هل اقتربت نهاية حكم نتنياهو؟ | د. ماهر الشريف

2020-12-29

هل اقتربت نهاية حكم نتنياهو؟

| د. ماهر الشريف

أظهر الإعلان عن حل الكنيست الإسرائيلي، مساء يوم 22 كانون الأول/ديسمبر الجاري، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة يوم 23 آذار/مارس 2021، عن عمق الأزمة السياسية التي تتخبط فيها إسرائيل، والتي دفعت عضو الكنيست ووزير السياحة المستقيل آساف زامير إلى التصريح يوم 2 تشرين الأول /أكتوبر الفائت لصحيفة "معاريف": "إنني متخوف جداً من أن تكون الدولة على وشك الانهيار الكامل"، ملقياً مسؤولية ذلك على عاتق بنيامين نتنياهو بصورة مباشرة.

أما الصحافي ميرون رابوبورت، فقد علّق، في موقع "ميدل إيست آي"، يوم  7 كانون الأول الجاري على قرار إجراء الانتخابات الجديدة بقوله: "ستكون إسرائيل أول ديمقراطية في التاريخ تنظم أربعة انتخابات تشريعية في غضون عامين. وهذا يدل على أزمة سياسية تتخبط فيها إسرائيل، وعلى عجز المجتمع الإسرائيلي عن أن يدير حواراً يشمل مختلف مكوناته". وتابع قائلاً: "فخلال الانتخابات الثلاثة الفائتة (نيسان/أبريل 2019، أيلول/سبتمبر 2019، آذار/مارس 2020) لم يفلح نتنياهو وحلفاؤه في تشكيل ائتلاف حكومي من 61 عضو كنيست، ولم تتمكن في المقابل الأحزاب المعارضة له من تشكيل حكومة، وذلك لأنها رفضت أن تعتبر صوت المواطن الفلسطيني معادلاً لصوت المواطن اليهودي؛ وهذا الموقف العنصري أفشل كل محاولة لتشكيل حكومة مرتهنة لأصوات نواب القائمة المشتركة التي تمثل في الأساس المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل". وأشار، في هذا السياق، إلى أن بني غانتس كان مستعداً  كما بدا للتوصل إلى اتفاق مع القائمة المشتركة لتشكيل حكومة تستند إلى أصوات نوابها، لكن معارضة بعض نواب حزبه، "أزرق أبيض"، الذين يتبنون العبارة العنصرية التي يستخدمها اليمين القومي، "أنصار الإرهاب"، لدى وصفهم أعضاء القائمة المشتركة، قد أجهض هذه المحاولة.

وأضاف رابوبورت، في المقال نفسه، أن الطريق المسدود الذي وصلت إليه الحكومة الائتلافية لا يعني أن السياسات الاحتلالية والاستيطانية قد جمدت. فالمواقف التي اتخذتها المؤسسة الحاكمة إزاء المناطق الفلسطينية المحتلة انزاحت أكثر فأكثر نحو اليمين، إذ استمر الضم الزاحف في الضفة الغربية المحتلة، وبرز إجماع على ضم المستوطنات، ووافقت الإدارة المدنية في تشرين الأول/اكتوبر الفائت على بناء 5400 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية، كما تم في تشرين الثاني/نوفمبر الموافقة على بناء 1200 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة جفعات هاماتوس في القدس الشرقية، بما يعزز الفصل بين مدينة بيت لحم والأحياء العربية في القدس الشرقية المحتلة.

إخفاق حكومة نتنياهو-غانتس الائتلافية

منذ تشكيلها في نيسان 2020، تفجرت خلافات شديدة داخل الحكومة الائتلافية التي شكّلها بنيامين نتنياهو بمشاركة بني غانتس، الذي كان من المفترض أن يحل محله في رئاسة الحكومة بعد 18 شهراً. وطالت هذه الخلافات طريقة إدارة أزمة كوفيد 19، والميزانية، وتعيين المدعي العام وقائد الشرطة والمدير العام لوزارة المالية ومسؤولين آخرين. بيد أن الخلاف حول الميزانية هو الذي تسبب في حل الكنيست، إذ كان اتفاق الائتلاف الحكومي بين نتنياهو وغانتس يقضي بأن تقر ميزانية واحدة للعامين 2020 و 2021، لكن الليكود أصر على التصويت على ميزانيتين مختلفتين؛ ومع أن حزب "أزرق أبيض" قدم  في اللحظة الأخيرة حلاً وسطاً يقضي بالتصويت على ميزانيتين منفصلتين، الأولى في أواخر كانون الأول الجاري، والثانية في مطلع كانون الثاني/يناير القادم، إلا أن  الكنيست رفض هذا الحل الوسط، إذ عارضه 49 نائباً، بينما أيّده 47 نائباً.

الاحتجاج الشعبي المستمر

وترافقت الخلافات داخل الحكومة الائتلافية باندلاع تحرك شعبي مناوئ لنتنياهو، اتخذ شكل مظاهرات شعبية واسعة تجري، منذ شهر تموز/يوليو الفائت، مساء يوم السبت من كل أسبوع في شارع بلفور، مقر إقامة رئيس الوزراء في مدينة القدس. وقد انطلقت حركة الاحتجاح في الأصل ضد فساد نتنياهو وإدارته للأزمتين الصحية والاقتصادية، وصارت تتوسع  مع الوقت وتلتف حول شعار "حماية الديمقراطية". وبحسب ميرون رابوبورت يمكن أن تتطور هذه الحركة لتتحوّل إلى حركة "عصيان مدني"، وهي تضم جماعات متعددة المشارب تجمعها الرغبة في التخلص من حكم نتنياهو، بما فيها جماعة تسمى "كتلة مناهضة الاحتلال" ترفع شعارات مثل "الديمقراطية للجميع بين النهر والبحر"، وشهدت المظاهرات ارتفاع أصوات تحتج على عنف الشرطة في تعاملها مع المتظاهرين، وتبدي تعاطفها مع أعضاء القائمة المشتركة في الكنيست الذين انضموا إلى المتظاهرين. وفضلاً عن حركة الاحتجاج الشعبي هذه، تبرز محاولات، كما يتابع رابوبورت، لإعادة تنظيم صفوف "يسار الوسط" على أساس التحالف مع القائمة المشتركة، من أبرزها المحاولة التي يقوم بها حالياً  رئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي، والذي ينوي تشكيل حزب جديد.  

نهاية بني غانتس السياسية

ويعبر المشاركون في هذه المظاهرات كذلك عن استيائهم من بني غانتس لأنه قبل التحالف مع نتنياهو، على الرغم من وعوده الانتخابية بعدم الإقدام على هذه الخطوة. ووجّه  عدد من الصحافيين الإسرائيليين انتقادات لبني غانتس، بعد حل الكنيست، لأنه لم ينجح في تبني الإصلاحات القضائية، ولا في أن يصبح رئيساً للوزراء، ولا في أن يحافظ على سلامة حزبه ويحول دون تفككه. فهو عندما تحالف مع الليكود في نيسان الفائت، رفض نصف نواب حزبه الانضمام إلى حكومة يرأسها نتنياهو المتهم قضائياً، وشهد حزبه في الأشهر الأخيرة انهيار داعميه؛ فبينما احتل "أزرق أبيض" المرتبة الأولى في انتخابات أيلول 2019 ، بات يأتي حالياً، وفقاً لبعض الاستطلاعات، في المرتبة السابعة بين الأحزاب، إذ قد لا يحصل في الانتخابات القادمة على أكثر من خمسة مقاعد في الكنيست، وبات على بني غانتس الآن أن يقول: "لقد حاولت، لقد رغبت في، لقد أخفقت، وها أنا انسحب"، كما جاء في صحيفة يديعوت اخرونوت. ويعتقد ألوف بن الصحافي في "هآرتس: أن حياة بني غانتس السياسية وصلت إلى "نهايتها البائسة"، وهو سيعاقب لأنه سرق أصوات المناهضين لنتنياهو واستخدمها لينضم إلى حكومة معه، ويتساءل عما إذا كان هذا المصير ينتظر نتنياهو في الوقت نفسه.

هل هي نهاية حكم نتنياهو ؟

من الصحيح أن نتنياهو، الذي ينتظر استئناف محاكمته في شهر شباط/فبراير القادم، قد يلجأ، بغية تعزيز مواقعه المهتزة، إلى بعض الأوراق، مثل اتفاقات التطبيع مع أربع دول عربية، وحملة التطعيم ضد كوفيد 19 التي انطلقت، كما قد يلجأ إلى سياسة "فرق تسد" التي برع في ممارستها، والتي يمارسها حالياً إزاء القائمة المشتركة، بعد أن نجح في استقطاب منصور عباس زعيم الحركة الإسلامية الجنوبية، التي تحوز أربعة مقاعد في الكنيست ضمن القائمة المشتركة، والذي أعلن، في مقابل وعود فضفاضة بزيادة ميزانية المدن والبلدات العربية في إسرائيل ومحاربة ظاهرة العنف، أنه "غير ملتزم لا مع اليمين ولا مع اليسار"، وانسحب هو ونواب قائمته من التصويت بالقراءة الأولى على حل الكنيست. 

بيد أن محللين كثيرين يرون أن أوراق نتنياهو ومناوراته قد لا تنفعه هذه المرة، خصوصاً بعد أن وصل الاستياء من سياساته إلى داخل الليكود نفسه، وأدى إلى تفرق أنصاره، مع اقتراب موعد استئناف محاكمته بتهم الفساد. وكان من أبرز مظاهر ذلك قيام النائب ووزير التربية والداخلية السابق جدعون ساعر، الذي كان قد تحدى نتنياهو في كانون الأول 2019 ونافسه على رئاسة الحزب وحصل على 27 % من أصوات اعضاء الحزب، بالانشقاق عن الحزب في 9 كانون الأول الجاري، متهماً نتنياهو بالشعبوية والديماغوجية وبإشاعة ظاهرة  "عبادة الشخصية"، وتوظيفه الحزب لخدمة مصالحه الشخصية. وشرع ساعر بعد انسحابه من الليكود في تشكيل حزب جديد باسم "أمل جديد" انضم إليه عدد من نواب وكوادر الليكود كان من أبرزهم مؤخراً وزير التعليم العالي ورئيس الكتلة البرلمانية السابق لليكود، الذي خاطب نتنياهو، كما تنقل عنه الصحافية كاترين دوبيرون، بقوله: "لقد دمرت حزب الليكود وأشعت فيه مناخاً جعله يتحوّل إلى أداة لخدمتك، ولإطراء أفعالك  والخوف من التعبير عن الانتقاد لك "، معتبراً  أن الانتخابات الأخيرة الثلاثة لم تحدث سوى بسبب الملاحقات القضائية التي يتعرض لها نتنياهو، وأضاف في انتقاد واضح لنتنياهو وللمحيطين به: "للأسف، في غضون العامين الفائتين وخصوصاً في الآونة الأخيرة، صارت الاعتبارات الشخصية ونزوات الأقارب المحيطين به، تؤثران بصورة متزايدة على القرارات التي يتخذها، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لدولة إسرائيل ومواطنيها".

التنافس بين متطرفين وأكثر تطرفاً على خلافة نتنياهو المحتملة

بعد انهيار حزب العمل، الذي تبين الاستطلاعات أنه لن يتجاوز نسبة الحسم، وتفكك حزب "أزرق أبيض" وحفاظ حزبَي "ميرتس" و"يوجد مستقبل" على مواقعهما في الغالب، ستدور المعركة على خلافة نتنياهو المحتملة بين متطرفين وأكثر تطرفاً. فحزب جدعون ساعر "أمل جديد" يقف على يمين حزب الليكود، وزعيمه معروف بمواقفه المتطرفة إزاء الصراع مع الفلسطينيين، وكان قد عارض في سنة 2005 الانسحاب من قطاع غزة، وهو يعارض إقامة دولة فلسطينية. كما أن شريكه في الحزب زئيف ألكين محسوب على الجناح الأكثر تطرفاً في الليكود، وكان قدم في سنة 2017 مشروع قانون يرمي إلى ضمان أغلبية يهودية عددية في القدس الشرقية. أما منافسهما المتعاظم النفوذ في أوساط اليمين نفتالي بينت، زعيم حزب "يمينا"، الطامح إلى رئاسة الحكومة القادمة، والذي يحظى بدعم كبير في أوساط المستوطنين في الضفة الغربية، ويدعو إلى الضم الكامل للضفة الغربية، فكان أعلن في سنة 2013 أنه "ليس هناك ما يمنعه من قتل العرب"، وهو انتقد في العام نفسه "انحراف" نتنياهو نحو اليسار عندما قرر هذا الأخير تجميد البناء في المستوطنات لمدة 18 شهراً .

وهكذا، وبينما تستمر الأزمة السياسية في إسرائيل في التفاقم، يتواصل التحوّل في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين القومي والديني المتطرف، ويستمر ابتعاد أفق السلام العادل، الأمر الذي يجعل الشعب الفلسطيني أمام خيار وحيد هو استمرار الصمود والمقاومة.

المصادر:

https://www.middleeasteye.net/fr/decryptages/israel-quatrieme-election-netanyahou-gantz-knesset-palestiniens-occupation-manifestations

https://www.nouvelobs.com/monde/20201223.OBS37947/israel-va-organiser-de-nouvelles-elections-legislatives-les-quatriemes-en-deux-ans.html

https://www.la-croix.com/Monde/Israel-route-vers-nouvelles-elections-legislatives-2020-12-23-1201131613

https://www.lemonde.fr/international/article/2020/12/23/israel-en-route-vers-les-elections-apres-la-fin-de-la-coalition-netanyahou-gantz_6064316_3210.html

https://www.franceinter.fr/benyamin-netanyahou-au-centre-d-un-paysage-politique-emiette  

https://fr.sputniknews.com/international/202012241044980376-candidature-du-politicien-dultra-droite-naftali-bennett-aux-legislatives-en-israel-desormais-cest/

https://www.lesechos.fr/monde/afrique-moyen-orient/israel-guideon-saar-un-frondeur-au-sein-du-likoud-1272776

https://israelvalley.com/2020/12/23/annonce-ce-soir-en-israel-zeev-elkin-