التربية قضية سياسية ومسئولية المجتمع بأسره ( القسم الثاني ) - اعداد: سعيد مضية

2010-02-09

سعيــد مضيــة

نحو برنامج لليسار الفلسطيني في مجال التربية
التربية قضية سياسية ومسئولية المجتمع بأسره
عن مجلة رؤى تربوية  الصادرة عن مركز القطان للبحث والتطوير التربوي
عدد30، تشرين ثاني 2009
القسم الثاني

تتجلى جدلية العلاقة بين التربية والثقافة وإجمالي مظاهر الحياة الاجتماعية من حقيقة أن المهمة المسندة للتربية تختزل إما في إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية أو إحداث التغيير. إن أبرز معالم الثقافة العربية في مرحلة التردي هو التسلط وشيوع علاقات القهر والخضوع اللذين يخنقان الطالب والمعلم، ويعيدان إنتاج التسلط والاستبداد بشكل موسع داخل المجتمع، حيث يعتبران أمرا طبيعيا في الحياة الاجتماعية. أثبت الدكتور يزيد عيسى السورطي في كتابه " السلطوية في العملية التربوية " أن التسلط عدو لدود للتربية والثقافة على حد سواء. "والمجتمع المتسلط ينتج معلمين متسلطين؛ كما أن المعلمين المتسلطين يسهمون في إنتاج طلاب سلطويين أيضا" (1/9). أما التداعيات المترتبة على منهاج التعليم وأسلوبه فيلخصها الدكتور هشام شرابي بواقع اجتماعي عربي " لا يقوم فقط على الاستغلال والقهر والعنف؛ بل على مقدرة هائلة للكذب والتمويه على  النفس وحجب الحقيقة عن الذات" [3/64]. وهذا احد ثمار التعليم القائم على أسس غير تربوية. فالتعليم بناء للمستقبل ، وطبيعة العملية التربوية تنعكس في الحياة الفكرية للمجتمع. "في ظل الانحدار والانحراف التعليمي يعيش الطلاب حياة مدرسية قاتمة ومضطربة يسودها قواعد متعسفة تحكمية، وثقافة فصل يهيمن عليه التلقين والقمع والاستهزاء وتشجيع نزعات التنافس والأنانية والكذب والخوف والنفاق والعجز والاتكالية. وهذه الصفات جميعها صفات ضرورية لإعادة إنتاج المواطن الخاضع الخانع المستسلم والعاجز عن المشاركة في تحسين أحوال الحياة في المجتمع ، أو مقاومة أوضاع الظلم الاجتماعي السائدة في النظام الطبقي الاستبدادي الراهن"(6/67) .

فالقضية التربوية إذن لا تنحصر في تعليم و معلومات ومناهج ومقررات؛ بل هي في الأساس سياق ثقافي وفلسفي لمجتمع يجعل المؤسسة التعليمية في حالة اتصال وتواصل مع المجتمع. ويجعل الطلاب في حالة اتساق مع مجتمعهم أو منعزلين عن قضاياه.

عندما تم اللقاء مع الغرب في العصر الوسيط أثناء غزوات الفرنجة تجلى تكافؤ في القوى؛ وبتقدير وإعجاب وجد الغزاة المتدخلون، بعد اندحارهم الكثير من العناصر الإيجابية في الثقافة العربية – الإسلامية. بعد ذلك أخذت تترقى الحياة الاجتماعية في الغرب، بينما واصلت الحياة الاجتماعية العربية – الإسلامية سيرورة تدهور وانهيار حتى تم اللقاء التالي في ظروف عدم تكافؤ أفضى إلى علاقة إخضاع واستتباع. دخلت المجتمعات في أوروبا الغربية مرحلة تطوير الإنتاج بواسطة الثورات العلمية المستكشفة للقوانين في مجالات الميكانيك والفيزياء والكيمياء والحياة العضوية ثم المجتمعية، وما رافق ذلك كله من ثورة علمية وتعليمية أنجزت إبداعات تقانية. أما مجتمعاتنا العربية والإسلامية فقد عطلت تقدم الإنتاج، في ظروف تمزق الدولة العربية الإسلامية وانعدام الأمن وغياب القانون في ظل حكم الطغيان. تم هدر العقل والوعي لمصلحة أنظمة مستبدة احتكرت للنخبة من الحكام والأتباع خيرات الوطن وثمار الكدح الإنساني.
طبيعي أن قصور العملية التربوية موروث عن عهود الانتدابات الأجنبية. فقد سخرت أساليب العصر الوسيط وثقافته وتخلف نماذجه لتكريس التخلف.

تحصر الأبحاث التربوية عناصر العملية التربوية في المعلمين والمناهج الدراسية والمرافق التعليمية؛ ويجري عمدا إغفال الثقافة العامة والفلسفة السائدة والنظام السياسي داخل المجتمع. الثقافة العامة في مجتمعات العرب كافة تنهض على موروث ثقافي جوهره الاستبداد الذي أمعن عبر القرون في تبخيس الإنسان والحط من قيمته. وعبر هذا النفق المظلم جرى هدر العقل والتفكير والوعي. الثقافة الموروثة، المرتبطة بالنماذج القديمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تلهم وتوجه الحياة الاجتماعية، تعتمد الإكراه بدل الإقناع، وتقدم النقل على العقل،  تصادر حرية المثقف وتتبعه للسلطة السياسية وتسخره في خدمتها. وعلى هذا المنوال يجري تنظيم وإدارة العملية التعليمية في المدرسة والجامعة؛ فغدت رسالة التعليم تنحصر في إعادة إنتاج التخلف والمحافظة. واتسعت بصورة متواترة منذ فجر النهضة التحديثية في العالم العربي الهوة ما بين المجتمعات العربية والمجتمعات المتقدمة في الغرب. "من الواضح ان ثقافة الاستبداد وما تنطوي عليه من قهر وقمع ، تعمل على إعادة إنتاج الشخصية المستبدة التي تجيد ممارسة علاقات السيطرة والخضوع بإتقان بين القائمين على السلطات الإدارية بمستوياتها المختلفة ، وفي صفوف المعلمين أيضا.. ولذلك نجد كل فرد من العاملين في المدرسة يمارس دور القامع والمقموع معا"(6/62)

في كتابه " السلطوية في التربية العربية " يستند الدكتور يزيد عيسى السورطي  إلى مراجع تخص 440 باحثا تربويا من العرب تضمنت الانتقادات بل الإدانات للنظام التربوي العربي. وبعض الكتابات يعود إلى سبعينات القرن الماضي . فلماذا الإصرار على تنكب الدرب الصعب والمفلس إلا إذا كان ذلك نهجا سياسيا ؟

من سمات الثقافة العربية تركيزها على القول بدل الفعل. وقد أطلق الخبير التربوي الدكتور السورطي على هذه السمة مفهوم " اللفظية" نقيض التجريبية أو العملية. واللفظية في الثقافة العربية ذات بعد سياسي؛ فقد تعهدتها الأنظمة القمعية والحركات السلفية، بعد الانتدابات الامبريالية. "وما اللفظية والشعاراتية إلا صورتان لشيء واحد تقريبا، ولذلك يمكن القول أن اعتماد السياسة العربية في كثير من الأحيان على الشعاراتية الزائفة أسهم في إيجاد اللفظية القهرية في التربية العربية"(1/154)

وسمة أخرى لثقافة التخلف تتجلى في ضعف قيمة الزمن. ونقل الباحث عن الدكتور سعيد إسماعيل علي قوله " الوحدة الزمنية في المجتمع الصناعي هي الثانية، وفي مجتمعاتنا  المتخلفة الزمن يقاس بالمواسم؛ لذلك نجد الوقت قليل الأهمية يهدر في جلسات وسهرات وأمسيات تهيمن عليها الثرثرة"(5) .

من طبيعة أنظمة التسلط أنها تقدم الولاء على الإنجاز. الاستبداد السياسي (محليا أو واقع احتلال) يرعى استبداد الأصوليات واستبداد العصبيات. وما بين أنماط الاستبداد الثلاثة تحالف وتبادل ادوار. كلها تقدم الولاء على الإنجاز وتهدر الفكر والوعي والطاقات وترعى اللفظية في التعليم المدرسي والجامعي والتعامل السياسي. النظام القائم على الاستبداد يهدر الفكر والإرادة والوعي، ويهدر بالنتيجة المصير الاجتماعي وينشر ذهنية القطيع. ورغم التناقضات الظاهرية فيما بينها فإن التحالف متين ودائم بين الاستبداد والعصبيات ( العشائرية والطائفية والعرقية) والسلفيات الأصولية. وهذا ما يجري تغييبه وطمسه. "الاستبداد والطغيان يهدران حصانة المجتمع والوطن لمصلحة حصانة السلطة المطلقة. ولذلك فكلما زادت أجهزة الأمن قل الأمن الاجتماعي. لا يمكن لاستبداد أن يحكم سيطرته، ولا يمكن لعصبيات أن تستفحل وتستنزف قوى المجتمع وموارده ومؤسساته إلا من خلال هدر الفكر والوعي والطاقات " (2/163). وحيث يجري التركيز على الولاء بدل الإنجاز تتدهور قيمة المعرفة والخبرة والمهارات الإنتاجية والعملية ويمتهن الفكر.  "في الجانب المعرفي تعطى الأهمية الكبرى للهدف الأدنى وهو الحفظ أو التذكر؛ أما مستويات الفهم والتطبيق والتحليل والتركيب والتقويم فلا يتم التركيز عليها كثيرا(1/146). ولا عجب أن تخضع المدرسة والجامعة في مجتمعات التسلط والطغيان للأجهزة الأمنية ويتخذ التعليم أسلوب النظام البنكي، حسب تعبير باولو فريري، الخبير التربوي من أمريكا اللاتينية ، بمعني إيداع المعلومات في ذهن الطالب عن طريق التلقين كي تستعاد على ورقة الامتحان ثم تسقط من الذاكرة ولا تدخل في التركيبة الثقافية للمتعلم . "الفكر بما هو نتاج التفكير، يخدم غاية كبرى في سيطرة العقل على العالم وظواهره ، وبالتالي سيطرة الإنسان على ذاته وواقعه، وصولا إلى صناعة مصيره . يقود هدر الفكر إلى فقدان السيطرة ، وإفلات زمام تسيير الحاضر واستشراف المستقبل وصناعته. وبالتالي هدر الكيان الإنساني ذاته من خلال رده إلى مستوى النشاط العصبي النباتي ، وإشباع حاجات البقاء البيولوجي. ... يعطل استخدام الدماغ"(2/167). بدل ترشيد العقل وتنشيط فاعليته تنشط الانفعالية ويوجه الارتجال سلوك الأفراد؛ وتكون النتيجة الحتمية هي الفشل الذي يولد التوترات والنزق والارتباك. وظاهرة غياب التفكير الاستراتيجي والتخطيط والتنظيم والمراجعة النقدية في مجتمعات العرب هي من نتائج هدر الفكر والوعي والطاقات .

ويعري الدكتور مصطفى حجازي واقع الاعتلال النفسي قي المجتمعات العربية في ظل  تفويت فرصة النماء والإثراء المعرفي والكياني، ويحمل عملية التعليم مسئولية الضياع. "نجد أساليب التعليم التلقينية الفوقية التي تحمل معلومات تقدم على أنها يقينية ما على التلميذ سوى تلقيها من موقع سلبي فاتر وخاضع، تنعكس سلبا على تفتح كيانه النامي وتعيق صحته النفسية النمائية. ذلك أن الطريقة والموقع المفروضان عليه يضعانه في مكانة الخاضع التابع العاجز والفاقد للثقة بالنفس والقدرات وإمكانات العطاء والمبادرة"(4/242). "التعليم التلقيني والوجبات التعليمية الجاهزة تؤدي إلى الخصاء الذهني" (4/305)
وكذلك الفلسفة والحياة الاقتصادية والسيطرة الكولنيالية تضافرت في ترسيخ النهج التربوي السائد. الفلسفة الدارجة هي البراغماتية( الذرائعية) وتركز على النتيجة المباشرة وتغفل الوسيلة والمبدئية والعواقب السلبية على المدى البعيد وما يستتبعهما من معارف علمية وخبرات عملية.  

ربما يرد البعض بأن النقد السلبي للعملية التعليمية يجافي الموضوعية؛ إذ يركز على الجانب السلبي ويخفى بعض المزايا. غير أن جوهر القضية يتمثل في خطر تكريس التخلف والعجز بوجه التحديات. التعليم إما أن يحفز إلى العمل أو يغري بالقعود، إما أن يعزز المناعة الوطنية أو يهدرها، إما أن يكرس التشرذم والتمزق الاجتماعيين أو يمتن أواصر الوحدة الوطنية، إما أن يحفز للتغيير او يغري بالمحافظة. وبصورة عيانية تكمن الخطورة في الانكشاف أمام  العواصف الاقتلاعية للعولمة، التي تتجلى في الواقع الفلسطيني نهج الاقتلاع والتدمير الكياني الذي يتبعه الاحتلال على الأرض الفلسطينية مدعوما بسياسات التغاضي والتبرير من جانب دول الغرب المقررة للسياسات الدولية. المجتمع الفلسطيني والقضية الفلسطينية ينزلقان نحو هاوية فاغرة فاها. وفي مثل هذا الحال البائس لا يبقى الأمر موازنة بين الإيجابيات والسلبيات، ولا هو قرار قضائي ينتظر الاستئناف أو تخفيف الحكم.

وتتجلي الخطورة الرهيبة على الكيانات العربية مع الإصرار على الاسترسال في نهج التجهيل والتزوير وتبخيس الجمهور في ظروف العولمة. ذلك أن عواصف العولمة تنزع لطمس الكيانات القومية وقولبة الثقافة حسب النموذج الأمريكي باعتبار الولايات المتحدة الأمريكية القوة الموجهة للعولمة لأنها تنتج النسبة الأعلى من العلم والابتكارات التقانية .

والعلاقة جدلية بين الاقتدار المعرفي والاقتدار السياسي والعسكري.  "العولمة تدفع باتجاه تفكيك عرى الانتماء الثقافي الاجتماعي وتجاوز المرجعيات الوطنية التقليدية واستبدالها بالمواطن العالمي ذي المرجعيات "الكونية" (تقرأ الأمريكية). وقد تحمل في طياتها إمكانيات الضياع والعزلة والانقطاع عن التاريخ والحيز الجغرافي اللذين يشكلان إطار الهوية الشخصية... وكما أن الانغلاق المفرط على الذات يشكل تقوقعا يهدد بالجمود والعزلة وتعطل النمو، كذلك فإن الإفراط في الانفتاح بدون نواة من هوية ثقافية مجتمعية وطنية تشكل المرجعية والانتماء والحصانة يعرض صاحبه للذوبان والتلاشي" (4/ 285).

وحملت العولمة مخاطر أخرى على التربية تمثلت في تسليع التربية. تتميز الثورة العلمية الراهنة بالالتحام المباشر للعلم مع الإنتاج، وتعتمد صناعاتها على الذرة، الالكترونيك ، الكمبيوتر ، الأتمتة العصرية، الليزر ، علم البصريات ، الاتصالات والمعلومات ، الهندسة الوراثية ، الإنسان الآلي ، وكل العلوم التي أنجزها العقل البشري، وكل التكنولوجيات الجديدة التي تنمى القدرة العقلية للإنسان، وتنمي بموازاة ذلك الأخلاق والقيم الإنسانية الرفيعة . نجد أن الثورة العلمية التقنية لا يمكن أن يوجد فيها العامل المناسب إلا باستيعاب قدر هائل من العلم يكتسب بالتعليم والثقافة والتدريب.

  مقابل هذه الضرورة وعلى الضد منها راجت دعوة العولمة والليبرالية الاقتصادية لتقليص خدمات الدولة، ما أسفر عن تقليص نفقات التعليم وانتشار المدارس الخصوصية والجامعات الأهلية. بات التعليم الرسمي الحكومي المجاني متدني القيمة في نظر المرتبطين بثقافة العولمة وأنشطتها الاقتصادية؛ وأخذ يشيع تعليم خاص بمصروفات تفوق قدرة الإنسان العادي إلى جانب تعليم خاص باللغات الأجنبية ووجود مدارس خاصة أجنبية وأنواع من التعليم تماثل التعليم في إنجلترا وفرنسا وأمريكا وألمانيا ، إلى جانب وجود تعليم خاص استثماري. والمعيار الوحيد للالتحاق به هو القدرة المالية، وليس القدرة على استيعاب العلم.... ووصل الأمر حد وجود جامعات خاصة استثمارية ومعاهد عليا خاصة ، والمقاييس للقبول بها هو القدرة المالية العالية وليس القدرة على مواصلة التعليم.

تمخضت الظاهرة عن اتجاهين نقيضين: تدني مستوى التعليم لدرجة بوار الشهادة الجامعية. ومن جهة مقابلة ارتفاع تكاليف التعليم في جامعات أخرى بذريعة الإعداد الجيد للناشئة، بحيث باتت احتكارا للنخبة من أبناء الأثرياء. أسفرت خصخصة التعليم عن ارتفاع تكاليفه بما يفوق قدرات الطبقات الفقيرة، ما يفضي مع مرور بضع سنين إلى أن يحتكر سلالات النخب الاقتصادية ليس التعليم العالي وحسب، بل وكذلك الامتيازات والمناصب البيروقراطية والمكاسب. علاوة على أن تحول التعليم والإعلام إلى مشاريع استثمارية ذات رأسمال مرتفع وعالي العضوية، قد ربط مصالحها وبالتالي توجهاتها بالرأسمالية التابعة. انحياز طبقي ملتزم باستراتيجية الليبرالية الجديدة.

والمخاطر أفدح إذا ما تواصل النهج الراهن. "تؤدي العولمة إلى هدر الكفاءات والطاقات لسببين يفاقمان من هذه الحالة: اتساع التحولات في التكنولوجيا المتقدمة مما يجعل الكثير من المهن عرضة للزوال، حيث تراكم الخبرة لا يشكل ضمانا لاستمرار العمل بالضرورة، مع بروز تقنيات جديدة في المجال نفسه مقطوعة الصلة تماما بالتقنيات السابقة عليها . ويذهب بعض الخبراء إلى أن 75% من السلع المتداولة حاليا مما يرتبط بتكنولوجيا المعلومات والإليكترونيات الدقيقة لم تكن معروفة قبل عقدين من الزمن، كما أن نصف المهن المستقبلية لا نعرف عنها حاليا شيئا. لقد ولى عهد المسار الوظيفي المستقر ذو البداية والمنتهى".(2/224)

في هذه المرحلة المحفوفة بمختلف المخاطر والاحتمالات، وأمام التحديات الجسام تبرز أهمية ودور التربية  ـ والإعلام بطبيعته منتج التربيةـ  في تحديد المصير الوطني بين الديمقراطية والاستبداد، وبين التقدم والمحافظة، بين تكريس التربية لغايات الهدر او تكريسها كاستثمار في الأجيال، تدريبهم وزيادة قدراتهم الإنتاجية وصولا لتنمية الموارد الوطنية وتحقيق القدرة الاقتصادية وقدرات التحدي. ضمن هذه الوظيفة الاجتماعية يمكن لرسالة التربية والإعلام أن تصب في التنمية الإنسانية، حيث تعبئ القدرات والمصادر المادية والمعرفية لتطوير الشباب والشابات، باعتبارهم أعظم ثروة وطنية،  تبدع وتنجز التنمية المادية، فتعزز بالتالي قدرة المجتمع المادية والروحية. العلاقة جدلية بين التعليم ونمط الحياة وحالة بنية المجتمع؛ وفي حال إدماج التربية في التنمية الاجتماعية، وتوجيه العملية التعليمية وفق مقتضيات بناء المجتمع الحديث يتحقق التقدم الاجتماعي بمنطوياته التحررية والديمقراطية والتنموية.

إن توظيف التربية لأغراض التنمية تدخلها عاملا أساسيا في عملية التقدم الاجتماعي، حيث يرتبط بعلاقة عضوية جدلية مع مهمات تنشيط المجتمع المدني واحترام حقوق الإنسان بتعزيز قيم المواطنة وترسيخ سيادة القانون وتصفية العصبية، أيا كانت عرقية أو طائفية أو عشائرية ، باعتبارها تخل بحقوق المواطنة وامن الإنسان وانتمائه لكل أفراد المجتمع. وهذا يحل عملية التعليم مكانة محورية في السياسة والاهتمام الاجتماعي.

وعلى فصائل التغيير التقدمي أن تعي أهمية التعليم ودوره المحوري في التغيير الاجتماعي. التعليم والتربية، في المدرسة او من خلال الإعلام والثقافة، ينجزا ن التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، وينشئان أجيالا من البناة الحقيقيين لأوطانهم.

1ـ د. يزيد عيسى السورطي:السلطوية في العملية التربوية/ عالم المعرفة 362ـ إبريل 2009
2ـ د. مصطفى حجازي: الإنسان المهدور، معهد الإنماء العربي، ط2، 2006
3 ـ د. هشام شرابي: مقدمات لدراسة المجتمع العربي
4ـ  د. مصطفى حجازي: الصحة النفسية، المركز الثقافي العربي،ط3، بيروت 2006
5- سعيد إسماعيل علي: نظرات في الفكر التربوي، القاهرة مركز ابن خلدون 1992

6ـ د.كمال نجيب ـ كلية التربية جامعة الاسكندرية: ثقافة الاستبداد في المدارس المصربة، مجلةاليسار الجديد ، عدد 76، شتاء 2005

7ـ د. شبل بدران: التعليم ومكانة حقوق الإنسان، الدور الوطني للتعليم، التعليم والعدالة الغائبة ،  المصدر السابق

9/2/2010