ابوعلاء الشيوعي الذي لم ينكسر ...!!؟؟ - بقلم طلعت الصفدي

2009-02-06

طلعت الصفدي
عضو المكتب السياسي
حزب الشعب الفلسطيني

ابوعلاء الشيوعي الذي لم ينكسر ...!!؟؟

كثيرون ينخرطون في  العمل  الوطني كمشروع استثماري ، كثيرون يستهويهم حمل السلاح وفى المعارك  يكونون أول الهاربين والمختبئين  ،  كثيرون  يندمون لأنهم أضاعوا زهرة عمرهم ،وسني حياتهم المملوءة بالعذاب ، بالتضحيات ، بالغربة ، بالرحيل ، بالتشرد وبالمعتقلات والسجون ، كثيرون يتعبون فيترجل بعضهم  محتفظين  بتاريخهم ، ويرتد آخرون عن مبادئهم ومثلهم تحت ضربات العدو القومي أو العدو الطبقي ، أو تحت ضغط  إغراءات السلطة والمال ،  وقلائل من يملك قناعة وإيمان بعدالة قضيتهم الوطنية والطبقية متسلحين بقوانين التطور في  الطبيعة والمجتمع والتفكير البشرى وبنظرية المعرفة ،  يصرون على الاستمرار  وحمل الرسالة الخالدة ،  والكفاح من أجل فلسطين دولة مستقلة كاملة السيادة ديمقراطية، علمانية ، يسارية واشتراكية حتى نهاية المشوار ، والعمر ؟؟ انه الرفيق محمود الرواغ ( أبو علاء ) عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني الذي امتشق فكره  وسلاحه وبقى متشبثا بالقطار الثوري المتجه إلى  الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .

كثيرون يعتقلون من أجل قضية الإنسان والحرية ، يتعرضون لأقسى أنواع  التعذيب  في سجون الاحتلال ، ومن الأجهزة القمعية المخابراتية والاستخبارية لأنظمة الحكم غير الديمقراطية ، وإذا قدر لهم  الحياة والإفراج عنهم  ينسحبون من المعركة والمواجهة ويستسلمون ، ويبحثون  عن طريق آخر لا يعرضهم للاعتقال  ، إلا أبى علاء الذي كان ينصهر  كالفولاذ مع كل معركة واعتقال  ، يزداد إصرارا على مواصلة المشوار مهما كانت النتائج ،انه التحدي ، فكيف سقينا الفولاذ يا أبا علاء ؟؟

ولد الطفل فوزي الرواغ أثناء الرحيل  مع التشرد والمعاناة  عام1948 من قرية روبين / يافا، تيمنا  باسم المناضل فوزي القاوقجى ، ليتحول اسمه  إلى محمود الرواغ ، تعمده رائحة القنابل ودخان الإرهاب الصهيوني ويحمل معه  بصمات النكبة والجراح التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني من تلك القوى التي كانت السبب الحقيقي في نكبته ،  الانتداب البريطاني ، والحركة الصهيونية والرجعية الفلسطينية والعربية ، حفرت في ذاكرته ووجدانه  الأعداء الحقيقيين لشعبنا الفلسطيني والتي لم تبارح تفكيره وعكستها ممارساته منذ وعى النكبة وجذورها حتى رحيله .

قرية روبين قضاء يافا  يخترقها نهر روبين في جنوب مدينة يافا ،كانت  تجذب الناس طوال فصل الصيف  لزيارة النبي روبين ، ويتوافد لزيارة  مقاماتها ومزاراتها المسيحية والإسلامية  الاهالى من اللد والرملة ويافا ، وتتندر نساء يافا  حين تخاطبن أزواجهن  " يا بتروبنى يا بتطلقنى " .ولإنعاش الذاكرة قليلا  فقد عرض أثناء أحد موسم الاحتفالات في روبين أول فيلم عام 1935 عن زيارة الملك سعود إلى فلسطين.

على أثر حرب 1948 رحل الرفيق مع عائلته كما رحل الآلاف من شعبنا إلى  الجنوب  مشيا على الأقدام ، أو ركوبا على الدواب من روبين يافا  إلى دير البلح ثم إلى مدينة غزة عام 1955ليكون شاهدا على عصر تصاعد فيه  حركات التحرر العربية والعالمية بعد هزيمة النازية الألمانية وانتصار الاتحاد السوفياتى ،وقيام  ثورة 23 يوليو المصرية ، ويشارك وهو طفل في مظاهرات عام1955 ضد مؤامرة  توطين اللاجئين في سيناء التي قادها الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة بقيادة الرفيق الشهيد معين بسيسو ، ويتابع العدوان الثلاثي على مصر عام1956 ، وانسحاب القوات الإسرائيلية في 7 مارس عام 1957 وعودة الإدارة المصرية إلى القطاع ،وثورة العراق ، والوحدة بين مصر وسوريا ،  وتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية عام1964 ، وجيش التحرير الفلسطيني الذي كان رفيقنا يتلهف للانضمام إليه  بعد أن صقلته الأحداث والتطورات ، ومع العدوان الاسرائيلى وهزيمة عام  1967  يدرك رفيقنا حجم المؤامرة على الشعب الفلسطيني ، وخطورة رهن القرار الفلسطيني المستقل لأية جهة أخرى غير ممثلي الشعب ، فأصر على حمل السلاح والانخراط في  المقاومة  الفلسطينية ليتحول إلى فدائي ومقاتل ، ويسافر إلى عمان ليلتحق بصفوف قوات التحرير ( جيش التحرير الفلسطيني ) ويشارك فورا  في معركة الكرامة عام1968 ، وكافة المواجهات  في جرش ،وعجلون ومخيم الوحدات ،  أعتقل لمدة أربعين يوما ليتم ترحيله إلى درعا في الاراضى السورية ثم إلى  لبنان .

وفى نفس العام 1968 ينتسب الرفيق أبو علاء لصفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة ، وينضم لقوات الأنصار التي بدأت بتشكيلها الأحزاب الشيوعية العربية في عمان في أواخر عام 1970 ، ويتم ترحيله إلى لبنان فيؤسس مع رفاقه في لبنان منظمة الشيوعيين الفلسطينيين فرع  الحزب ،ويباشر بتشكيل قوات أنصار الجناح العسكري للحزب ،شارك  في كافة الحوارات من أجل توحيد الحركة الشيوعية الفلسطينية ، وانتخب عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني بعد توحده عام  1982 وكان في خطوط التماس الأولى مع العدو الاسرائيلى ، شارك في كافة المعارك  والمواقع في لبنان في الرشيدية ونهر البارد وتل الزعتر وفى المرتفعات والمخيمات ..الخ  دفاعا عن الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية  ، اعتقل عام 1982 أثناء مشاركته في تصديه للاجتياح الاسرائيلى للبنان حيث زج به في معتقل  أنصار ليمارس دوره النضالي ،ويساهم في توحيد الحركة الاعتقالية الفلسطينية واللبنانية  ، ويصدر نشرة داخلية  دورية داخل المعتقل حتى على أوراق السجائر المهربة تساهم في رفع معنويات المعتقلين ، ووعيهم السياسي ، ويرسلها إلى الخارج لتكون وثيقة نضالية وتجربة اعتقالية ليفضح ممارسات جنود الاحتلال وعناصر لحد المتعاونة معها ،  ويؤكد أن المناضل الثوري لا يكل ولا يتعب ودائما في خدمة شعبه وحزبه في أي زمان وأي مكان  وللأسف تضيع هذه الأوراق في زحمة الصراع الدامي  وليفرج عنه مع صفقة التبادل ويتم  نقله إلى الجزائر .

ويعود أبو علاء إلى أرض الوطن مع قوات الثورة الفلسطينية عام 1995 ، ليستمر في دوره النضالي داخل الوطن مع رفاق حزبه ( حزب الشعب الفلسطيني ) كعضو في لجنته المركزية ولتوكل إليه العديد من المهمات السياسية والتنظيمية والعسكرية ، وليعمل أيضا مديرا عاما لمديرية التدريب في الأمن الوطني الفلسطيني ليخرج الآلاف من ضباط وجنود الأمن الوطني متسلحين بوعي سياسي وبقدرة قتالية عالية ، وبمهارة في استخدام السلاح  وبشموخ عزة الوطن للدفاع عن الوطن والمواطن بعيدا عن الفئوية والتعصب ، ويساهم  برفع مستوى وعيهم الوطني جنودا لخدمة الوطن والدفاع عنه .

تعلمنا منك يا أبا علاء كيف يكون الفلسطيني وطنيا ؟؟؟ وكيف يكون الوطني ثائرا؟؟  وكيف يكون الثائر اجتماعيا ، ديمقراطيا وإنسانيا ، حب  الوطن والشعب والإنسانية  ؟؟ أبو علاء الفارس الذي لم يترك جواده لوحده ، كان معلما عسكريا وتنظيميا وسياسيا لم ينزع بزته العسكرية للحظة ، سلاحه على جنبه يتأهب لاى طارئ ،كما يقولون " الحبة في بيت النار" ، ملتزما بسلاحه الفكري والوطني والطبقي  ، لم تنحرف البوصلة  عن  التناقض الرئيس مع الاحتلال مهما كانت الصراعات الداخلية على قاعدة " وحدة وصراع الأضداد"  عرفته ساحات الأردن ، ومعارك لبنان بكل تفاصيلها وأزقتها وشوارعها ، في الصفوف الأمامية دائما ، وفى خنادق المواجهة دائما لم  يقل أبدا لجنوده ولرفاقه تقدموا بل كان يقول لهم اتبعوني .. ما أعظمك يا رفيقنا أبا علاء ،  افتقدناك ، وافتقدتك الحركة الوطنية الفلسطينية ، وافتقدتك جبهة اليسار الفلسطيني والعربي والعالمي ،  افتقدك رفاقك  وجنودك وضباطك الذين بكوا كما يبكى الأطفال بحرقة وبمرارة لرحيلك قبل الأوان .

امتلكت رؤية علمية واسترشدت بالفكر الماركسي وبالمنهج المادي الجدلي ، وبالقواعد التنظيمية الأصيلة  عكست ذلك في ممارستك اليومية والحياتية ، منفتحا على الجماهير غير متعال عليها ، وضرورة  تواصل الحياة الحزبية الحقيقية في كافة مؤسسات الحزب  وهيئاته وتؤكد على وحدة الحزب الفكرية والسياسية  "وحدة الإرادة ووحدة العمل " ومشاركة الكل في إبداء الرأي والنقاش بشكل ديمقراطي ،واتخاذ القرارات الجريئة  معتمدين على علم الإدارة الحديث وفن القيادة الرشيدة،الحياة الحزبية عندك أيها الرفيق أبو علاء هي المحك الحقيقي لقدرة الحزب على  التواصل مع جماهير الشعب بكل فئاته وخصوصا العمال والفلاحين والشباب والمرأة والمثقفين الثوريين ، وكنت توصى بضرورة رفع مستوى وعي الرفاق  الفكري والسياسي والجماهيري  والاطلاع على منجزات العلم والتطور في كل الميادين، وتؤكد دائما أن حزبنا يجب عليه أن يكون حزبا مقاتلا ومناضلا وثوريا بكل الوسائل التي كفلتها الشرعية الدولية  وبأشكال النضال والكفاح المختلفة الجماهيرية والشعبية ومن ضمنها العمل المقاوم  مع تأكيدك أننا كوطنيين وثوريين علينا أن نعطى المثل المميز في الدفاع عن الوطن بعيدا عن الاستعراضات والفهلوة والاستخدام.

كنت تمقت الكولسة والشللية والثرثرة ،وغياب المؤسسة الحزبية ، وطغيان المصلحة الشخصية ، وتحويل الحزب إلى مؤسسة  Ngo's ، كلها تتناقض مع مصلحة الشعب والحزب ، رفضت الفردية والمزاجية في العمل  الحزبي ، وحذرت من تراجع قوة الحزب الجماهيرية إذا عششت الأخلاق البرجوازية والمفاهيم الليبرالية بين صفوف قيادته ، وسيكون عاجزا عن استقطاب الجماهير ،لهذا كنت تصر على ضرورة  الاهتمام بالثقافة التقدمية وبرفع الوعي الثوري بين جميع الرفاق ، والإصرار على أهمية إعادة إصدار صحيفة الحزب الدورية كأداة تثقيف وتعبئة ،وتحريض ضد العدو القومي والطبقي والتصدي لكل التعديات على حقوق المواطنين الديمقراطية والاجتماعية ، وأن يرتفع صوتنا عاليا وبجرأة وشجاعة ضد انتهاك حرية المواطن الفلسطيني في أي مكان وأي زمان ، فالإنسان الفلسطيني هو أغلى قيمة للوطن .

من عائد إلى حيفا ، إلى عائد إلى روبين يافا   مسافات ، وأزمان ، شهداء وجرحى ومعتقلين ، رحيل وتشرد وانتظار العودة وتحقيق الحلم ، حواجز وسدود خلقها الاحتلال الاسرائيلى لفلسطين مدعوما من الدول الامبريالية ،والرأسمالية العالمية ، والرجعيات العربية  ، لن تسمح بالعبور إلى حيفا ،فكان الرواغ يؤكد أن العبور إلى يافا ربما يكون عبر غزة ، لكن الانقسام بين جناحي الوطن والصراعات الداخلية وتعطيل الحوار الوطني الشامل ، وغياب البرنامج الكفاحي السياسي  الموحد ، وغياب تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا  ، ورهن القرار الفلسطيني المستقل بقوى إقليمية ... الخ  يعطل العبور ويديم الاحتلال ... أبو علاء أيها العائد إلى جزء من الوطن هل صحت نبوءتك ؟؟  أين روبين يافا ، فلماذا رحلت قبل تحقيق الحلم ، والنبوءة وأنت من المحطة الأولى لم تترك حصانك وحيدا ؟

5/2/2009