تحقيق: المصريون يريدون الحياة، فماذا يريد الإسلاميون؟

2011-05-10

تحقيق: المصريون يريدون الحياة، فماذا يريد الإسلاميون؟

مثقفون مصريون يقيمون فرص التيار الإسلامي في الوصول إلى السلطة ويرسمون تصوراتهم لملامح مستقبل البلاد تحت حكم الإسلاميين.

القاهرة – ميدل ايست اونلاين - في ظل الجزر المنعزلة والتخبط وعدم الاستقرار في الرؤى والأفكار بين نخبة المستنيرين من الكتاب والمثقفين والأكاديميين ومختلف شرائح المجتمع المصري، توجد تكتلات واضحة لجماعات التيارات الدينية ـ الإخوان المسلمين والسلفيين وغيرهما ـ تتجلى في قدرتها التنظيمية ووضوح أفكارها ورؤاها ومن ثم أهدافها، وحرصت منذ انطلاق ثورة 25 يناير ألا تكشف عما تبيته من نوايا وإن أفلتت من بعض مسؤوليها جمل وعبارات جاءت بمثابة بالون اختبار للرأي العام المصري، وحين رفضت تم التراجع عنها مثل تصريح الحكم الإسلامي الذي تحول إلى دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، ثم إنشاء أحزاب والانخراط في العمل المدني.

إن أخطر ما تملكه تلك الجماعات هي تلك المساحات الواسعة على الأرض، عبر تواجدها في كافة شؤون المواطن المصري البسيط، أطباؤها يعملون في مستوصفات بأسعار رمزية، ومدرسوها يجمعون طلاب مختلف المراحل التعليمية في مراكز ـ تحت مسمى مجموعات تقوية ـ ويعطونهم دروساً خصوصية بثمن بخس، يحتضنون البسطاء وينفقون على الأيتام والأرامل والفقراء عبر رواتب شهرية وتخفيضات كبيرة في محالهم ومتاجرهم ومدارسهم ومستوصفاتهم...إلخ، وهكذا في كل نشاطات الحياة وفعالياتها، هم موجودون بالقرب من أفراد المجتمع.

وهنا يكمن الخطر، إذ يتبنى قطاع عريض من المصريين خاصة غير القادرين والضعاف والعاطلين والنساء والفتيات خطابهم الديني مهما كان تشدده أو تزمته.

بالطبع هذه الجماعات كسبت هذه الأرض الواسعة بفضل حكم ديكتاتوري لصوصي أداره بحنكة الرئيس المخلوع حسني مبارك مع زمرة من اللصوص المحترفين، سلب ونهب ثروات وقدرات وحيوات، وهمش وأقصى المجتمع المدني والأحزاب الشرعية المدنية، ودفع الناس للارتماء في أحضان تلك الجماعات يعني أحضان التشدد والتعصب والعنف.

والسؤال الآن الذي نراه سؤالاً مستقبلياً مهماً: هل يستولي السلفيون والإخوان وغيرها من جماعات التيار الديني على السلطة رئاسة ومجلسي الشعب والشوري وتشكيل الحكومة؟ وماذا سيكون شكل مصر في حال حكمهم؟
طرح هذا السؤال لم يكن فكرة أو خاطراً، ولكن جاء نتيجة استفزاز بعض الكتاب وخاصة من الشباب في الصحف المصرية يرون أن حكم السلفيين والإخوان أرحم من حكم صفوت الشريف وزكريا عزمي، وكأن مصر مكتوب عليها إما أن تصبح تحت حكم ووصاية الذقون المتشددة والمتعصبة والجاهلة أو تحت حكم وقمع وديكتاتورية اللصوص والنهابين؟ من قال هذا؟
إن طرحاً للتخيير بين حكم السلفيين والإخوان ومبارك وزمرته، أمر مفزع وخطير ـ عن شخصي لا يمكن أن أحتمله ـ فهو يحمل انتقاصاً من مصر والمصريين ويسعى إلى تخريب متعمد للفكر.

على أية حال طرح السؤال على أفكار ورؤى مختلفة لكتاب ومثقفين وجاء التالي:
المحلل السياسي محمد الشاذلي بجريدة الأهرام رأى أن التوجه المدني له أطياف واسعة والتوجه الديني في العمل السياسي له طيف واحد، وقال "وربما تكون هذه هي المعضلة الحقيقية في كل التصورات المطروحة عن وحول غلبة "جماعات" التيارات الدينية علي المشهد السياسي، فهم كل في واحد، بينما الآخرون واحد في كل، ما يعطي فكرة عن تشرذم وتشظٍ".

ولا يعتبر الشاذلي أن التيارات غير الدينية متشرذمة "لأن كل تيار يعبر عن نفسه ويعطي إشارات، وبالتالي نتائج ـ فيما بعد وعن طريق صناديق الاقتراع ـ عن قوته الحقيقة وظله في الشارع. هذه التيارات المدنية غير متخبطة أيضا وكل المطلوب منها في تصوري هو العمل علي تقوية موقفها الفكري وتشجيع الانضمام إليها ومحاولة تقديم نفسها لرأي عام جديد ويقظ وبشكل جاذب".

الخطر الحقيقي في رأي الشاذلي يتمثل "في قدرة التيارات الدينية علي فعل كل ذلك من جهة الجاذبية وفن الطرح على الجمهور واستغلال حالة التدين لدي القطاع الأوسع من الشعب المصري، تستطيع التيارات والأحزاب المدنية القديمة والجديدة (تحت التأسيس) أن تتجمع لتشكل تحالفا يكون بوسعه خوض الانتخابات التشريعية، ولكن هذه قد تكون وصفة مضمونة للاستنفار من الجانب الآخر، حيث ستبدو المعركة وكأنها بين الإسلام والتحالف، وإذا ما جرت المعركة الانتخابية علي هذا الأساس ستفوز الأحزاب ذات الخلفية الدينية. ولذلك فإن الأحزاب المدنية سيكون عليها خوض معركة شرسة وبعضها سيخوض معركة غير متكافئة للحصول مجتمعين علي نصف مقاعد البرلمان علي أقصي تقدير ثم تبدأ لعبة التحالفات. لأنني لا أظن أنه في هذه المرحلة سوف يستولي السلفيون والإخوان وغيرها من جماعات التيار الديني على السلطة، ولكنهم سيكونون الكتلة المؤثرة في الرئاسة ومجالس الشعب والشوري والوزراء ولن يمر قانون من دون بصماتهم وستكون لهم كلمة مسموعة في كل أمر".

وحسب تصريحات عدة لقادة التيارات الدينية النشطة أكد الشاذلي "أنهم براغماتيون وسوف يستطيعون التعامل مع كافة التيارات الأخرى ولن يسعوا إلي صدام أو يعطون أحدا الفرصة لتشويههم في تجربتهم الأولي. وأعتقد أن البعض قد يظن أن المسألة ستكون مناصفة في مجلس الشعب بين التيارين المدني والديني من واقع فكرة نصف البرلمان لكل تيار، لأن النصف الديني سيكون غير منقسم أو يشكل توجهات شتي بحكم التكوين، بينما العكس صحيح في الأحزاب المدنية بحكم التوجهات الفكرية. فإذا ما كنا أمام نصف أو أقل من نصف برلمان موحد حتى لو لم تشكل أغلبية مطلقة فهي ستكون التكتل المنظم وبالتالي المتحكم أو المعطل أو الداعم لكل تشريع أو موقف سياسي، اقتصادي، واجتماعي، أما الاستيلاء والاستفراد بالسلطة المطلقة في مصر فأظن أنه مؤجل في هذه المرحلة كما قالوا وأنا أصدقهم".
ويشكل الأمر بالنسبة للناقد السينمائي أمير العمري خشية حقيقية من وصول هذه التيارات والجماعات التي تخلط الدين بالسياسة، وقال لعبة شديدة الخطورة، للسلطة سواء بتحقيق الأغلبية البرلمانية أو غير ذلك.

ومرجع ذلك إلى "أن هذه الجماعات والتيارات تتوجه دائما للناس بخطاب بسيط يعتمد على الجانب الأخلاقي والجانب المتعمق بالعقيدة الدينية، وهو موضوع له حساسيته ففي مجال المنافسة السياسية في الشارع لا يستطيع منافسو التيار الديني مقارعتهم لأنهم يدخلون الله دائما في بياناتهم وحملاتهم، فمن يقف ضدهم سيبدو للبسطاء من أبناء الشعب المصري كما لو كانوا ضد اله نفسه. وهذه هي النقطة التي يجيد هؤلاء اللعب عليها واستغلالها باستمرار. والمخاوف أيضا تنبع من حقيقة أن هذه التيارات والاتجاهات هي في قرارة نفسها ضد الديمقراطية باعتبارها اختراعا غربيا لا وجود له في الإسلام كما يتصورون، والدليل على كلامي هذا الخلافات الشديدة القائمة بين مختلف التيارات الدينية في مصر والعالم الإسلامي حول هذه النقطة تحديداً ولعلنا شهدنا أحداً".

وأضاف العمري "الزعماء السلفيين يقول إنهم ضد المظاهرات والثورة على الحاكم لأن هذا لا وجود له لدى السلف الصالح! الأمر الأخطر أن هؤلاء يتحدثون كثيرا اليوم عن العمل السياسي من خلال أحزاب على مرجعية دينية، وأنا أرى في هذا نوعا من الاحتيال الرشيق على فكرة منع قيام أحزاب على أساس ديني، فما الفرق بين (حزب ذو مرجعية دينية) وحزب على أساس ديني".

وأحزاب الجماعات الدينية من رأي العمري مجرد تلاعب بالألفاظ، يهدف في النهاية إلى الوصول إلى مكان في المؤسسة الحاكمة أو المنظومة التي تدير البلاد بحيث تتاح لهم الفرصة لتحويل الرأي العام بأسره تجاههم سواء بالترعيب أو بالترغيب. ويبدأون في وضع شروطهم للمشاركة مثلا في حكومة ائتلافية "فرض أشكال رقابة صارمة ذات طابع أخلاقي متزمت مثلا على الفنون والآداب وهو ما يمكن ن يعود بمصر الى القرون الوسطى".

الخوف الأكبر لدى العمري يتمثل في "أنهم في حالة وصولهم للسطة غالباً سيقومون بإلغاء الحزبية تحت زعم أن الإسلام ليس فيه سوى حزبان حزب الله وحزب الشيطان، ثم السيطرة الفردية المطلقة على الحكم وإقامة الدولة الدينية التي يعلنون ليلاً ونهاراً الآن، عملاً بمبدأ التقية، أنهم لا يسعون إلى تحقيقها، وأن دولة الرسول لم تكن دينية، ولكنه تكتيك معروف، ومفهوم بل وقد صرح أحد قيادات الإخوان المسلمين بأنهم سينتظرون أولا إلى أن يتم تحرير الأرض أو الاستيلاء عل الأرض قبل أن يعلنوا الدولة الدينية.. أي أن الهدف المرحلي الحصول على نسبة عالية في المشاركة السياسية بحيث تصبح لهم الغلبة على الناس، فيفرضون عليهم مشروعهم، وبصراحة شديدة أنا شخصيا لا أجد أي فرق بين الاخوان والسفليين وتيار حزب الوسط وحزب الحرية والعدالة وغير ذلك فكلها نبعت من نبع واحد، ومن مبدأ واحد، وتعتمد على نفس لمراجع ونفس المنهج".

ولا يستطيع الروائي ياسر عبد اللطيف أن يتخيل سيناريو لمصر في حال وصول الإسلاميين إلى الحكم. لكنه جزم "أنهم لن يصلوا للسلطة إلا على دبابات الجيش بمعنى أن المجلس العسكري قد يستخدمهم لتقويض كل أشكال القوى الثورية الديموقراطية مع وعود منه بتمكينهم ولو جزئياً من السلطة".

وقال عبد اللطيف عن تصوره لواقع هذه التيارات الإسلامية "الاخوان يبالغون كثيرا في تقديرهم لحجم وجودهم، وفي طموحاتهم السياسية، فنسمع أحد قيادات الجماعة يقول: طموحنا هو أن نحكم العالم، بينما سقف طموحهم الفعلي هو أن يحصلوا على الشرعية من النظام البائد أو أي نظام شبيه له ليكونوا معارضة رسمية في البرلمان، وتشهد الجبهة الداخلية للإخوان انقسامات عديدة بين أجيال الشباب والحرس القديم، وبين القيادات الريفية والمدنية".

وأكد أن السلفيين أبعد ما يكونون عن فكرة جماعة متحدة، "بل هم عدة جماعات متفرقة تجمعها خطوط عريضة، وقد استغل بعضهم من قبل النظام البائد وحلفائه في السعودية، لإشاعة حالة الرعب من المستقبل الخالي من نظام مبارك وبتوظيف ممنهج للصحافة المخترقة من قبل كل أعداء الثورة".
وفي تأملها للأحدث منذ يوم التنحي حتى أحداث إمبابة أخيراً تجد الشاعرة علية عبد السلام "أن تقاعس وتواطؤ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع حكومة تسيير الأعمال حيال الفراغ الأمني الذي خلفته أحداث الثورة، مسببا رئيسي للعنف بكل ألوانه بلطجة أو طائفي".

وتساءل لصالح من؟ وتلفت إلى أمر أخر أيضاً وهو "سوء تقدير الدور الإعلامي الذي تلعبه كل وسائل الإعلام من إذاعة وتليفزيون وفضائيات وجرائد، حيث لم يتم تطهيره بشكل فوري ليخدم مبادئ الثورة بل أتى بعبود الزمر الذي هو قاتل، وصوره لنا بطلا وصنع من سلفيين لا يحملون إلا العفن ليصيروا نجوم الساعة، يطاردوننا على كل شاشة وفى كل قناة وعلى أوراق الجرائد، تقاعس وتواطؤ يرقى اليوم إلى درجة الجرم في حق شعب مصر الثائرة، إن الجماعات والتيارات الدينية معروف حجم تواجدهم في الشارع المصري قبل التنحي، وكنا جميعا معهم ليبراليين ويساريين ندعم حقهم في العمل السياسي وليس الحظر، أما بعد انتهاء عصر مبارك أرى أن لا فرصة لهم على الإطلاق في الوصول إلى إدارة البلاد ولا حتى تحقيق ما حققوه في انتخابات البرلمان 2005".

وأضافت عبد السلام "لماذا ننسى تحت تهديدات السلفيين وتعهدات الإخوان المسلمين مثلا أن ثورتنا لم تقم من أجل دولة دينية، بل قامت مطالبة بالحقوق والعدالة الاجتماعية وتعبيرا عن السخط على الفساد، كنا شبابا ليبراليين وغير منتمين لحزب أو تيار، ولحقت بنا فيما بعد كل التيارات والجماعات.. إن ما نراه من وجود للتيارات الإسلامية والسلفيين الآن ليس إلا عرض أو شو لإخافة الغرب وإسرائيل ومدبر، كما قلت بتقاعس المجلس العسكري والحكومة لهدف أرجح أن لا يكون إلا ورق ضغط في يدهما للعالم لتحقيق مكاسب لا أعرفها، لكنها لا تخص شعب مصر، أرجو أن لا نعطى التيارات الدينية والجماعات الإسلامية أكبر من حجمها، أدعوك إلى سوق الخضروات حدث بائع الطماطم سيقول لك 'الجيش باعنا' و'تقوله إسلامية يقولك أعوذ بالله'، مرة أخرى إنها تمثيلية لا أصدقها ولا خوف في قلبي من استيلاء الجماعات أو السلفيين على رئاسة مصر أبدا، بل أرى كل يوم يظهر فيه سلفي على شاشة يفقد دعم كان دائما موجود بالقلب في ظل النظام البائد، أما وبعد أن تحررنا فالشعب يريد الحياة".

10/5/2011