بوتقة الكفاح ضد الأبارتهايد والعنصرية (الحلقة الثانية)
وتعرت الصهيونية وكيانها إسرائيل

2016-03-01

بوتقة الكفاح ضد الأبارتهايد والعنصرية

 (الحلقة الثانية)

وتعرت الصهيونية وكيانها إسرائيل

نواصل عرض مقتطفات مترجمة من مقالة الدكتور روبين كيلي، حيث يسرد مراحل تمزق الأقنعة التي تسترت بها الحركة الصهيونية، فيقول: يدعو  للسخرية أن منظمات يمينية يدعمها إيباك، المنظمات المسيحية الصهيونية ومسيحيون متحدون من أجل إسرائيل دأبت على تجنيد الطلبة السود والقادة الدينيين والهيئات المنتخبة لكي يشكلوا درعا يحمي نهج دولة إسرائيل. يرجع تماهي السود مع الصهيونية إلى زمن سبق قيام دولة إسرائيل؛ فخلال ما يزيد على قرنين وسفر "الخروج" من التوراة ، الذي يسرد خروج اليهود المزعوم من مصر، يشكل البوصلة السياسية والأخلاقية الرئيسة للسود في الولايات المتحدة. ولدى قيام إسرائيل عام 1948 عمت البهجة قيادات السود وصحافتهم . لم يكتب عن مصادرة الأراضي وإرهاب الهاغاناة زمن النكبة سوى عدد قليل من الكتاب السود.

فاتهم أن يروا إسرائيل مشروعا كولنياليا قام على إخضاع الشعب الأصيل. لماذا ؟ اولا، تمظهرت الصهيونية عام 1948 حركة قومية كافحت ضد نظام استعماري ورث السلطة العثمانية ، وثانيا آثار المحرقة على الرأي العام؛ وثالثا أن خرافة النضال اليهودي ضد الكولنيالية البريطانية قدمت إسرائيل زورا إحدى الدول التي ظهرت على انقاض النظام الكولنيالي، دول العالم الثالث. قلة من الكتاب السود ذكروا شيئا عن النكبة وتهجير العرب من ديارهم، او ممارسات الإرهاب من جانب الهاغاناة. وفي خطاب ألقاه الزعيم النقابي الأسود، فيليب راندولف، أيد قرار تقسيم فلسطين، وقال أنه لا يتصور "نضالا بطوليا متحديا من اجل حقوق الإنسان والعدالة والحرية" مثل إنشاء وطن لليهود في فلسطين.

ومضى إلى القول،" نظرا لأن الزنوج هم ضحايا الكراهية والاضطهاد فعليهم أن يكونوا اول من يهب للوقوف بجانب حق اليهود في إقامة كومنولث في فلسطين". الاستثناء البسيط تمثل في موقف الكاتب جورج شويلر؛ كتب بصحيفة بيتسبرغ كوريير مقالة انتقد طرد العرب من ديارهم: "نفس الناس الذين نددوا بألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية والامبريالية اليابانية وكافحوا ضدها ... يهبون الآن للدفاع عن الامبريالية الصهيونية التي تتذرع بنفس الحجج- الحاجة ل "مكان للعيش"، محاولين انتزاعه بالقوة المسلحة وتمويل أجنبي." رفض شويلر اتهام الشعب الفلسطيني بالتخلف.

وأقام حزب العمل الحاكم في إسرائيل علاقات تحالف مع الدول الإفريقية الناشئة بعد حصولها على الاستقلال، تحت قناع أن إسرائيل دولة غير منحازة، وأن زعماء إسرائيل ينددون علنا بالعنصرية وطرحوا دولة إسرائيل نموذجا للديمقراطية. وما هي سوى فترة قصيرة حتى تكشفت إسرائيل على حقيقتها حين انضمت إلى فرنسا وبريطانيا في العدوان على مصر عام 1956.

 انقضت ثماني سنوات وقام مالكولم إكس ، احد زعماء السود في أميركا،  بزيارة لمخيم خانيونس أثناء إقامته لمدة شهرين في  مصر؛ هناك علم عن المجازر التي اقترفتها إسرائيل في قطاع غزة. كتب مقالة بصحيفة إيجيبشين غازيت يوم 17 سبتمبر (أيلول) 1964 تحت عنوان "المنطق الصهيوني"، خلص فيها إلى القول أن الصهيونية تمثل " نمطا جديدا من الكولنيالية" تتخفى خلف ادعاءات توراتية وخطابات الإحسان، غير أنها لم تزل تقوم على إخضاع الشعب الأصلي في فلسطين وتحظى بدعم الدولار الأميركي. "

غير ان مارتن لوثر كينغ  فقد عبر عن التعاطف مع اسرائيل وانبهر بنظامها الديمقراطي وبانتصارها في عدوان حزيران.استلهم حرب حزيران كي يقول قبل عشرة أيام من اغتياله  " اننا نقف بكل قوانا لحماية حق إسرائيل في الوجود والسلامة الإقليمية. أرى إسرائيل ولا أتردد في القول أنها واحدة من أعمدة الديمقراطية العظمى في العالم" . جاء ذلك في مقابلة أجراها معه الحاخام إيفريت جيندلر في المؤتمر السنوي الثامن والستين للجمعية الحاخامية ، المنعقد بعد ثمانية أشهر من عدوان حزيران. حاول جيندلر استدراجه للتنديد باللاسامية المنتشرة في اوساط السود الأميركيين ، رفض وانكر وجود اللاسامية بين السود.

على إثر عدوان 1967حزيران التف عدد من السود حول مالكولم إكس وتبعهم الفهود السود ، حركة مناهضة للتمييز العنصري، وأعلنت دعمها لمنظمة تحرير فلسطين.

باختصار تبدد الوهم حول صهيونية تسعى لتقرير المصير واستعادة الوطن، ليحل محله  انتقاد جذري لها ، أحد أشكال الكولنيالية الاستيطانية شديدة الشبه بالعنصرية الأميركية ونظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا.

 ليس لنا سوى أن نتوقع من كينغ لو طالت به الحياة واطلع على صراع الشرق الأوسط بمثل اطلاعه على حرب فيتنام تبديل موقفه من ديمقراطية إسرائيل. فمعارضته غير المساومة للعنف وللكولنيالية والعنصرية والعسكرة لا بد إلا أن تحيله منتقدا لإسرائيل وسياساتها  الراهنة.

لا عجب ان أجد الالتزام الثوري ببناء مجتمع جديد في فلسطين. حقا وقفت وجها لوجه امام جدار الأبارتهايد؛ شاهدت التضييق على الفلسطينيين وهم يجتازون نقاط التفتيش؛ بكيت على اكوام الخرسانة المسلحة حيث هدمت بيوت الفلسطينيين واقتلعت أشجار الزيتون على أيدي جيش الاحتلال؛ مشيت عبر السوق في الخليل تتناثر فيه مكعبات الطوب والنفايات  والفضلات البشرية التي القاها المستوطنون على تجار السوق. شاهدت الأزقة الضيقة الموحلة، تفصل البنايات متعددة الطوابق في مخيمات اللاجئين، وبجوارها مستعمرات أشبه بالقلاع يسكنها المستوطنون اليهود بالضفة الغربية. كم آلمني مستوى العنف والاضطهاد وإذلال المشاعر الإنسانية، التي توجب على الفلسطينيين احتمالها. وما أبهجني حقا هي الأحاديث الواثقة من قبل المناضلين والمثقفين والشباب عن التحرير، حيث المستقبل بدون احتلال وبدون مستعمرات. حضرت لقاءات في مقر "المواطن"، المؤسسة الفلسطينية لأبحاث الديمقراطية في رام الله، في مدى الكرمل:المركز العربي في حيفا للأبحاث الاجتماعية التطبيقية؛ والتقيت بجماعات أخرى في مخيمات اللاجئين في بلاطة وجنين وبيت لحم.

يوجد بمخيم عايدة للاجئين مقر جمعية الرواد للثقافة والمسرح، مركز حقيقي ومسرح للشباب أنشاه الدكتور عبد الفتاح أبو سرور، المدير والشاعر والكاتب الروائي والمحاضر. يؤمن هذا المثقف بأن المسرح "طريقة غير عنفية للقول بأننا بشر لم نولد حاملين جينات الكراهية والعنف. نشأ الدكتور أبو سرور داخل المخيم  ورأى أن تكريس الحياة لإنشاء "مسرح جميل للمقاومة" يهدف إطلاق الطاقات الإبداعية للشباب كي يحولوا حكايات الحياة إلى تجارب محولة للواقع.. من تجاربهم يحكي الأطفال عن غزو جيش الاحتلال للمخيمات يطلقون النار على والديهم ويمنعون وصولهم إلى المستشفى على الجانب الآخر من الجدار.  يتحدثون عن أشواقهم لحقوق إنسانية وبيئة نظيفة والحرية وحق العودة للديار والحق في معرفة تاريخهم وامتلاك مستقبلهم.

حيوات الفلسطينيين ذات اهمية، حيوات السود ذات اهمية، كل الحيوات ذات أهمية. يجب ان يقتنع الجميع بهذا . ذكرنا أطفال مخيم عايدة أن الأهم هو النضال. هنا لا أتحدث عن الدفاع الذاتي فقط ؛ النضال يعني الإطاحة بمنطق النظام العنصري، الذي يستخدم الأمن لتبرير اضطهاد الآخرين والحكم العسكري وإنكار معظم الحقوق الأساس. النضال يعني الشروع ببناء المستقبل في الحاضر، وتخيل مجتمع ما بعد الأبارتهايد وما بعد الصهيونية.

ونفس الرؤية للخلاص عبر الثورة نجدها في مدينة فيرغوسين بولاية ميسوري الأميريكية. هناك ما يذكرنا بان نضال السود مهم؛ إنه مهم لأننا ما زلنا نحاول التحكم بنتائج الكولنيالية الاستيطانية والرأسمالية العنصرية والنظام البطريركي في الولايات المتحدة. واكتسب الخلاص أهميته في مدينة نيواورليانز بعد إعصار كارتينا ، أرض الصراع الرئيسة في حرب الليبرالية الجديدة المستمرة ضد السود واللاتينيين والفييتناميين والشغيلة من السكان الأصليين، حيث المنظمون السود يقودون ائتلافات متعددة الأعراق لمقاومة خصخصة المدارس والمشافي والنقل العام وتفكيك اتحادات القطاع العام. في فيرغوسون يناضل الشباب بلا كلل ليس فقط من اجل العدالة للمناضل مايك براون أو وضع حد لسوء التصرف من جانب الشرطة ، إنما من اجل تقويض النظام العنصري مرة وللأبد، وإسقاط الامبراطورية وإنهاء الحروب.

مع اتصال هذه النضالات بفلسطين، وحين تصل فلسطين فيرغوسين تولد امكانية إرساء قاعدة جديدة للتضامن – قاعدة تمد جذورها في الثورة.