فلسطين تعلن جدارتها بالحياة | فيحاء عبد الهادي

2021-05-24

فلسطين تعلن جدارتها بالحياة

| فيحاء عبد الهادي

«غزة ليست أجمل المدن/ وليست أغنى المدن/ وليست أرقى المدن/ ولكنها تعادل تاريخ أمة/ لأنها أشدّنا قدرة على تعكير مزاج العدو وراحته/ لأنها كابوسه/ لأنها برتقال ملغوم/ لأنها كذلك فهي أجملنا وأصفانا وأغنانا وأكثرنا جدارة بالحب».                                    

محمود درويش                                                                         

هبّت القدس في أيار 2021؛ نساؤها ورجالها، في وجه مؤامرة التطهير العرقي في حي الشيخ جراح، وفي وجه تدنيس المقدسات، وفي وجه المخططات التهويدية. دافعت عن حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم وفي بيوتهم - التي يسكنونها منذ عام 1956 بناء على اتفاق تمّ بين الحكومة الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) ببناء بيوت لـ 28 عائلة فلسطينية على أرض تمنحها لهم الحكومة الأردنية - رفضت قرارات محكمة الاحتلال بمنح مهلة لعائلات الكرد والقاسم والجاعوني واسكافي، بالإخلاء حتى الثاني من أيار 2021، وكذلك المهلة لعائلات الداوودي، والدجاني، وحماد حتى مطلع آب، كما رفضت العائلات بشكل قاطع صفقة الاعتراف بملكية المستوطنين لأرضهم، مقابل بقائهم كمستأجرين لمدة يتمّ تحديدها.

انخرط الشعب الفلسطيني في الهبّة الشعبية العارمة، داخل الوطن وفي الشتات، وتصاعدت المقاومة الشعبية. ارتفعت الروح المعنوية لأبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان، وتوحّدوا لتحقيق أهدافهم في رفض التهجير. امتزجت المقاومة الشعبية في القدس وفي اللد وفي حيفا ونابلس ورام الله وبيت لحم والخليل؛ في مدن فلسطين كلها؛ بالمقاومة المسلحة في قطاع غزة.

استخدم الفلسطينيون حقهم القانوني بالنضال للتحرر من الاستعمار الكولونيالي بكل الوسائل الممكنة، بما فيها الكفاح المسلح، هذا الحق الذي أقرّته الجمعية العام للأمم المتحدة، بقرارها رقم 3246، والذي صدر في 29 تشرين الثاني عام 1974.

 ردّوا الاعتداء، وانتصروا لحقهم بالحرية والاستقلال، وأثبتوا قدرتهم العالية في تطوير سلاح فاعل، قادر على إلحاق أضرار اقتصادية ونفسية وسياسية بدولة الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري العنصري؛ ما اضطرّ دولة الاحتلال إلى قبول وقف لإطلاق النار بدأ سريانه فجر الجمعة، في الواحد والعشرين من أيار 2021.

*****

ماذا بعد أن اشتعل الفلسطينيون فرحاً بقدرتهم موحّدين على الصمود والمقاومة والتحدي وإجبار المعتدي على التراجع ووقف العدوان؟

ماذا بعد أن نشرت مائتا طائرة حربية الموت في سماء غزة، وبعد أن قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي بالمدفعية على مدار أحد عشر يوماً المنازل على رؤوس سكانها، والأراضي الزراعية، والمزارع الحيوانية، ودمّر الأبراج السكنية، وعشرات المحال التجارية، والورش، والبنوك، ومقرّات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ورياض الأطفال، ودور العبادة، والمراكز الصحية، والشوارع العامة والرئيسة والطرق الحيوية، والبنى التحتية؛ الكهرباء والطرق وشبكات المياه والصرف الصحي، ومخازن مشروع الطاقة الشمسية، وبعض المدارس، وعدداً كبيراً من المصانع والمنشآت الاقتصادية الحيوية، في انتهاك سافر لمبادئ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي؟

واصل شعب غزة انتشال جثث المدنيين من تحت أنقاض البيوت المهدّمة، وبدأ أهالي الشهداء الذين بلغ عددهم مائتين وستين شهيداً وشهيدة، بفتح بيوت العزاء.

ثم ماذا بعد؟

*****

واجبنا أن نتمسك بالوحدة الوطنية التي تجسدت في الميدان، للمضي قدماً في النضال لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة، وأن نساهم بتضميد جراح الأشقاء في قطاع غزة؛ عبر تقديم العون الطبي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي للأسر المتضررة من العدوان كلياً أو جزئياً أولاً، وعبر الاستمرار في تجسيد الوحدة الوطنية

وواجبنا بالتعاون مع الشعوب العربية أن نبرز تفوقنا الأخلاقي والقانوني والإنساني، وأن نكشف عبر التوثيق والنشر والترجمة إلى لغات العالم كافة؛ جرائم الحرب في غزة، ومخطط التطهير العرقي في حي الشيخ جراح، وبناء المستوطنات غير القانوني في الضفة الغربية، والقوانين العنصرية والتمييز وخنق الحريات ضد فلسطينيي 48.

 ومن الأهمية بمكان أن نتعاون مع شعوب العالم الحرّ للضغط على المجتمع الدولي لإنهاء الحصار على غزة، وفتح المعابر، ومحاسبة دولة الاحتلال الإسرائيلي على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها تجاه أهل غزة عام 2008، و2009، و2012، و2014، و2021، والجرائم المتواصلة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى الجرائم التي ارتكبتها منذ ثلاثة وسبعين عاماً ضد الشعب الفلسطيني بأسره، وإنهاء الاحتلال الاستعماري الاستيطاني العنصري.

*****

بعد وقف إطلاق النار، وفي الوقت الذي نحيي أهلنا في غزة، وأهلنا في القدس، وفي حيفا ويافا واللد، وفي كل مدينة وقرية ومخيم فلسطيني في الوطن وفي الشتات؛ لا نملك سوى أن نتمنى الشفاء العاجل للجرحى، وأن نعدهم ونعد الشهداء ألاّ يفلت مجرمو الحرب من العقاب.

ولا نستطيع سوى أن  نبكي على الشهداء والشهيدات في غزة، وفي أم الفحم، ونابلس، وسائر مدن وقرى فلسطين؛ عائلة القولق (21 فرداً)، أبو عوف (11 فرداً)، والفرنجي (4 أطفال) واشكنتنا (خمسة أطفال ووالديهم)، واليازجي (4 الأم وثلاثة أطفال)، وأبو حطب (ثمانية أطفال وامرأتان)، والحديدي (4 أفراد)، والطناني (الأب والأم وأربعة أطفال)، والعالول (الأب وثلاث من بناته) وأبو حصيرة، ومحمد النجار، ومالك حمدان، ومحمد كيوان، وعبيدة جوابرة، والإمام إبراهيم الشنباري، ود. أيمن أبو العوف، ود. معين العالول، وحسام أبو هربيد، وأحمد المصري، ومنصور الدريملي، والطفل حمزة نصار، وغيرهم وغيرهن من الشهداء الأبرار.

*****

شعبنا الفلسطيني،

استعادت أشكالُ النضال المتنوعة ألقها بين يديك؛ حين مزجتَ بين المقاومة الشعبية والكفاح المسلح، كل في مكانه وزمانه. أعدتَ لذاكرتنا تاريخاً كاد يغيب عن العديد من أبناء شعبنا وشعوب العالم الحرّ؛ صورة المقاومة المسلحة التي انطلقت في الفاتح من يناير عام 1965، وامتدّت وتعاظمت بعد الهزيمة المرّة عام 1967، وصورة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عام 1978، ما يمهّد لمرحلة تاريخية جديدة، يمكن أن تكون مقدمة لبلورة مشروع وطني تحرري فلسطيني، قادر على الانتصار.