي القرى نقل الأشياء المصادرة على ظهورهم إلى السيارات، كما حصل في قرى " بلعا "، و " جبع "، و " يطا "، و " برقة "، و"يازور "، وغيرها (السفري، الكتاب الثاني، ص 88-91).
حملات التفتيش عن الثوار والأسلحة
جرت عمليات التفتيش والبحث عن الثوار والأسلحة في المدن أولاً ثم انتقلت إلى القرى. فعلى أثر انتشار فرق الأنصار المسلحة في جبال نابلس وهجومها المتكرر على دوريات الجيش وقوافله، عمد الجيش إلى تطويق هذه الجبال وتفتيشها، وفيما يلي وصف لعمليات التفتيش، التي جرت في 5 تموز 1936، كما جاء في صحيفة التايمس لمراسلها الخاص الذي رافق الحملة: طوّق 4000 جندي مساحة 14 ميلاً تحدها شرقاً طريق القدس – نابلس، وغرباً السكة الحديدية بين طولكرم واللد، وذلك بعد أن ترامى للحكومة أنه يوجد فيها 150 ثائراً. ولجأ الجيش إلى استخدام المصفحات، واستخدم طائراته في مراقبة حركة تقدم المشاة، وكان الجنود يفتشون كل قروي يمر في المنطقة، ولكنهم لم يعثروا على شيء (السفري، ص 80-82).
وكانت حملات التفتيش في القرى تترافق مع فرض العقوبات الجماعية على سكانها. فعندما هاجمت فرقة من الثوار، في 12 آب 1936، أفراد فصيلة جند كانوا يستحمون في بركة " سحنة " بالقرب من بيت ألفا، وقتلوا أحد أفرادها وأخذوا المدفع الرشاش الخاص بالفصيلة وخمس بنادق، أجرى رجال الجيش تفتيشاً في قرية" فقوعة " في منطقة كتلة مستعمرات " حارود "، ولما وجدوا المدفع الرشاش فيها هدموا بيوتاً كثيرة، وقتلوا 12 من سكانها (الثورة العربية، ص 32)؛
كما أصدرت السلطات بلاغاً رسمياً في شباط 1938 أعلنت فيه تقديم مكافأة مالية تتراوح بين 100 و 500 جنيه لقاء القبض على أي واحد من قائمة ضمت 21 ثائراً. واضطرت السلطات لاحتلال عدد من القرى في منطقة الجليل والناصرة في 23 أيار 1938، وأصدرت بلاغاً في حزيران 1938 حملّت فيه المخاتير وسكان القرى مسؤولية " أي اعتداء يحدث ضمن أراضيها على الخفراء أو رجال البوليس "، وتوعدت بأن تفرض على القرية، التي يحصل فيها أي اعتداء، عقوبات جماعية (خلة، ص 455-456).
ويصف عيسى السفري، الذي كان شاهد عيان على أحداث الثورة وعلى الإجراءات البريطانية للقضاء عليها، عمليات التفتيش، فيكتب أنه حينما كانت السلطة تشتبه بقرية ما، تأمر حالاً بذهاب قوة كبيرة من الجند والبوليس، بدباباتها ومدافعها الرشاشة إليها، يطرقون أبواب بيوتها بأعقاب بنادقهم بشدة، ويأمرون مختارها بعزل النساء عن الرجال، ثم يأخذون في تفتيش القرية، فيبعثرون محتوياتها ويحطمون آنيتها المملوءة بالسمن والزيت والحبوب، ولدى انتهاء التفتيش يطلقون النار في الهواء لإرهاب السكان. ويضيف السفري، أما عندما كانت تصدر طلقات نارية من إحدى القرى، فقد كان الجنود يهاجمونها من سائر أطرافها ويطلقون عليها النار، الأمر الذي كان يؤدي إلى وقوع إصابات بين سكانها، كما حدث في قرية " قولة " بين الرملة واللد، حيث أسفر الهجوم عن قتل امرأة وجرح أربعة أشخاص، كما كان الجنود، في بعض الأحيان، ينتقمون من القرويين بقتل مواشيهم، أو بنسف بيوتهم. وخوفاً من فظاعة التفتيش، شرع بعض القرويين في هجر قراهم، فقدم مخاتير قرية " قباطيا " لحاكم نابلس مفاتيح بيوت القرية، بعد أن أخليت من السكان، وهاجر سكان قرى أخرى إلى شرق الأردن، وكذلك فعل عرب البواطن المخيمين في شرق بيسان فرحلوا عن أراضيهم في اتجاه شرق الأردن (السفري، الكتاب الثاني، ص 85-87).
هدم البلدة القديمة في يافا
وكان أوضح مظهر لإجرام السلطات البريطانية هو نسف البلدة القديمة في مدينة يافا وذلك بعد أن وجد الثوار ملجأ لهم في أزقتها الضيقة ومنازلها القديمة المتلاصقة، فقررت الحكومة وضع حد لتواجدهم فيها. فصباح يوم 16 حزيران 1936، فوجئ سكان البلدة القديمة بطائرة حربية تحوم فوق المدينة وتلقي عليهم منشوراً جاء فيه أن الحكومة " على وشك البدء في مشروع يرمي إلى توسيع وتحسين المدينة القديمة في يافا، وذلك ببناء طريقين، وستكون الخطوات الأولى الضرورية هدم وإزالة بعض الأبنية المزدحمة وغير الصحية "، وأضاف المنشور" أن الحكومة ستدفع تعويضات لأصحاب الأملاك وستنظر في كل حالة على حدة وحسب استحقاقها، ولكن إذا حصلت مقاومة، فإن الجيش سيستعمل القوة للقيام بالعمل ".
وفي 18 حزيران، حشدت السلطة في المدينة نحو 1200 جندي ورجل شرطة، وحضر حاكم اللواء الجنوبي وقائد حامية يافا ومدير البوليس للإشراف على عملية نسف البيوت، واستلم الجيش زمام المحافظة على أمن الطرق الموصلة إلى المدينة بعد أن سدّها بالأسلاك الشائكة. وكان ذلك اليوم من أرهب الأيام التي مرت على يافا، حيث أسفرت العملية عن نسف 220 بيتاً، وعن تشريد ما يقرب من 6 آلاف نسمة. وقد ادّعى اورمسبي غور، وزير المستعمرات، أمام مجلس العموم، في 24 حزيران، " أن نسف البلدة القديمة في يافا كان لشق طريقين جديدين للميناء "، وأنه قد " تمّ تقديم تعويضات مناسبة لأصحاب البيوت التي نسفت "، ورفض، في أول تموز، قبول " الاتهام الموجه إلى القوات البريطانية بتخريب ونهب البيوت في أثناء التفتيش عن الأسلحة "، لكنه اعترف أن ذلك كان " لضرورة الأمن العام ". غير أن قاضي القضاة البريطاني في المحكمة العليا في القدس، مايكل ماكدونل، أصدر، في 3 تموز 1936، قراراً بشأن نسف البلدة القديمة في يافا، عاب فيه على السلطات البريطانية ادّعاءها بتحسين المدينة وهي تقصد النسف، وأكد أن قانون الطوارئ الصادر في 19 نيسان يشير " بهدم وليس نسف أي بناء " (السفري، الكتاب الثاني، ص 93-96؛ و الثورة العربية، ص 27؛ و خلة، ص 407-408؛ و الكيالي، ص 314).
الاعتقالات والإعدامات
في 11 أيار 1936، أعلن المندوب السامي أنه تمّ إلقاء القبض على أكثر من 600 شخص. وفي 23 أيار، اعتقلت السلطات البريطانية 61 عربياً من مختلف أنحاء البلاد، حيث أجبر معظمهم على البقاء تحت مراقبة البوليس في غير المدن التي كانوا يقطنونها (خلة، ص 398-399 و ص 403). ومع تزايد عدد المعتقلين، أنشأت السلطات معتقلاً في عوجا الحفير في الصحراء، على مقربة من الحدود المصرية، بعيداً عن العمران، ثم أنشأت معتقلاً آخر في صرفند قرب مدينة الرملة، حيث مركز الجيش والقوة الجوية. ووصل عدد المعتقلين في نهاية حزيران 1936 إلى  أربعمائة معتقل (السفري، الكتاب الثاني، ص54-56).
وكانت السلطات البريطانية قد ألقت القبض، في 7 حزيران 1936، على أمين سر اللجنة العربية العليا، عوني عبد الهادي، الذي زج به في معسكر الاعتقال في صرفند، كما لاقى خليفته في المنصب، عزت دروزة، المصير نفسه. وفي شهر تموز، شنت السلطات حملة اعتقالات واسعة، تركّزت على أعضاء اللجان القومية في المدن،  أسفرت عن اعتقال عشرة من أعضاء اللجنة القومية بالقدس ونقلهم إلى سجن عكا، الذي تحوّل إلى السجن المركزي في فلسطين. وقد اشتُهر سجّانو ذلك السجن بسوء معاملتهم للمعتقلين السياسيين، كما اشتُهر معتقلوه باللجوء المتكرر إلى سلاح الإضراب عن الطعام، كما حدث ما بين 11 و 15 أيار 1937، عندما أضرب عن الطعام 196 معتقلاً عربياً في سجن عكا، احتجاجاً على سوء معاملتهم وعلى اعتقالهم دون مبرر أو محاكمة (خلة، ص 433 و ص 444-445؛ و الكيالي، ص 311).
وفي يوم الثاني من تشرين الثاني 1938 وحده، ألقت قوات الجيش البريطاني، خلال عمليات تمشيط واسعة في منطقة المثلث الكبير، التي تشمل جنين ونابلس وطولكرم، القبض على قرابة 300 شخص اتهموا بالتعاون مع الثوار، ونقلتهم إلى معتقل جُهّز لهذه الغاية في مدينة طولكرم  (مصطفى كبها، " ثورة 1936-1939 والذاكرة  الشعبية الفلسطينية (الحلقة 31) "،
www.arabs48. com    
واعترفت سلطات الانتداب في تقرير أصدرته في عام 1938 بوجود 2463 عربياً داخل المعتقلات، وبالحكم على 328 منهم لمدد تتراوح بين السنة ومدى الحياة. كما اعترفت بتنفيذ حكم الإعدام ب 54 عربياً (خلة، ص 456-457). وكانت سلطات الانتداب تنفّذ عمليات الإعدام في  سجن عكا، وهي لم  تتوانَ عن إعدام عدد من كبار السن، ومن أشهرهم الشيخ فرحان السعدي، أحد زعماء فرق الأنصار، الذي كان قد تجاوز، لدى إعدامه في 22 تشرين الثاني 1936، السبعين من العمر. وبحسب شهود عيان على أحداث الثورة وحملات القمع التي استهدفتها، بلغ عدد الثوار الذين أُعدموا، في الفترة الواقعة بين تشرين الأول 1938 و كانون الثاني 1939، 45 ثائراً ( مصطفى كبها، " ثورة 1936-1939 والذاكرة  الشعبية  .
www.arabs48. com الفلسطينية ( الحلقة 31) "،
ثانياً: سياسة " فرّق تسد "
كما لجأت السلطات البريطانية إلى أساليب أخرى للتفريق بين العرب والإيقاع بين المسلمين والمسيحيين، وبين المدينيين والقرويين، واستغلّت النزاعات المناطقية والعائلية، وبخاصة بين عائلتي الحسيني والنشاشيبي، وشجّعت أعوانها على كسر الإضراب والكشف عن الثوار، وأسندت إلى المتعاونين معها وظائف حكومية استحدثتها لهذا الغرض، كما قدمت الأموال لعدد من القرويين والعشائر كقروض زراعية (خلة، ص 406).
ويورد السفري، الذي كان كما ذكرنا شاهد عيان على أحداث الثورة، نصوص بعض المناشير التي كانت تلقيها الطائرات البريطانية على المدن والقرى لتأليب الفقراء على الأغنياء، أو لفصل سكان القرى عن سكان المدن وإبعادهم عن الثورة. فقد جاء في أحد هذه المناشير، التي ألقيت خلال أيام الإضراب العام، ما يلي:
" من الذي يخسر بسبب الأعمال الخارجة على القانون القائمة الآن؟ إن الرجل الغني يعيش مرتاحاً في المدينة، هو لا يعرّض أسباب معيشته للخطر، ولكنه يطلب إلى الرجل الفقير أن يفعل ذلك. إن الذي يخسر هو ذلك التاجر الصغير الذي أُجبر على إغلاق دكانه. إن الذي يخسر هو ذلك البائع الصغير الذي تتلف بضائعه فيما لو حاول بيعها. إن الذي يخسر هو الفلاح الذي لا يستطيع أن يبيع محصولاته في السوق. أليس بصحيح؟
إن الرجل الفقير هو الذي يخسر دائماً. ومع ذلك فإن كل هذه الأعمال لا طائل تحتها. فحالما يستتب النظام تقوم لجنة ملكية بالتحقيق الوافي في ظلامات العرب بدون تحيّز أو محاباة. لكن هذه اللجنة لن تأتي إلى البلاد إلا بعد أن يستتب النظام. إنكم لن تجنوا شيئاً من مواصلة الإضراب، فهو إنما يسبب التعب لكم ولقريتكم. الزموا الهدوء والسكينة، ودعوا التحقيق يبدأ ".
كما ورد في منشور آخر أُلقي على القرى:
" في أوقات الضيق عندما أمسكت السماء عن المطر وأمحلت مزروعاتكم أعفتكم الحكومة من دفع الضرائب، ومدت الحكومة يد المساعدة لكم وأعانتكم، ولكن الحكومة الآن تنفق أموالها على توقيف الأعمال الخارجة على القانون. فإذا لم تتوقفوا عن الأعمال الخارجة على القانون، وتحافظوا على النظام، فلا يكون هنالك إعفاءات من الضرائب ولا إعانات وترتفع الضرائب. إنكم أنتم الذين تتضرّرون. من الذي يخسر من جراء الأعمال الخارجة على القانون؟ إن الذي يخسر هو أنتم وقريتكم "
(السفري، الكتاب الثاني، ص 118- 120)؛
غير أن أخطر مظاهر سياسة " فرّق تسد " تمثّل في جهود سلطات الانتداب لإثارة حالة من الاحتراب الداخلي في فلسطين.
فبعد أن أعلنت الحكومة البريطانية، في 9 تشرين الثاني 1937، عدولها عن مشروع التقسيم، وجّه فخري النشاشيبي، زعيم حزب الدفاع المعارض لقيادة المفتي، في 15 تشرين الثاني، رسالة إلى المندوب السامي، أعلن فيها أن العرب راضون عن إلغاء مشروع التقسيم، وأن المفتي لم يعد يمثّل الرأي العام العربي في فلسطين. وبدأ، بدعم علني من السلطات، بتنظيم " فرق سلام " لمحاربة الثوار المتعاطفين مع المفتي. وقد انضم إلى تلك الفرق كثيرون من قادة فرق الأنصار، الذين كانوا مرتبطين بآل النشاشيبي، و" ألبس الإرهابيون الذين تركوا العصابات بزات عسكرية، ورافقوا الجنود إلى الجبال لإرشادهم إلى أوكار قطاع الطرق "، وصاروا يردّون " على  إرهاب رجال المفتي بإرهاب مضاد " (الثورة العربية، ص 170-171).
وقد هدفت السلطات البريطانية  من وراء تشجيع تشكيل " فرق السلام "، التي وضعت تحت إشراف الضابط الإنكليزي تشارلز تيجارت، الخبير بمكافحة حرب العصابات، إلى إشعال نار الحرب الأهلية في البلاد، كما هدفت إلى تأليب الفلاحين على الثورة، مستغلة أعمال السلب والنهب التي كانت تقوم بها تلك الفرق ، وكذلك إلى تشويه سمعة الثورة في الداخل والخارج وإظهارها بمظهر غير ثوري (خلة، ص 459-460).
وفي أجواء الاحتراب الداخلي التي نشأت في البلاد، تزايدت الاغتيالات السياسية، التي كانت تستهدف في الماضي عملاء المخابرات البريطانية وسماسرة الأراضي، ثم صارت تستهدف المخاتير والوجهاء، أو حتى أبناء الطبقة الوسطى المدينية أو أبناء الأعيان. وينقل الباحث مصطفى كبها عن شهود عيان عاصروا أحداث الثورة، أن عمليات الاغتيال تلك استهدفت " الأخوين أحمد ومحمد إرشيد، من قرية صير قضاء جنين، وقد عرفا بمساندة الثورة ومدها بالمساعدات قبل اغتيالهما "، كما استهدفت " حسن صدقي الدجاني الذي كان من قادة ومنظمي الإضراب الكبير عام 1936 ". ويتابع الباحث نفسه أن هذا الضغط قد بلغ ذروته " عندما فرض القائد يوسف أبو درة أحكاماً بالإعدام على 38 مختاراً ووجيهاً قروياً، وقرر ليلة الخامس من كانون الثاني 1939 موعداً لتنفيذ الحكم، حيث بعث عدداً من الثوار لتنفيذ الأحكام، وقد نجح بعضهم بالفعل في تنفيذ أحكام الإعدام ببعض المخاتير والوجهاء، في حين أصابوا آخرين بجراح، ونجح الباقون بالفرار "
(مصطفى كبها، " ثورة 1936-1939 والذاكرة  الشعبية الفلسطينية (الحلقة 31) "،
ثالثاً: تعزيز التعاون مع المنظمات الصهيونية
يرى معدّو كتاب " تاريخ الهاغانا "، في القسم المخصص للثورة العربية، أنه سيكون من نكران الجميل " عدم التنويه بالدور المهم الذي قامت به الشرطة البريطانية في الدفاع عن المستعمرات اليهودية "، وبفضل الحراس البريطانيين من الجيش والشرطة " الذين رافقوا القوافل اليهودية في الطرقات الخطرة "، وبقيام الضباط والشرطة البريطانيين " بغض النظر عن السلاح غير المرخص " في أيدي المستوطنين اليهود (الثورة العربية، ص 19 و ص 61-62).
والواقع، أن سلطات الانتداب قد قررت، منذ بدء الإضراب العام والعمليات المسلحة، إضفاء الطابع الشرعي على منظمة الهاغانا من خلال تجنيد حراس قرويين لحماية المستعمرات اليهودية. فكان ذلك " بداية مؤسسة الخفارة (هنوطروت )، التي كان إنشاؤها بمثابة انعطاف في تاريخ الهاغانا "، حيث وصل عدد الحراس أو الخفراء، في منتصف حزيران 1936،" إلى 1300 شخص، وتقرر تسليمهم بنادق حربية ". وفي نهاية أحداث سنة 1936، " كان هناك في الييشوف 3000 شخص يمتلكون سلاحاً مرخصاً " (الثورة العربية، ص 62).
وقد شاركت قوة الخفارة اليهودية الجيش البريطاني في عملياته العسكرية ضد الثوار، كما شاركت في الدفاع عن المدن، حيث قررت السلطات البريطانية تقديم الأسلحة، في إطار قوة الخفارة (هنوطروت )، إلى أعضاء الهاغانا بصفتهم أفراداً ملحقين بالشرطة، كما أعطت رخصاً بحمل السلاح للسائقين اليهود، الأمر الذي أدّى " إلى إضفاء الشرعية على 1200 شخص، كانوا يقومون بالحراسة في القدس وحدها " (الثورة العربية، ص 203).
في مطلع  أيلول 1936، وافقت الحكومة على أن يتسلم أعضاء قوة الخفارة اليهودية زياً موحداً، وتعهدت الحكومة بدفع نصف رواتبهم. ومع الوقت تحوّلت هذه القوة إلى مؤسسة دائمة، عرفت باسم " قوة الشرطة الإضافية "، غير خاضعة للشرطة في فلسطين مباشرة، ثم  أطلق عليها اسم " شرطة المستعمرات العبرية ". وفتحت الخفارة آفاقاً جديدة لتدريب شبان الييشوف على السلاح، بمساعدة ضباط الجيش البريطاني (الثورة العربية، ص 299- 300 و ص 303-308).
وفي كانون الثاني 1939، نظّمت " شرطة المستعمرات العبرية " في عشر كتائب، وعيّن لكل كتيبة قائد بريطاني من ضباط الشرطة، يعاونه مفتش كتيبة معيّن من قبل الوكالة اليهودية. وفي آذار 1939، تشكّلت، بناء على أوامر من قائد الجيش في البلد، " لجنة الدفاع عن المستعمرات العبرية "، التي كانت مهمتها الاهتمام بكل ما يتعلق بالدفاع عن المستعمرات، وتنظيم " شرطة المستعمرات العبرية "، وكانت تتشكّل من ممثل الجيش، وممثل الشرطة، وممثل الوكالة اليهودية. وبعد أن جرد الشرطة العرب من أسلحتهم، وفر الكثيرون منهم أواستقالوا من الشرطة، استدعي خفراء يهود للخدمة في وظائف الشرطة، وبلغ عددهم في صيف 1939 1636 خفيراً (الثورة العربية، ص 313). وفي تموز 1939 ، قد ضمت الخفارة نحو 22000 من أبناء الييشوف، أي ما نسبته نحو 5 في المئة من الييشوف اليهودي (الثورة العربية، ص 313- 314)؛
وكما يستخلص معدّو كتاب " تاريخ الهاغانا "، فقد  كان للتعاون مع السلطات البريطانية، الهادف إلى قمع التمرد العربي، " أهمية حاسمة في ضمان بقاء الييشوف العبري وتطور الهاغانا، لأنه فسح للييشوف مجال إنشاء قوة دفاعية شرعية وعلنية، في فترة لم تكن الهاغانا تملك فيها الكميات الكافية من الأسلحة لصد الهجمات، ولا الأموال لتجنيد العدد اللازم من المدافعين تجنيداً كاملاً " (الثورة العربية، ص 293-294).
رابعاً: اللجوء إلى مختلف أنواع المناورات السياسية
توسيط الملوك والأمراء العرب
حاولت الحكومة البريطانية تطويق الثورة بسياج عربي، حيث أوعزت إلى الأمير عبد الله بالتوسط لدى اللجنة العربية العليا لحثها على الدعوة إلى وقف الإضراب العام والاضطرابات، فدعا الأمير أعضاء اللجنة إلى عمان في 6 حزيران 1936، ثم اجتمع بهم مرة ثانية في عمان في 7 آب، إلا أن وساطته تلك لم تسفر حينها عن نتيجة، حيث أبلغه أعضاء اللجنة  أنهم عاجزون عن وقف الإضراب ما لم تقرر الحكومة وقف الهجرة. وكانت الحكومة البريطانية قد حاولت، في أول تموز 1936، جس نبض الملك ابن سعود للتدخل، لكنه اشترط أن يكون ذلك بالاشتراك مع ملك العراق غازي وإمام اليمن يحيى والأمير عبد الله (خلة، ص 411-412).
وفي 17 آب من العام نفسه، أعلن نوري السعيد وزير خارجية العراق أنه سيتوجّه إلى فلسطين؛ ووصل إلى القدس بالفعل في 20 آب، حيث تقدم بمذكرة إلى اللجنة العربية العليا تتضمن اقتراحاً بأن تقوم اللجنة باتخاذ جميع التدابير لإنهاء الإضراب والاضطرابات، على أن تتوسط الحكومة العراقية لدى الحكومة البريطانية لتحقيق جميع مطالب العرب المشروعة. لكن وزير المستعمرات البريطاني، اورمسبي غور، ردّ تلغرافياً، في 25 آب، على ذلك العرض العراقي بأن حكومته توافق على الوساطة العربية لإيقاف الاضطرابات، ولكن " من دون أن تعلن عن أي أمر بشأن مطالب العرب قبل إيقاف الاضطرابات " (خلة، ص 413-416).
وفي 24 أيلول 1936، وضع الأمير عبد الله، بعد استلامه رسالة من الملك عبد العزيز بن سعود في أول أيلول، صيغة بيان ينص على أن بريطانيا " تضمن حقوق العرب " في حالة إيقاف الثورة، إلا أن السلطات البريطانية لم توافق على تلك الصيغة (خلة، ص 419). وفي أواخر الشهر نفسه، أرسلت اللجنة العربية العليا ، التي باتت راغبة في إيجاد مخرج يوقف الاضطرابات في البلاد، وفداً عنها للاجتماع بالملك ابن سعود، كما أوفدت  موفداً عنها إلى شرقي الأردن لمقابلة الأمير عبد الله؛ ونتيجة لهذه الاتصالات، وطبقاً لاستشارات مسبقة مع الحكومة البريطانية، وجّه الملك ابن سعود والملك غازي والأمير عبد الله في العاشر من تشرين الأول نداءً مشتركاً دعوا فيه إلى حل الإضراب ووقف الثورة و " الاعتماد على النيات الطيبة لصديقتنا بريطانيا العظمى التي أعلنت أنها ستحقق العدالة ". وفي اليوم التالي نشرت اللجنة العربية العليا نداء الملوك والحكام العرب، وأعلنت، أنها بعد حصولها على موافقة اللجان القومية، قررت أن تدعو الأمة إلى وضع حد للإضراب والاضطرابات (الكيالي، ص 321؛ و خلة، ص 420).
وبذلك توقف الإضراب العام، الذي استمر قرابة ستة أشهر، بوعد من الملوك والأمراء العرب بأن " الصديقة " بريطانيا العظمى ستعمل على تحقيق " العدل " في فلسطين.
تشكيل لجنة ملكية للتحقيق في الأحداث
كما هي عادتها في مواجهة الهبات والانتفاضات التي كان يقوم بها العرب الفلسطينيون، لجأت سلطات الانتداب، في مواجهة ثورة 1936، إلى تشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث، حيث أعلن وزير المستعمرات البريطاني في بيان له أمام مجلس النواب، في 18 أيار 1936، أنه تقرر تأليف لجنة تحقيق رسمية للذهاب إلى فلسطين والتحقيق في أسباب الاضطرابات (الثورة العربية، ص 83-84).
وفي 7 آب 1936، أصدر الملك جورج السادس البراءة الملكية بتعيين لجنة التحقيق، ووصلت اللجنة الملكية، برئاسة اللورد بيل، إلى القدس في 11 تشرين الثاني 1936 في أجواء مشحونة، لا سيما بعد أعلن اورمسبي غور، في 5 تشرين الثاني، وهو اليوم الذي غادرت فيه اللجنة لندن متجهة إلى القدس، " موافقة الحكومة البريطانية على قرار المندوب السامي بمنح 1800 شهادة هجرة يهودية، للفترة من تشرين الأول 1936 إلى نيسان 1937 " (خلة، ص 425-426).
وقد شكّل تقرير لجنة بيل، الذي رفعته اللجنة إلى الحكومة البريطانية في 22 حزيران 1937، ونشرته الحكومة في 7 تموز، ضربة كبيرة للحركة الوطنية الفلسطينية، إذ هو لم يلبِ أي مطلب من مطالبها الثلاثة، المتمثّلة في وقف الهجرة اليهودية، ومنع انتقال ملكية الأراضي إلى اليهود، وتأليف حكومة وطنية مسؤولة أمام  مجلس تمثيلي. بل اقترح، في المقابل، تقسيم فلسطين إلى دولتين: إحداها عربية، تضم إلى شرق الأردن، والأخرى يهودية، دولة تكون أبوابها مشرعة أمام هجرة اليهود، في حين تبقى الأجزاء ذات الأهمية الدينية أو الإستراتيجية تحت الانتداب البريطاني،على أن يُستبدل نظام الانتداب بنظام معاهدات مع الدولتين العربية واليهودية (خلة، ص 435-؛ 442؛ و الثورة العربية، ص 148).
وكما كانت متوقعاً، فقد استقبلت الأكثرية الساحقة من العرب الفلسطينيين التقرير المذكور باستياء شديد، لا سيما وأنه كان يدعو إلى إقامة دولة يهودية على الأرض الفلسطينية.
التلويح بالحلول السياسية
في 5 تشرين الأول 1938، دعي المندوب السامي ماكمايكل إلى لندن لإجراء مشاورات، حيث رأى أن سياسة القبضة القوية التي اتبعتها السلطات بعد مقتل أندروس لم تحقق الهدف منها، وأنه لن يكون في الإمكان إخماد التمرد من دون تنازلات سياسية للعرب، وتحقيق مصالحة سياسية مع الزعماء العرب (الثورة العربية، ص 166).  
وفي 9 تشرين الثاني 1938، وبعد صدور تقرير اللجنة الفنية التي شكّلتها الحكومة برئاسة الخبير جون وودهيد، اعترفت الحكومة البريطانية في بيانها السياسي بصعوبة إنشاء دولة عربية مستقلة، وأخرى يهودية، وأعربت عن رغبتها في توجيه الدعوة إلى ممثلين عن عرب فلسطين والدول المجاورة، وعن الوكالة اليهودية، للتداول معهم في مدينة لندن حول السياسة المقبلة، بما فيها مسألة الهجرة إلى فلسطين (خلة، ص 467).
وعلى هذا الأساس، افتتح  مؤتمر لندن في 7 شباط 1939، بحضور ممثلين عن  العرب اليهود، حيث قدم مالكولم ماكدونالد وزير المستعمرات، في 24 شباط، مقترحات الوفد البريطاني، التي انطوت على إعلان الحكومة البريطانية عزمها "على إلغاء الانتداب في الوقت المناسب، وأن يقام مقام هذا النظام دولة فلسطينية مستقلة ترتبط مع بريطانيا العظمى بمعاهدة ". وبالنسبة للهجرة اليهودية، اقترح الوزير البريطاني " أن تحدد – بالاتفاق إن أمكن – النسبة التي لا يجب أن يتجاوزها عدد اليهود في آخر السنوات الخمس "، ورأى، بخصوص انتقال ملكية الأراضي لليهود، " أن حكومة جلالته ترى أن الوقت قد حان لتقييد بيع الأراضي لليهود، وذلك لمصلحة الزراع العرب، وهو يقترح تخويل المندوب السامي السلطة لتحريم أو تقييد بيع الأراضي في فلسطين ". وقد وافق ممثل العرب الفلسطينيين، جمال الحسيني، في أول آذار 1939، على مبدأ إلغاء الانتداب وإقامة دولة فلسطينية،  لكنه اعترض على باقي المبادئ، في حين أعلن  الوفد الصهيوني، في 27 شباط، أن المقترحات البريطانية " لا تتفق وتعهدات الحكومة البريطانية للشعب اليهودي الواردة في تصريح بلفور " (خلة، ص 474).
الكتاب الأبيض في 17 أيار 1939
وعلى أثر فشل مؤتمر لندن، أصدرت الحكومة البريطانية، في 17 أيار 1939، "الكتاب الأبيض "، الذي اعتبرت فيه أن الهدف هو أن تشكّل، خلال عشر سنوات، حكومة فلسطينية مستقلة، ترتبط مع بريطانيا بعاهدة تضمن للبلدين مصالحهما التجارية والحربية، والتشاور مع عصبة الأمم بقصد إنهاء الانتداب، مشترطة أن يساهم العرب واليهود في حكومة الدولة المستقلة، على وجه يضمن صيانة المصالح الأساسية للطرفين، وأن يسمح بدخول 75000 مهاجر يهودي خلال السنوات الخمس القادمة، اعتباراً من أول نيسان 1939، ويمنح المندوب السامي سلطة منع وتنظيم انتقال الأراضي. وقد استقبل الزعماء الصهيونيون ذلك " الكتاب الأبيض " بالرفض التام، بينما برز داخل اللجنة العربية العليا موقفان: موقف الأغلبية التي رأت قبول "الكتاب الأبيض" كحل مرحلي، وموقف الأقلية، بزعامة المفتي، التي رفضت قبوله (خلة، ص 477-478).
ومع صدور " الكتاب الأبيض " كانت الثورة قد بدأت تعاني من ضعف واضح، نتيجة عجز الثوار عن الحصول على الأسلحة والذخائر، وتفاقم حالة الاحتراب الداخلي بين الفلسطينيين، والتغيّر الذي طرأ على موقف فرنسا، التي كانت حكومتها تغض الطرف في السابق عن نشاط الثوار الفلسطينيين المنطلق من سورية، واستشهاد أو انسحاب أو اعتقال عدد من قادة الثورة البارزين (خلة، ص 479).
استخلاصات عامة
كانت فترة 1936-1939 الفترة التي حُسم فيها مصير فلسطين. ففي تلك الفترة، التي مهّدت لنكبة عام 1948، تمّ، من جهة، ضرب الحركة الوطنية الفلسطينية، وتشتيت قواها السياسية، وتحطيم قوتها العسكرية، ومن جهة أخرى تعزيز القوة السياسية والعسكرية لمجتمع المستوطنين اليهود في فلسطين. وكان العامل الرئيسي في كلا النتيجتين الحكم الاستعماري البريطاني في فلسطين، والآلة العسكرية الضخمة التي استخدمها للقضاء على الثورة.
وتعترف الرواية الإسرائيلية بأنه لولا الدرع العسكري البريطاني والتعبئة الجزئية للجيش البريطاني النظامي، في بريطانيا نفسها، لما تمكّن مجتمع المستوطنين اليهود من الصمود أمام الثورة الفلسطينية الكبرى، وأنه لولا التعاون العسكري البريطاني لما تمكّن هذا المجتمع من تطوير قوته وإحراز النصر في المواجهة الحاسمة والشاملة  التي جرت في عام 1948
).XX1- XX(الثورة العربية،
المصادر
الثورة العربية الكبرى في فلسطين 1936-1939 ( الرواية الإسرائيلية الرسمية)، ترجمه عن العبرية أحمد خليفة، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية- الكويت، جامعة الكويت، 1989.
مأخوذة من كتاب: تاريخ الهاغانا، الذي يقع في ثمانية مجلدات (المجلد الثاني – الكتاب الخامس والكتاب السادس من القسم السادس الصادر سنة 1964).
عيسى السفري، فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية، كتابان في مجلد واحد، يافا، مكتبة فلسطين الجديدة، 1937
كامل محمود خلة، فلسطين والانتداب البريطاني 1922-1939، بيروت، منظمة التحرير الفلسطينية – مركز الأبحاث، 1974.
عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1970.
ماهر الشريف، " الإضراب التاريخي وثورة عام 1936 في فلسطين. نماذج عن بيانات ونداءات التعبئة والتحريض "، صوت الوطن، نيقوسيا، العدد 17، كانون الثاني 1991، ص 44-50.
ماهر الشريف، " هزيمة ثورة 1936 مهّدت طريق نكبة 1948 "، النهار، بيروت، آذار 2007.

بقلم ماهر الشريف

Louis DENISTY, Le Grand Mufti et le nationalisme palestinien.
Hajj Amin al-Hussayni, la France et la Grande-Bretagne face à
la révolte arabe de 1936-1939, Paris, Harmattan, 2006.
Ghassan el KHAZEN, La Grande révolte arabe de 1936 en Palestine, Beyrouth, Dar an-Nahar, 2005.
Elias SANBAR, « L’Intifada et la Thawra de 1936. tude comparée des formes et contenus », In Cristallisation de la conscience nationale. Les territoires palestiniens occupés par Israël depuis 1967, Coordination Jacques Couland et Elias Sanbar, Cahiers du GREMAMO, n. 8, 1990.