ثلاثة أسباب تجعل واشنطن تضبط نفسها إزاء أحداث سوريا

2011-05-01

ثلاثة أسباب تجعل واشنطن تضبط نفسها إزاء أحداث سوريا

ترجمة عكا - لا يقف العالم ساكتاً أمام ما يحدث في سوريا, ولكن لا فائدة من المبالغة الزائدة, فالعالم يتحدث ويعبر عن اشمئزاز عام من سلوك الأسد، لكنه حريص جداً على البقاء في مستوى الإدانات غير الرسمية, وتجنب الدعوة إلى عمل هجومي.

وأشارت صحيفة معاريف في تحليل مطول حول هذه القضية إلى أن صناع القرار في أوروبا والولايات المتحدة كرروا مرارا وتكرارا رسالة واحدة, بأن التدخل العسكري في سوريا ليس على جدول الأعمال, وهم يقولون ذلك حقيقة, لا مجرد التفكير في ذلك، ويحاولون بذلك إحباط ومنع أي وجهة نظر سياسية محتملة قد تدفع باتجاه مثل هذا العمل.
إذاً لماذا لا يقوم المبادرون إلى العملية العسكرية في ليبيا بالتدخل في سوريا؟.

1- لأنهم لا يعرفون من سينتصر: وهذا أمر حاسم, فعندما بدأت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تدخلها في ليبيا كان هناك شعور بأن أيام القذافي معدودة, وكان واضحاً أيضاً, وجود قوة مسلحة وواسعة للثوار الذين سيطروا على أجزاء من البلاد, سواء ليبيا, ومصر أيضاً, كما في الواقع حصلت تحالفات قوية, قررت إسقاط النظام, لقد كان يدور الحديث في مصر عن ظاهرة جماهيرية إجماعية، بالرغبة في إسقاط مبارك, التحق الجيش بها, بعد أن قرر في مرحلة مبكرة عدم التدخل لحماية الرئيس.

ومن اللحظة التي كان واضحاً فيها بأن النظام المصري لن يقمع الإحتجاجات بالقوة, بل ومن المشكوك فيه إذا كان ذلك ممكنا, لم يتبق للنظام أي خيار فعال.

الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، فهموا بأن مبارك ضعيف ومنتهي من البداية, وكان واجباً عليهم إيجاد حصن أخرى جديدة ولكن مسنين ومرضى بشكل أقل, وقد كان هذا قراراً واقعياً جداً ونبع من ضرورة الظروف, وهي الفهم بأن مبارك يوشك على السقوط, أما في ليبيا, فكان الإعتبار مختلف قليلاً, فلم يكن هناك قناعة بأن القذافي منتهي, إلا أن التوافق الدولي كان بوجود قوة كبيرة تقف ضده، يمكن في ظروف معينة أن تطيح به, وأن التوافق الذي لا يقل أهمية هو أن ليبيا، تلك الدولة التي تحالفت مع الغرب، لن تستطيع بعد القيام بأعمال تجارية معه طالما القذافي الذي تحول إلى نذل هو قائدها.

القصة السورية، كما يمكن أن نراها بوضوح، مختلفة جدا, فلا توجد معارضة واضحة داخل البلد, ولا توجد قوة عسكرية تقف ضد الرئيس، وعلى أي حال حافظ الجيش على إخلاصه للرئيس وكذلك قوات الأمن الأخرى, وبحسب تقديرات واشنطن, فإن الحديث يدور عن مظاهرات غير شاملة لمعظم أجزاء المجتمع السوري، الذي ينتظر النتائج بخوف, ووضع الأمور هذا ما يزال يمكن أن يؤدي إلى تدخل، ولكن ليس كالقصة الليبية.

2- لأنهم يعانون من ظاهرة "الحرب الخاطئة": عندما سافر أريئيل شارون إلى واشنطن عشية حرب العراق الثانية، حذر الرئيس بوش, وهكذا أيضاً قال له رجاله، بأنه على وشك, "خوض حرب خاطئة", وقد قصد شارون بذلك, أن تركز الولايات المتحدة جهودها في إيران وليس في العراق, إلا أن بوش تجاهل ذلك بلطف, ولم يكن شارون في موقف إصرار، وبالطبع فإن الحرب في العراق هي أحد الأسباب الرئيسية بأن الولايات المتحدة تتجنب ضربة عسكرية في إيران، النظرة المقبولة هي, بأنه لا يوجد للإدارة الأمريكية دعم جمهوري, ومجال عسكري أو موارد مالية للمخاطرة في حرب إضافية في الشرق الأوسط.

هذه هي مفارقة العمل المبكر أو "الحرب الخاطئة", نفس المبادئ التي تؤدي إلى تدخل دولي قد  تعاني أيضا من تجاهل تام إذا ما حدثت حالة مماثلة- ليس بسبب تغيير واسع في الظروف, أو خلل في المبادئ, وإنما بسبب تناقض حقيقي, زمنياً: حقيقة وجود تدخل دولي حالياً, وحقيقة أن الغرب الآن ملتزم بتطور الأحداث في ليبيا, تقلص نافذة فرص العمل بشكل دراماتيكي في سوريا, إنها قضية سياسية, والجمهور الأوربي والأمريكي لا يريد حقاً منح الائتمان لسلسلة حروب في الشرق الأوسط, وكذلك مسألة فنية تتعلق بالموارد, بل أكثر من ذلك، وهذه هي المفارقة، هذه هي الحالة النفسية التي يشعر بها متخذي القرارات, الذين أصبحوا يشعرون بأنهم غارقون في مكان واحد, ويجدون صعوبة في الإلتزام بمزيد من المتاعب.

3- إنهم لا يعرفون ماذا يمكن أن يستفيدوا من تغيير النظام في سوريا: وهم على أي حال لا يعرفون كيفية المساعدة في سوريا, ولكن في حالة مصر فلم يكن لديها مفر, وأنه على أي حال سيتم تغير مبارك, فهو مريض بالسرطان ومتقدمٌ جداً بالسن, ولم يسأل الغرب نفسه ماذا سيكسب من تغيير النظام المصري, بسبب أن ذلك لم يكن متعلقاً به, بل الشارع المصري هو الذي أملى التطورات, أما في ليبيا فمن الواضح جداً, أن النظام الجديد سوف يكون متعلقاً جداً بأوربا وأمريكا, ومع أخذ احتياطي النفط الليبي بعين الإعتبار، فإن تغير نظام قد يضمن حصة محترمة, أكثر من تلك: حيث أن القذافي, وبأم يديه, حول نفسه لحاكم غير شرعي تماما للقيام بعقد صفقات وأعمال, وأن قراره بقمع المتظاهرين والثوار بوحشية, حولته مباشرة إلى شخصية منبوذة, واحتياطي الطاقة لديه في الواقع، غير قابل للاستخدام بالنسبة للغرب, حتى وإن انتصر, فلن يقوم أي رئيس أمريكي بالتوقيع مع القذافي على اتفاقيات تعاون، ولن يستطيع أي وزراء بريطاني أن يسمح لنفسه بمنح العفو عن حاكم ليبيا, تغيير النظام في ليبيا هو أمر ضروري.

هناك في سورية أيضا, يوجد ما يمكن كسبه من تغيير النظام, في المقام الأول إضعاف المحور الإيراني, ولكن ما يميل إليه المسؤولين الإسرائيليين هو التجاهل المتعمد لما يحدث من تعاون هادئ وناجع بين سوريا والولايات المتحدة بشأن المصالح في العراق، حيث أن المسألة الحاسمة للإدارة الأمريكية هي سحب قواتها العسكرية من هناك, وإذا أردنا الحكم على ردة الفعل الأمريكية المترددة, فإن النظام السوري كان على ما يبدو فعالاً جداً في عدة مفاهيم بالنسبة لهم, وبينما في الحالة المصرية قد حدث التغيير على أي حال فإن الأميركيين حاولوا يائسين ركوب الموجة, والتغيير في الحالة الليبية ضروري, أما الحالة السورية في معقدة ومركبة بشكل أكبر, هناك ما يمكن كسبه, ولكن يوجد أيضاً ما يُخسر, وعلى رأس ذلك استقرار معين وهش من شواطئ لبنان حتى العراق.

1/5/2011