| سميح محسن *
لا صوتَ لي ؟!
أم أنّهم صمّوا
أمامَ مشاهدِ الموتِ الجماعيِّ التي لا تنتهي آذانَهم
لم يسمعوا صرخاتِ امرأةٍ
تُفَتِّشُ عن بقايا طفلِها تحتَ الرّكامِ
لكيّ تُكَفِّن روحَهُ
لم يسمعوا صوتَ انفجاراتِ الصواريخِ التي حَصَدَت
حياةَ مدينةٍ
نَقَشَت كرامَتَنا على جُدرانِ أبنيةٍ
لكلِّ بنايةٍ قِصَصٌ سترويها حجارتُها عن الأحلامِ
أحلامِ الطفولةِ في صباحٍ هادئٍ
يتراكضون على رمالِ البحرِ
ينتظرونَ في فَرحٍ بُزوغَ الشّمسِ
(تهدي القبلةَ الأولى)
لطفلٍ غابَ تحتَ القصفِ
سيَّدَةٍ تُجَهِّزُ عرسَ ابنتِها
فَيَخطُفُها بطرفةِ عيّن،
أبٍ، بيدينِ عاريتينِ يبحثُ في ضياعِ الرّوحِ
عن روحٍ تَسامَت مع ملائكةِ السّماء،
موتٌ على الشاشاتِ
في أعناقِكم دمُهُم
قبيلَ صلاتكم للهِ
لا تنسوا التوضؤ في دمِ الأطفالِ
(أمّا نحنُ لن ننسى)
تقولُ عيونُ امرأةٍ
تُكَفِّنُ طفلةً بدموعِها
نبكي، على أنّاتِ من ذهبوا
سنعزّفُ لحنَ عودتِهم،
ونبكي...
*****
تآخينا،
كأنّ الموتَ يمشي مثلَ ظلٍّ بيننا
يصطفُّ في الطّابور قدّامَ المخابزِ
هل يقاسمُنا رغيفَ الخبز مجبولاً
بما قد فاضَ من دمِنا؟
ويجلسُ في ليالينا الطويلةِ
حولَ موقدِنا
ويشربُ كأسَ شايّ
طافحٍ بدماءِ طفلٍ كانَ ينظرُ للسّماءِ
يراقبُ الصّاروخَ
يسألُ هل سيمنحَه دقائقَ
يشربَ الكأسَ الأخيرة ؟!
هل تآخينا ؟!
لِتَخطُفَ طفلةً في المهدِ
طفلاً لا يملَّ البحثَ عن يده التي سقطت
أمامَ نبعِ الماءِ
أعيُنِنا التي فاضت
بحزنٍ فاقَ بالمعنى
دلالةَ كلِّ هذا الموتِ
فلتتركْ لنا يا موتُ فاصلةً
لنبني فوقَ هذا الدربِ جسرًا
سوفَ نعبرُ فوقَه نحو الحياة...
*****
هل للقصيدةِ قُدرةٌ
حتّى تصدَّ الموتَ عن طفلٍ تَغَطّى بالرّكام ؟
أو تَجمَعَ الأشلاءَ
عن حَجَرٍ تَطايرَ في السّماء،
أشلاءَ طفلٍ
كي نُجَمّعَ ما تناثر من حروفٍ
فوقَ ساعدِه الطريّ،
كُتِبَتْ بدمعِ الأمهاتِ
لِنَستَدِّلَ على هويتِهِم
على أسمائهِم
إن مُزِّقت أجسادُهم
حتّى نعيدَ لهنّ آخرَ دمعةٍ
أو لهفةٍ
أو بسمةٍ
رُسِمَت على شفتينِ من خوفٍ
ومن أملٍ بأن ينجو
"لقد ماتوا وهم جوعى"
يضيعُ الصوّتُ في مدنٍ تُعلِّمُنا حضارتَها
على إيقاعِ هذا الموتِ
يا أمّاه ها جسدي
أعيديني لأذهبَ في الحكايةِ منذُ جئتُ إلى الحياة
لا ماءَ عندي غيرُ هذا البحرِ
لا لغةٌ تُدثِّرني سواكِ
هل للقصيدةِ قُدرةٌ
حتّى تصدَّ الموت،
وتُرجِعُني كما لو كنتُ
لكنَّ القصيدةَ شاهدٌ
حتّى ولو فوقَ الشواهدِ في القبور...
*****
لم يتركوا وقتًا لنا حتى نودّعهم،
ونحملهم على الأكتاف،
نصلّي في خشوعِ قلوبِنا الثكلى
على أرواحِه
فليمنحونا ساعةً
حتّى نجمّعُ ما تناثرَ من أصابعِهم
لقد نَفَذَت هداياكم من الأكفان
لا تنسوا مقاساتِ الصغارِ
إذا لكم سمحوا
ولا تنسوا بأن تُبقُوا لكم حصصا من الأكفانِ
هل يحتاجُ دفنُ كرامةِ الإنسانِ
للأكفان
هل أكفانُ كلّ الكون
هل تكفي؟
* شاعر وكاتب صحفي فلسطيني.