هذا ما يجب على الرئيس اوباما ان يقوله لنتنياهو

2009-05-06

محلل سياسي بريطاني:
على الولايات المتحدة التعامل مع اسرائيل كدولة عادية

لندن -  كتب المحلل السياسي البريطاني جوناثان ستيل في صحيفة "الغارديان" مقالا تحليليا ناقش فيه الرهانات التي يواجهها الرئيس الاميركي في ما يخص قضية الشرق الاوسط مع ترقب وصول الرئيسين المصري حسني مبارك والفلسطيني محمود عباس وبعدهما رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى واشنطن. واعتبر ستيل ان على الولايات المتحدة التعامل مع اسرائيل كدولة عادية، ولا يمكنها ان تتمتع برخصة دائمة ‏للفرار من الانتقاد بشأن ممارسات كانت ستدان حكومة اي دولة اخرى اذا ارتكبتها. وفيما يلي نص المقال:

"ان أصعب اجتماع في فترة رئاسة باراك اوباما الفتيّة يقترب. وفي الأسابيع القليلة القادمة، سيتعين عليه ‏الجلوس مع (رئيس الوزراء) بنيامين نتانياهو الاسرائيلي. والصعوبة لا تكمن فقط في رفضه قبول حق الدولة ‏الفلسطينية في الوجود، مظهرا بذلك أنه ليس لدى الفلسطينيين اي شريك للسلام‎.‎

والأكثر ارهاقا هي أشباح ماضي السياسات الأميركية. واذا كان اوباما مخلصا في رغبته بكسر الجمود في ‏الصراع الجوهري للشرق الاوسط، فان عليه ان يطلق علاقة الولايات المتحدة مع اسرائيل استنادا ‏لخطوط جديدة بشكل راديكالي. ويجب ان تعامل اسرائيل كدولة عادية. ولا يمكنها ان تتمتع برخصة دائمة ‏للفرار من الانتقاد بشأن ممارسات كانت ستدان حكومة اي دولة اخرى اذا ارتكبتها. وحتى لو كان ‏الاسرائيليون، من خلال ترتيباتهم الائتلافية المعقدة، قد اختاروا زعيما أكثر تقدمية واستنارة، فان ذلك ‏التغيير سيكون ضروريا. وهي ضروري الآن بدرجة مضاعفة بما ان اسرائيل اختارت رجلا ذا رؤيا ‏عدوانية وضيقة‎.‎

ان يوم الشيك المفتوح يجب ان ينتهي. ويوم الشيك الضخم يجب ان ينتهي، ايضا. لماذا يجب على دولة تملك ‏واحدة من أعلى نسب الدخل للفرد في العالم ان تتلقى نحو 3 بلايين دولار سنويا، او حوالي ثلث ميزانية ‏الدعم الخارجي الأميركي (وهذا لا يشمل الدعم الاضافي من وزارة الدفاع)؟ لماذا يجب ان الا يكون لديها ‏حساب مشتريات مثل كل بلد متلقي آخر- وهو نقص رقابة واع يسمح لواشنطن بغض الطرف عن حقيقة ‏ان اموال الضرائب الأميركية تمول مستوطنات غير شرعية في القدس والضفة الغربية وتساعد في بناء ما ‏يسمى بجدار الفصل العنصري؟

واذا لم ينه اوباما علاقة أميركا الخاصة مع اسرائيل، فان هذا الاغفال سيكون كعب اخيل لسياسته ‏الخارجية ‎ومكانة اميركا في الشرق الأوسط ونفوذها في الخليج وصورتها في العالم الاسلامي وعلاقتها ‏مع ايران وحتى دعمها في اوروبا جميعها مرتبطة بالطريقة التي تعامل بها اسرائيل‎.‎
ان تعليقات اوباما ذات الرياء بخصوص اسرائيل قبل انتخابه تقترح فعلا ان هذه من المرجح ان تكون اخطر ‏نقاط ضعفه. ‎ ‎وأيامه المائة الأولى في المنصب لم تفعل شيئا لنفي ذلك. وخطاباته في تركيا، التي كانت ‏موجهة الى الجماهير المسلمة، لم تظهر اي اعتراف بحقيقة ان معظم الاتراك والعرب والايرانيين ‏يعتبرون السياسة الأميركية تجاه اسرائيل غير عادلة ومنحازة‎.‎
ولم تحتو مناشدته المدوية في براغ لعالم خال من الأسلحة النووية على اي اشارة الى ترسانة اسرائيل ‏النووية او الحاجة الى انضمام جميع الدول (بما فيها الهند وباكستان) الى معاهدة منع الانتشار النووي. واذا ‏تم الضغط على ايران- وهي من الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي- للالتزام بمتطلب ‏الشفافية، فانه من النفاق عدم الضغط على الدول غير الموقعة لكي تكون نزيهة بالقدر نفسه. والادعاء بأن ‏الدول التي لم توقع على المعاهدة معفية من القواعد قد يكون صحيحا من الناحية القانونية، ولكنه سخيف ‏سياسيا. ان رغبة اوباما المثيرة للاعجاب في تقليص مخزون العالم النووي لا يمكن ان تقف عند بوابات ‏ديمونا والمواقع التي يحتفظ فيها بالرؤوس النووية الاسرائيلية‎. ‎

ان العقود التي مرت على اسرائيل من تساهل الرؤساء الأميركيين وفتور الهمة في الـ"كونغرس" قد انتجت ‏ثقافة تملي فيها فعليا ما ينبغي ان تكون عليه السياسة الاميركية. وساعدت اسرائيل في تعزيز (حركة المقاومة الاسلامية)‎"حماس" ‏كوسيلة لاضعاف مصدر قلقها في ذلك الحين، ياسر عرفات. والآن بعد ان اصبحت ‏‎"‎حماس" مستقلة ‏وقوية وشعبية، فان اسرائيل تعتبرها الهدف الجديد. ويجب على ادارة اوباما ألا توافق على ذلك. وكما ‏يجادل ديفيد غاردنير في كتابه الممتاز "الفرصة الأخيرة" فان "مقاطعة حماس كانت هزيمة للذات. وليس ‏هناك سبب قانوني او اخلاقي لكي تعترف حماس – او اي شخص آخر- بدولة ترفض تحديد حدودها، التي ‏يجري توسيعها يوميا على ارض فلسطين".‎

ان السعي الى تدمير "حماس" بعد فوزها في الانتخابات كان، باستثناء غزو العراق، أكبر خطأ لسياسة (الرئيس الاميركي السابق جورج) بوش ‏الخارجية، وهو خطأ دعمه الاتحاد الاوروبي بحماقة. بعض الحكومات الأوروبية تريد تغيير ذلك. وقد ‏اجروا محادثات غير مباشرة مع "حماس" وقد تنتقل الى اجراء محادثات مباشرة. ويجب على اوباما ان ‏يفعل الشيء نفسه‎.‎

واذا كانت واشنطن تستطيع التحدث الى كوريا الشمالية وايران، فانه ليس لديها اي سبب لمقاطعة اشخاص ‏فازوا في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة ومن المرجح ان يفوزوا في الانتخابات المقابل. ‎وبعيدا عن هزيمة ‏‏"حماس"، فان حرب اسرائيل على غزة جعلتها اكثر قوة وعززت صورة اسرائيل كمتنمر. وعلى نفس ‏المنوال، فان الولايات المتحدة بحاجة الى اجراء محادثات مع "حزب الله" في لبنان. والحرب الاسرائيلية ضد ‏"حزب الله" عام 2006 كانت وحشية تماما مثل الحرب على غزة هذا العام، وهي ليست اكثر من ‏الاستراتيجية القديمة، وان كانت نقلت الى مستوى بشع، من هدم البيوت كعقاب جماعي‎.‎

والآن يسعى نتنياهو لربط ايران بشكل اكثر قربا بالسياسة الاسرائيلية مما فعله رئيس الوزراء الاسبق ‏ايهود اولمرت. ويقول مسؤولو حكومته انه من دون وقف سعي ايران المشبوه للحصول على قنبلة نووية ‏ودعمها لـ"حماس" و"حزب الله"، فانه ليست هناك امكانية لأن توافق اسرائيل على محاثات السلام‎.‎

والشيء الأهم هو ان على أوباما ان يخبر نتنياهو بأن واشنطن ترفض مثل هذا الربط. وان المصدر ‏الرئيسي للتوتر في الشرق الأوسط والخليج ليس ايران، وانما الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية. ‎ولا يمكن اخفاء قضية قديمة بأخرى جديدة. وحتى انسحاب اسرائيل الى حدود عام 1967- مع بعض ‏التبادل للأراضي- طبقا لاتفاق دولي، فان المقاومة الفلسطينية ستستمر، ومن حق الدول الأخرى ان ‏تدعمها‎.‎

اما بالنسبة الى شن هجوم على منشآت ايران النووية، فيجب على اوباما ان يرفضه علنا. وعندما اثار ‏اولمرت المسألة العام الماضي، وهو ما نقلته صحيفة "ذي غارديان" في ايلول (سبتمبر) الماضي، اخبره بوش بأن ذلك ‏مرفوض لأن الهجوم سينظر اليه على انه حظي بدعم اميركي، لأنه القاذفات الاسرائيلية سيكون عليها ‏التحليق فوق المجال الجوي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة في العراق‎.‎

ورأى بوش ان آماله الأخيرة في الاحتفاظ ببعض الصدقية في العالم الاسلامي ستنهار، ولكن رسالته الى ‏رئيس الوزراء الاسرائيلي في ذلك الحين اوصلت بشكل سري. ويجب على اوباما الا يقول لنتنياهو نفس ‏الشيء فقط. بل يجب ان تكون رسالته بصوت مرتفع وواضح. ويجب ان يعلن ايضا ان اي هجوم اميركي ‏على ايران ليس مطروحا على الطاولة. وما تحذر واشنطن بصورة محقة اسرائيل بضرورة عدم القيام به، ‏لا يمكنها ان تحتفظ لنفسها بالحق في القيام به‎
.‎
ونقطة اوباما الثالثة يجب ان تكون انه لا يدعم الرسالة التي بعث بها بوش الى ارئيل شارون عام 2004، ‏والتي تقبل مستوطنات اسرائيل في الضفة الغربية باعتبارها "حقائق جديدة" لا يجوز التخلي عنها. ‎وهذه ‏الوثيقة ليست معاهدة او حتى اتفاقا حكوميا ثنائيا. ويجب ان تبطلها رسالة جديدة تنص على ان الولايات ‏المتحدة تعتبر كل مستوطنة اقيمت بعد عام 1967 غير شرعية. وفقط عن طريق تحقيق تحول جذري عن ‏السياسة الأميركية السابقة سيكون باستطاعة اوباما ان يعدّ الأساس لاتفاق دائم بين اسرائيل والفلسطينيين. ‏ولا يمكن للوساطة ان تنجح اذا كان الوسيط يعامل احد الجانبين بطريقة خاصة‎. ‎

6/5/2009