العمالة الفلسطينية بين مطرقة الاحتلال وسندان القطاع الخاص - مهند عبد الحميد

2020-04-28

العمالة الفلسطينية بين مطرقة الاحتلال وسندان القطاع الخاص

مهند عبد الحميد

يتصادف عيد العمال في الأول من أيار 2020، وقد أحلت جائحة «كورونا» بالعمال الفلسطينيين وبكل عمال العالم كارثة كبيرة وصادمة عنوانها توقف موارد نسبة كبيرة من العمال، وتهديد فيروس كورونا لحياتهم.. ففي الوقت الذي دعت فيه الحكومات في البلدان المداهمة بالفيروس الى التباعد الاجتماعي، إلا انها سمحت لفئات من العمال بمواصلة الانتاج دون ان توفر لهم شروط الوقاية الملائمة، ودون الاكتراث لإصابتهم، لطالما جرى الحفاظ على أرباح الشركات الكبيرة. كاشفة للعالم حقيقة الانحياز للمال على حساب ابسط الحقوق وهو الحق في الحياة.

يستحضرنا الموقف اللاإنساني البشع الذي مارسه ارباب عمل اسرائيليون عندموا تخلصوا من عمال فلسطينيين لمجرد الشك بإصابتهم، مستخدمين اسلوبا وحشيا هو القاء عمال على الحواجز العسكرية الفاصلة بين المجموعتين السكانيتين. معظم الدول تلكأت في اتخاذ اجراءات حرصا على استمرار الأرباح مقدمة الدليل على التوحش الاقتصادي الذي لا يعبأ بحياة البشر. وعندما وضعت موازنات للإنقاذ، خصصت النسبة الأكبر منها للشركات الكبرى وبخاصة في الولايات المتحدة، وألقي بالفتات للعاملين المعطلين عن العمل، فقد صرف للعاملين النظاميين 1200 دولار لمرة واحدة، من اصل 2 ترليون دولار مجموع موازنة الطوارئ التي اعتمدتها إدارة ترامب. واستثني العاملون دون عقود وهؤلاء يعدون بالملايين.

تتوقع منظمة العمل الدولية في بيانها الصادر بتاريخ 8 نيسان خسارة 200 مليون من العاملين لعملهم في الأشهر الثلاثة المقبلة فقط.وكان البيان السابق - قبل ثلاثة اسابيع - قد توقع تعرّض 25 مليون وظيفة للتهديد بسبب كورونا. ونوه البيان الى ان الاغلاق أثر سلبا على نحو 2.7 مليار عامل، أي 4 من بين كل 5 من القوى العاملة في العالم.

يذكر ان عدد العاطلين عن العمل قبل «كورونا» بلغ 190 مليون شخص التحقوا بصفوف البطالة. كما نرى فإن تقديرات جهات الاختصاص تسير في منحنى هابط والاخطر ان الازمة الاقتصادية الراهنة التي تضاهي ازمة الثلاثينيات من القرن العشرين وربما تكون اشد ضررا، هذه الازمة تهدد الاستقرار الاجتماعي والحقوق المدنية والإنسانية على صعيد كوني ما دامت الاطراف التي تدير الازمة وتتحكم بها هي القوى صانعة التوحش الاقتصادي.

كان من شأن تخفيض الاموال المخصصة للرعاية الصحية والضمان الاجتماعي في دول الهيمنة النيوكولونيالية، ضعضعة القطاع الصحي الحكومي لصالح القطاع الخاص الذي لا هدف لديه غير الربح وقد تقاعس في انقاذ المهددين بالموت ولا يستطيعون الدفع.

لقد دفع العاملون في الجهاز الصحي الحكومي في تلك البلدان ثمن صرف مئات الالاف من العاملين، وذلك حين اتسعت الاصابات في صفوفهم وأدت الى موت الكثيرين، وإلى اضطرارهم للقيام بعمل مضنٍ لساعات فاقت قدرتهم على التحمل، مقدمين بذلك نموذجا ملهما للدفاع الشجاع البطولي عن حياة البشر.إنه الوجه المشرق الذي جعل البشرية تفخر وتعتز بهذا النوع من العاملين الرائعين الذين انتزعوا محبة وتقدير الشعوب في أركان الارض. هذا الوجه المشرق للجيش الابيض كان على نقيض للوجه البشع الذي فرط وقامر بحياة البشر.

ما حدث للعمال الفلسطينيين والعاملات الفلسطينيات لا يقل سوءا عن نظرائهم في البلدان التي تعرضت لغزو كوفيد 19 – كورونا.

من بين 133 الف عامل وعاملة يعملون داخل اسرائيل والمستعمرات. بقي 40 الف عامل فقط بحسب الارقام الاسرائيلية. وما تبقى توقف عن العمل، وقد ساهمت المعاملة الاسرائيلية غير الانسانية في عودة او امتناع العدد الاكبر عن العمل.

وما زال العمال في قطاعي البناء والزراعة يتعرضون للضغوط من اجل عودتهم. ليس هذا وحسب فقد تحدث وزير العمل الاسرائيلي في فضائية «بي بي سي» عن حاجة دولة الاحتلال للعمالة الفلسطينية في القطاعين المذكورين، ودعا إلى عودتهم دون ان يعتذر عن الانتهاكات والإذلال الذي تعرضوا له سواء لجهة عدم الاكتراث بنقل الفيروس اليهم، او عدم تأمين شروط انسانية لإقامتهم. فضلا عن التمييز بينهم وبين العمال الاسرائيليين في الحقوق، حيث يكتفي رب العمل الاسرائيلي بتقديم أجر أعلى من الأجر الذي يتقاضاه العامل لدى رب العمل الفلسطيني، والناجم عن البون الشاسع بين الاقتصاديين والناتجين المحليين ومتوسط الدخل.كما تتجاهل سلطات الاحتلال حقيقة سرقتها للموارد الطبيعية الفلسطينية. لا شك بأن جائحة «كورونا» طرحت قضية العمال والعاملات في فلسطين بما هي قضية حساسة ومهمة وخطيرة على الصعيد الوطني والاجتماعي والنقابي والاقتصادي، والتي لا يمكن اختصارها في الجزء العامل داخل الدولة المحتلة ومستعمراتها.

ما تعرض له العمال والعاملات في فلسطين من قبل القطاع الخاص الفلسطيني ينطبق عليه قول الشاعر (وظلم ذوي القربى أشد مضاضة). بحسب آخر استبيان للجهاز المركزي للاحصاء فإن 667.600 عامل يعملون لدى القطاع الخاص في الضفة والقطاع.

وعدد العاملين والعاملات في القطاع غير المنظم بلغ 320.600 وإذا اضيف لهم المستخدمون دون حقوق في سوق العمل فانهم يشكلون 57% من مجمل العاملين.

الارقام تكشف عن بنية هشة تجعل العمال عرضة للاستغلال المفتوح. اكبر دليل على ذلك. وجود 109.000 عامل يعملون بأجر أقل من الحد الادنى للأجور المعتمد رسميا وهو 1459 شيكل، 80% من هؤلاء العمال والعاملات في قطاع غزة ويبلغ متوسط اجرهم 700 شيكل (المصدر استبيان الجهاز المركزي للاحصاء). وعن مصير هؤلاء بعد قرار الطوارئ الذي أدى للتوقف عن العمل وتسريح عدد كبير – لا يوجد رقم معتمد-. أصبح لدينا 453 ألف عامل فلسطيني متضرر من أزمة كورونا، نتيجة لتوقف نحو 100 ألف منشأة عن العمل من أصل 142,400 منشأة تعمل في فلسطين.

وبسبب انخفاض عدد العمال لدى دولة الاحتلال ومستعمراتها في الضفة الغربية. السؤال الذي يطرح ما هو مصير هؤلاء العمال والعاملات. وماذا عن الاتفاق الذي ابرم بين وزارة العمل واتحاد النقابات والمجلس التنسيقي للقطاع الخاص. الذي نص على:
1- دفع اجور العمال الذين توقفت منشآتهم عن شهري آذار ونيسان بواقع 50% من اجرهم وبما لا يقل عن 1000 شيكل على ان يدفع الباقي بعد انتهاء الازمة.

2- تقليص عمل الامهات في القطاع الخاص اسوة بزميلاتهن في القطاع العام.
3- العمل على انشاء صندوق طوارئ لمعالجة الاثار الناجمة عن الازمة.

اتفق مع الزميل عمرو سلعوس الذي نقد الاتفاق بالقول إنه يعكس تنازل وزارة العمل، واتحاد النقابات لمصلحة القطاع الخاص. فبدلا من تطبيق المادة 38 في قانون العمل التي تنص: على صاحب العمل الاستمرار في دفع اجور عماله طيلة فترة الاغلاق او الايقاف المؤقت. لقد جرى تعطيل مادة قانونية لصالح العمال، والاتفاق خارجها لمصلحة ارباب العمل كما يقول الزميل سلعوس في مقالته بعنوان الخطوات الحكومية لدعم العمال عرض إعلامي ام خطوات فعالة والتي نشرت في موقع الحوار المتمدن.

بقي القول، ان واقع العمال المرير يطرح إعادة النظر، في شروط العمل الداخلي مع القطاع الخاص، وفي شروط العمل الخارجي في دولة الاحتلال ومستعمراتها. كما يطرح إعادة النظر في النقابات والاتحادات المنفصلة عن العمال وهمومهم. ولا ريب في أن إعادة النظر تبدأ من داخل العمال والعاملات.