التحية لمصر والعار للمحتل - بقلم نافذ غنيم

2008-12-22

نافذ غنيم
عضو المكتب السياسي
حزب الشعب الفلسطيني

التحية لمصر والعار للمحتل

يواصل البعض إيهام نفسه بان قطاع غزة قد بات محررا  بعد أن أنهى الاحتلال الإسرائيلي وجوده المباشر جنودا ومستوطنين من داخله في أغسطس من العام 2005م, وبرغم كل ما يجري لا يريدون الاقتناع بان كل ما تم  كان قد خطط له بعناية فائقة وصولا لما نحن عليه، كيف لا وقد سهل ذلك على الإسرائيليين إحكام الطوق على شعبنا في قطاع غزة برا وبحرا وجوا, وان لرزم الأمر اجتياح حدوده وقصفه كلما استدعت الضرورات الأمنية الإسرائيلية ذلك تحت حجج ومبررات مختلفة. إن الإقرار بحقيقة أن  قطاع غزة كيانا لا زال تحت رحمة الاحتلال الإسرائيلي وممارساته العدوانية, يجعلنا التعامل بواقعية وموضوعية مع حقيقة الأشياء, ويساهم في ان لا تنزلق البوصلة السياسية لشعاراتنا وأدائنا في غير مكانها الصحيح، لنقع نحن كقوى سياسية وكشعب في متاهة الإضرار بقضيتنا من حيث لا ندري.

قد لا يريد البعض الإقرار بهذه الحقيقة تماشيا مع أجندته الخاصة, وللتعايش مع انتصارات مبالغ فيها, لا سيما  في ضوء ما يعانيه شعبنا من انقسام داخلي عميق على المستويين الأفقي والعمودي, وما يسعى إليه الطرف المسيطر في قطاع غزة من تعزيز سلطته بكل الوسائل بدعم من أطراف خارجية لا تضمر الخير لشعبنا, وهي التي تعزز بمواقفها وممارساتها واقع الانقسام الفلسطيني لصالح أجندة بالتأكيد تخدم مصالحها وليس مصلحة شعبنا وقضيته.

إن هذه الأطراف تتبع سياسة ممنهجة تهدف لقلب الوقائع أو تضخيمها من خلال إعلام مدروس وموجه, سعيا منها لفرض سياستها واجندتها, وتعزيز محاورها على الأرض, وان كان الأمر غير ذلك, فماذا يعني قيام البعض باتخاذ مواقف وإطلاق تصريحات- بقصد أو بغير قصد-   تساهم في إعفاء الاحتلال  الإسرائيلي من المسؤولية الكاملة عن جرائمه في قطاع غزة بسبب حصاره الظالم، والسعي لتحميل الشقيقة مصر مسئولية ذلك، وفي بعض الأحيان المساواة بينهما ؟! وماذا يعني إفشال جهود الحوار التي بذلتها الحكومة المصرية لإنهاء الانقسام الداخلي, كشرط أساسي يتطلبه الواقع والنضال الفلسطيني للنجاح في التصدي لسياسة الاحتلال التصفوية، والادعاء بأنها طرف غير محايد ؟ وماذا يعني تكريس وقائع على الأرض تسهل للاحتلال التنصل من جرائمه وتطيل أمد حصاره, وتخلق فئات اجتماعية فلسطينية منتفعة تتعارض مصالحها مع استقرار الوضع الداخلي ومتطلبات انجاز الوحدة, وذلك من خلال ما أنتجته الأنفاق الممتدة على طول الحدود الفلسطينية المصرية, والتي تلحق الأذى السياسي والاقتصادي والاجتماعي بشعبنا, رغم ما توفره من بعض المواد التي يحتاجها المواطنون ؟ وماذا يعني أن يساهم البعض في تحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية من الدرجة الأولى إلى قضية إنسانية, وان يتحول أبناء الشعب الفلسطيني من مناضلين ضد الاحتلال وبناء الدولة وتحرير القدس, إلى سعاه جل ما يطمحون إليه توفير سبل العيش الأساسي, واللهات  وراد مساعدة هنا أو هناك, وفي محصلة ذلك حالة من الإحباط الشديد وانسداد الأفق والأمل, لتدفع بهم إلى انحرافات مختلفة, أخطرها الشعور بالاغتراب عن المجتمع  والوطن والتفكير بالهجرة للخارج ؟؟.

وأخيرا وليس بأخر ماذا يعني أن يحاول البعض تضخيم بعض المساعدات التي تصل لقطاع غزة بالقوارب عبر البحر, وكأنها منقذة الشعب الفلسطيني والكاسرة للحصار – رغم أهمية ذلك – وهي التي لا تخرج عن دائرة الموافقة الإسرائيلية, ولا تتعدى وجبة صغيرة لما يدخله احد الأنفاق الواصلة لمصر على مدار اقل من ساعة عمل, مع تأكيد رفضي لسياسية الأنفاق..؟

إنني إلى جانب السياسية الوطنية الملتزمة برفض التورط في محاور هنا او هناك, والإبقاء قدر الإمكان على موقف فلسطيني بعيدا عن تناحر المحاور, والعمل بكل قوة لتعزيز العلاقة مع كافة الأطراف على قاعدة دعم القضية الفلسطينية والمشروع الوطني، وفي مقدمة هذه الأطراف دول الجوار والدول العربية الداعمة لقضينا ووحدة شعبنا, وكل الدول الصديقة التي لا تسعى لرهن موقفنا الفلسطيني بسياستها وأجندتها الخاصة. وفي هذا الإطار يجب النظر بخطورة للسياسة التي ينتهجها البعض, والساعية لضرب العلاقة الفلسطينية المصرية من خلال الإساءة للدور المصري الذي تميز تاريخيا بالدعم الصادق لشعبا وقضيته, وكذلك ما تبذله مصر من جهود حثيثة لإنهاء الانقسام الفلسطيني, والوقوف بجانب شعبنا رغم كل الصعوبات والقيود التي تواجهها في تخفيف أعباء الحصار عن شعبنا, فهي التي تقدم ما تستطيعه بطرق مباشرة وغير مباشرة, وعيناها على ان يتلاءم ذلك مع حقيقتين لا يمكن لأي حريص على شعبنا وقضيتنا تجاهلها, الأولى.. بان معاناة شعبنا في قطاع غزة يجب ان تتحملها إسرائيل بصورة مباشرة, وان تحصد هي وحدها جرائم حصرها وليس أي طرف أخر, مع الحرص على أن تبقى قضية شعبنا سياسية بالدرجة الأولى، والثانية.. أن تعكس كافة المواقف والممارسات بما في ذلك المساعدات المقدمة وغيرها, تحقيق هدف إنهاء الانقسام وليس تعزيزه وترسيمه, بمعنى دفع كافة الأطراف الفلسطينية لطاولة الحوار من أجل إنهاء الحالة الشاذة التي يعيشها شعبنا ونظامه السياسي, وعدم استغلال أي تسهيلات تقدم لصالح تكريس الانقسام القائم. وعليه لن يفيد شعبنا هروب البعض من مواجهة حقيقة الكارثة التي تجتاحنا، بتبني مواقف والقيام بممارسات في غير مكانها الصحيح, والتردد في اتخاذ المواقف الجريئة والشجاعة من اجل انطلاق عملية الحوار الوطني من حيث انتهت إليها الجهود المصرية الأخيرة, كمخرج وحيد لإنهاء الانقسام وصولا للمصالحة الوطنية, وكمقدمة أساسية في مواجهة سياسية الاحتلال الإجرامية وإنهاء الحصار، وباعتبار ذلك معيار وطني يعكس صدق المواقف ومدى التزامها بقضية شعبنا وإنهاء معاناته.

                                                                             22/12/2008