محمــد حســنين هـــيكل يكتب للأهرام

2011-05-10

محمــد حســنين هـــيكل يكتب للأهرام

القاهرة – "الاهرام" - عادت الأهرام إلي رائدها مثلما عادت إلي قارئها‏:‏ ففي حوار مطول ومهم أجراه الأهرام مع الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل بعد سنوات طويلة من الفراق طرح الأستاذ هيكل رؤية شاملة لقضايا الشأن المصري والعربي والدولي‏..‏

وبعد ساعات من الحوار الذي أجراه لبيب السباعي رئيس مجلس الإدارة مع الأستاذ هيكل, والذي يبدأ الأهرام بنشره يوم الجمعة المقبل اندلعت أحداث الفتنة الطائفية بصورتها المفزعة.. وقد استشعر الأستاذ هيكل أن القضية بخطورتها لا تحتمل الانتظار فرأي ـ لاعتبارات السرعة ـ أن يرد علي السؤال كتابة وبقلمه في قضية ملحة فرضت نفسها خارج سياق الحوار المهم الذي ينشره الأهرام علي ثلاثة أيام بدءا من الجمعة..

هذه أزمة أكبر من كونها فتنة طائفية
هذه أزمة تفرض علي كل الناس مواجهتها بنزاهة, لأنها في هذه اللحظة أكبر من كونها فتنة طائفية.
في هذه الأزمة بالفعل جانب طائفي له أسبابه التي تأخرنا كثيرا في علاجها, مثلما تأخرنا في علاج مشكلة مياه النيل مع تماثل في أهمية المشكلتين: واحدة تتعلق بحياة البلد, والثانية تتعلق بسلامته, وكلا المشكلتين دخلت مرحلة التعقيد ـ ولا أقول الاستعصاء ـ بسبب عدم الفهم, أو بسبب قلة العزم!!

ولقد تحدث كثيرون في المشكلة الطائفية, وطمأنوا وحللوا واقترحوا, وكانت الفرصة متاحة للنظام السابق مرة تلو الأخري, وضاعت الفرص, كما ضاعت فرص كثيرة سبقتها في نواح أخري.

وكل المشاكل بما فيها المشكلة الطائفية هذه اللحظة يمكن أن تأخذ أبعادا أكثر خطورة, وأبرز الأسباب بوضوح أن هناك التباسا في ممارسة سلطة الدولة, لابد له من حل سريع, لأن سلطة الدولة في أي بلد في الدنيا هي أساس ضبط إيقاع الحركة فيه, وملخص القول هنا يمكن اختزاله في نقطتين:
الأولى: أن درس التاريخ يعلم الجميع أن حالة الفوضي ملازمة بالطبيعة لحالة الثورة في ظروف تغييرات أساسية تجري في أي مجتمع, والذي حدث لأسباب كثيرة أن قوي الثورة في مجتمعنا انصرفت لكي تعطي الفرصة للتغيير, لكن قوي الفوضي اندفعت لكي تستغل فرصة التغيير, ومع وجود شراذم من نظام قديم, وهاربين عمدا من السجون, وعناصر جموح يتعلل بالدين, ومطالب عيش تأخر الوفاء بها, وفساد يتفجر يوميا علي صفحات الجرائد, وموجات الإذاعة وشاشات التليفزيون ـ فإن هناك بالفعل حالة قلق, تحاول أن تبحث عن نقاط ضعف تفلت منها.
وكل ذلك يتدافع في مناخ إقليمي خطر ودموي, وفي مناخ عالمي متحفز ومتوجس.

والثانية: أنه في هذا الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلي ضابط إيقاع ينظم الأداء السياسي فإن السلطة في مصر تواجه معضلة:

القرار هناك في مجلس أعلي للقوات المسلحة ـ موثوق فيه ـ لكنه يدير دون أن يظهر.
وتنفيذ القرار هناك في مجلس وزراء ـ وفيه عديد من الرجال المحترمين ـ لكن هذا المجلس يظهر دون أن يدير.

ثم إن قوي الإجبار في الدولة ـ وهي ركيزة أي استقرار ونظام وحسم ـ معلقة علي بوليس هو حاليا ـ لا يقدر, وعلي قوات مسلحة ـ هي بالحق ـ غير مختصة.

وهنا فإن المجال مفتوح لفراغات كبيرة, وبصراحة فذلك أول ما يجب الوقوف أمامه وعلاجه, ليس للمشكلة الطائفية فقط, ولكن لغيرها كثير, بحيث تبين وتتأكد خطوط السلطة ومصادر ومسارات صنع القرار واحترامه وتنفيذه, وأن تكون الخطوط محددة, خصوصا في مرحلة انتقال - فالانتقال تأسيس لما بعده وليس تأجيلا محولا إلي غد لم تظهر بعد سلطته!!

10/5/2011