لا إنتخابات دون القدس | عصام بكر

2021-03-30

لا إنتخابات دون القدس

 |عصام بكر*

ما لم تجرى الإنتخابات في مدينة القدس المحتلة ترشيحاَ وتصويتاً فأننا لن نشارك فيها، هذا الموقف الذي عزف حزب الشعب الفلسطيني منفرداً خارج السرب خلال الاسبايع الماضية، مؤكداً في ذروة التحضيرات لإجراء الإنتخابات التشريعية لأول مرة منذ العام 2006 ووسط التحديات الكبيرة، والمخاطر التي تواجهها القضية الوطنية للشعب الفلسطيني ما تحتله القدس في وجدان، وعقول، وقلوب ابناء الشعب الفلسطيني.

هذا الطرح ينبع ايضا من موقف وطني يشهد لحزب الشعب صوابية مواقفه على مدار عقود من الصراع المحتدم مع الاحتلال عبر رؤيةٍ واقعيةٍ ثوريةٍ لا تتنازل عن الثوابت، وتحاول صون الإرث الطويل من العمل، وتأصيل الوجود الفلسطيني في مواجهة مخططات الضم، والإقتلاع جاء هذا الموقف الذي علت بعض الأصوات مؤخراً تنادي به ليثير العديد من الأسئلة ذات المغزى العميق حول مآلات، ونتائج هذه الإنتخابات إن جرت فعلاً.

فالموقف الرسمي يتمسك بالقدس عاصمة لدولة فلسطين، والمرسوم الرئاسي بإجراء الإنتخابات وإن جاء بعد ضغوط دولية إلا أنه في ذات الوقت ينسجم مع التطلعات الشعبية باعتبارها استحقاقا وطنياً ديمقراطياً لممارسة الشعب حقه في التغيير بإرادته الحرة، ولكن أيضاً علينا أن نُبقي الذاكرة حيّة زاخرة بما يجري حولنا فالاطراف الدولية بما فيها الأمريكية على وجه التحديد تحاول التدخل المباشر في الإنتخابات الفلسطينية، وحتى في نتائجها، وقوائم الترشيحات والمرشحين لها.

في حوار القاهرة الأخير الذي وقع خلاله ميثاق شرف وطني طرحت قضية القدس على الطاولة، تم تخصيص النقاش لها لكن لم تكن هناك صيغة جازمة، وحاسمة تحرم إجراء الانتخابات دون مشاركة العاصمة المحتلة، هذا لا يعني أن أحداً يمكنه أن يتخلى عن القدس أو أن تكون موضع مساومة أو تفريط وإنما الموقف جاء ليحدد بصورة غير مباشرة أن ما يسمى بروتوكول الإنتخابات حسب اتفاقية اوسلو التي جرت الإنتخابات السابقة على أساسه ربما يكون هو النافذة الوحيدة المتاحة أمام الجميع، وهو ما يثير الكثير من التحفظات والنقاش، وبالرغم من ذلك لا يقبل الإحتلال به مرجعاً، ويتدخل بشكل مباشر فيها وهو ما يعطي مؤشر إضافي على حقيقة نوايا الإحتلال في إشارة مفاداها أن هذا البروتوكول لم يعد هو الأساس وسط توقعات أن تتم المشاركة إن جرت الإنتخابات مقتصرةً على الضواحي( ابوديس) أو عبر مكاتب البريد في أفضل الأحوال والمرجح ان يمارس الاحتلال المزيد من العرقلة واعاقة ومنع اجراء الانتخابات باي شكل من الاشكال لاحكام سيطرته على المدينة .

هذا التطور يلقي بظلاله على مشهدٍ يتسم بالكثير من التعقيد على أكثر من مستوى فالموقف الوطني لا يقبل بذلك، ويرفضه،على هذه الارضية يتحتم أن يتم العمل على عدة مستويات  ان تقف القدس في مقدمة معركة شاملة أساسها عدم القبول بالواقع القائم، أن يصر الموقف على إجراء الإنتخابات في القدس مثلها مثل باقي المحافظات، وأن تفتح المعركة في اشتباك سياسي، وقانوني، وشعبي فيها لأن من شأن القبول او غض الطرف  ان يتم استخدام مسألة القدس من قبل المعسكر المعادي لتمرير صفقة القرن، واستبعادها عن أي حل قائم، وإخراجها خارج الثوابت الوطنية، وهو ما لا يقبل به أحد، ولتكن القدس عنوان معركة تقودها الحركة الوطنية لإستعادة زمام المبادرة، وتحميل المجتمع الدولي مسؤولية ما يجري، فالاتصالات، والرسائل، والجهود لم تثمر عن أية نتيجة مرضية بل على العكس جوبهت بالتعنت الإسرائيلي خصوصاً على ضوء نتائج الإنتخابات الاخيرة للكنيست، والجنوح نحو المزيد من التطرف والعنصرية .

محددات الموقف الفلسطيني يجب أن تبنى على أساس جريء لا لُبس فيه يستند لإجماع وطني، وشعبي إن القدس بالأحياء العربية داخل السور، والقرى والبلدات والتجمعات المحيطة بها كلها لها الحق الطبيعي كسائر المناطق في المشاركة في العملية الانتخابية تفتح فيها صناديق الإقتراع، ويتم تشكيل اللجان، والدعاية والترشيح، والأنشطة المختلفة حسب إجراءات لجنة الانتخابات المركزية التي يجب أن تفتح مراكز اقتراع فيها، وفي خط موازي العمل على المطالبة بإيفاد مراقبين دوليين من الإتحاد الأوروبي، روسيا، الصين، اليابان، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبإشراف الأمم المتحدة، ومؤسساتها والهيئات الدولية حتى يكون الموقف الفلسطيني الداخلي من جميع الفصائل، والمكونات، والمؤسسات بمستوى التحدي، ويلتف خلفه الجميع يعيد الاعتبار للعديد من أوجه الصراع، ويعطي للقدس حقها، وبريقها، مدينةً فلسطينيةً محتلةً تُقاوم إجراءات المحتل، وترفض التهويد، والأسرلة رغم كل ما تتعرض له من حرب شاملة لتغّير معالمها، وحضارتها، وتاريخها، واستهداف مقدساتها الإسلامية والمسيحية.

* قيادي في حزب الشعب وعضو المجلس الوطني الفلسطيني