لماذا يتعثر المشروع الوطني الفلسطيني ويتقدم المشروع الصهيوني 

2016-06-04

لماذا يتعثر المشروع الوطني الفلسطيني ويتقدم المشروع الصهيوني ؟

د. إبراهيم ابراش

إن كان الاتكاء على التاريخ وعلى الرموز الوطنية الفلسطينية كوسيلة لإخفاء العجز والفشل أمرا مرفوضا لأن التاريخ لا يمنح شرعية لحزب أو شخص أو نظام سياسي، فإن التنكر للتاريخ الوطني ورموزه نتيجة لحالة إحباط ويأس عن التعامل مع الواقع أو مقارنة ما أنجزه المشروع الصهيوني بما أنجزه المشروع الوطني، يعتبر أيضا مثلبة أيضا ، حيث لا مقارنة مع وجود فارق.

وهكذا بتحليل سطحي ونتيجة الوقوع تحت تأثير هزيمة الوعي يجري البعض مقارنة مجحفة بين ما انجزته إسرائيل وحالها الراهن بالرغم من قلة عدد الإسرائيليين واليهود بشكل عام، وما أنجزه الفلسطينيون و(معهم) العرب والمسلمون بأراضيهم الواسعة وأموالهم الطائلة ، وتكون النتيجة انبهارا بالمنجز الإسرائيلي.

المقاربة العلمية للصراع في وعلى فلسطين يجب ان تؤسَس على الوقائع وليس التوصيف الايديولوجي للصراع. إن كان التوصيف الايديولوجي يقول بأنه صراع عربي إسرائيلي أو إسلامي إسرائيلي فالواقع يقول إن الصراع ميدانيا وواقعيا يدور ما بين الفلسطينيين من جهة ، وإسرائيل والحركة الصهيونية وتحالفاتهما المتشعبة سياسيا ودينيا وأيديولوجيا من جهة أخرى . لذا فإن ما أنجزته إسرائيل لا يعود لعبقرية اليهود أو جهودهم الذاتية فقط ، بل يعود بالإضافة إلى ذلك لقوة وضخامة تحالفاتهم الدولية ، أما الفلسطينيون ودون تجاهل كل مَن مد يد العون لهم من شعوب ودول عربية وإسلامية ، فإن الراحل أبو عمار صرخ أكثر من مرة (يا وحدنا) .

الحديث عن البعدين العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية حديث أيديولوجيا وليس توصيف لحالة اشتباك وصراع، فالأنظمة والحركات العربية والإسلامية تحشد الجيوش وتخوض المعارك دفاعا عن مصالحها ووجودها وإن قاتلت إسرائيل فدفاعا عن نفسها ، بل إن غالبية هذه الجماعات والأنظمة وخصوصا جماعات الإسلام السياسي تناصب المشروع الوطني العداء.

انطلاقا مما سبق، لا يمكن أن نعزو ضياع فلسطين وقيام الدولة الصهيونية وبالتالي عدم انجاز المشروع الوطني سواء بصيغته الأولى تحرير كل فلسطين أو صيغته الثانية دولة مستقلة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، لا يمكن أن نعزو ذلك إلى تخلف الفلسطينيين أو نقص في شرعية وعدالة القضية الفلسطينية أو خلل في الأداء الفلسطيني فقط، مقابل شرعية وعدالة المشروع الصهيوني وعبقرية وعقلانية يهودية ، كما لا يجوز في سياق النقد عمل مقارنة مبتسرة  بين ما انجزنا وما أنجز العدو .

بالعودة للتاريخ، لا يمكن تجاهل طبيعة العلاقة الدينية بين اليهودية والمسيحية وأن التوراة اليهودية جزء من الكتاب المقدس عند المسيحيين وخصوصا البروتستانت الذين يؤمنون بأن قيام دولة إسرائيل شرط لعودة المسيح المنتظر، وبالتالي فاليهودية الصهيونية والحركة المسيحية الصهيونية ودول غربية وعلى رأسها واشنطن تؤمن بحق اليهود في دولة ومستعدة للقتال لحماية إسرائيل ومشروعها الصهيوني، بالإضافة إلى التقاء مصالح استراتيجية بين التطلعات الاوروبية وخصوصا البريطانية بداية القرن العشرين لاستعمار المنطقة من جانب ومطامح الحركة الصهيونية الوليدة لإقامة دولة إسرائيل من جانب آخر، وقد تزامنت الحركة الصهيونية مع الحركة الاستعمارية – 1897 كان المؤتمر الصهيوني الأول، 1916 سايكس– بيكو، 1917 وعد بلفور، 1922 الانتداب البريطاني على فلسطين والذي التزم بتنفيذ وعد بلفور- .

نعم ، يمكننا انتقاد تصرف الأحزاب والقيادة التقليدية قبل النكبة وما كانت تعرف من خلافات وصراعات داخلية ومراهنة بعض مكوناتها على البريطانيين والدول العربية، ولكن في المقابل قاوم الشعب الفلسطيني الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية بما يملك ويستطيع من إمكانيات متواضعة، منذ هبة البراق 1929 مرورا بثورة القسام 1935 والثورة الكبرى 1936 حتى عبد القادر الحسيني ومجموعته المقاتلة، وسقط من الشعب الآلاف بين شهيد وجريح وأسير.

صحيح، إن الحركة الصهيونية قبل 1948 أسست جامعة ومؤسسات مالية وصناعية ونقابية وميليشيات مسلحة، إلا أنه وإنصافا للتاريخ والحقيقة فإن هذه المنجزات لم يؤسسها يهود فلسطين الذين كان حالهم أكثر سوءا من حال المسلمين والمسيحيين، بل أسسها اليهود الذين قَدِموا من أوروبا والأمريكتين بحماية بريطانية محملين بالمال والعلم ، بينما كانت الاحتلال البريطاني يمنع على الفلسطينيين ممارسة أي نشاط وطني .

لذا فإن النكبة والهزيمة عام 1948 وضياع ثلثي أرض فلسطين لصالح العدو لم يكن بسبب خلل في أداء الفلسطينيين، بل بسبب إرث الانتداب البريطاني وهزيمة جيوش عربية لم تكن جادة في الدفاع عن شعب فلسطين ودخلت الحرب دون تنسيق ولأهداف خاصة بكل منها، بالإضافة إلى تداعيات الحرب العالمية الثانية وما قدمته الدول الأجنبية وخصوصا بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية للعصابات الصهيونية، حيث يمكن القول لولا وعد بلفور والانتداب البريطاني والحرب العالمية الثانية وتداعياتها ، ثم خيانة الأنظمة والجيوش العربية لاحقا ما قامت دولة إسرائيل .

ويمكننا أيضا انتقاد الثورة الفلسطينية المعاصرة والتي عنوانها منظمة التحرير، ولكن عدم نجاح الثورة في تحقيق مشروعها السياسي لم يكن فقط بسبب خلافاتها الداخلية أو المواجهات التي دخلتها مع بعض الدول العربية  أو بسبب ما اعتراها من فساد وترهل ، بل لأن الأنظمة العربية والإسلامية خذلتها وتآمرت عليها في أكثر من محطة و دخلت الانظمة في حروب مع اٍسرائيل لحسابات خاصة بها، أو دخلوا في تسويات وتفاهمات علنية وسرية مع تل ابيب وواشنطن، بالإضافة إلى حسابات وتوازنات دولية لا تسمح بالقضاء على دولة إسرائيل، وقد دفع الفلسطينيون الثمن من أرضهم وكرامتهم .

كما يمكننا انتقاد القيادة الفلسطينية لأنها وقَّعت اتفاقية أوسلو، ويمكننا انتقاد السلطة الوطنية وممارساتها سواء المتعلقة بالفساد أو التنسيق مع إسرائيل أو الخلل في الأداء الدبلوماسي، أو أزمة القيادة الخ، ولكن ما كان الفلسطينيون يجرؤون على توقيع اتفاقية أوسلو 1993 بداية لولا مؤتمر مدريد للسلام 1991 الذي حضرته كل الدول العربية تقريبا  وقبله اتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر 1979، وما كان الفلسطينيون اضطروا لتوقيع اتفاقية أوسلو لولا حرب الخليج الثانية 1991 ومعاقبة الفلسطينيين ووقف الدعم عن منظمة التحرير والتآمر عليها لشطبها ، ولولا انهيار المعسكر الاشتراكي الخ .

كما أن فشل السلطة وتعثرها لا يعود لفسادها أو لعومل فلسطينية داخلية فقط، بل لقوة إسرائيل وتواطؤ الوسيط الامريكي، وتقاعس العرب والمسلمين عن دعم الشعب الفلسطيني واحترام خياراته، بل وتوظيف بعض الأنظمة القضية الفلسطينية لخدمة أجندة خاصة وهذا ما جرى مع موضوع الانقسام .

وأخيرا نقول إن ما لا يقل خطورة من هزيمة الشعوب عسكريا هو هزيمتها نفسيا وفكريا من خلال كي الوعي والتشكيك بتاريخها وعدالة قضيتها، ليس هذا تقليلا من خطورة النكسات والأخطاء في مسيرة العمل الوطني، ولكن دعوة لممارسة النقد الذاتي بموضوعية وبما لا يسيء لتاريخنا ولحركتنا الوطنية .