من غزة: مطلوب مبادرة سياسية تطلقها منظمة التحرير لإعادة الأمور إلى نصابها

2023-11-19

| وليد العوض*

مضى ما يزيد عن أربعون يوماً على جرائم الإبادة الجماعية الذي تمارسها دولة الاحتلال ضد شعبنا في قطاع غزة، حصدت خلالها أكثر من اثني عشر ألف شهيد وشهيدة، وألفي مفقود تحت الركام، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وأكثر من ثلاثين ألف جريح، وتدمير مئات الآلاف من البيوت وتشريد ساكنيها، فضلاً عن حصار واقتحام المستشفيات، وسيطرة جيش الاحتلال الغازي على أجزاء واسعة من محافظتي الشمال وغزة، في ظل صمود اسطوري يتجسد في رفض مخططات التهجير والاقتلاع.

إن هذا العدوان يترافق مع استمرار عمليات قتل المدنيين العزل وتدمير منازلهم، والاقتحامات العسكرية للعديد من القرى والبلدات والمخيمات في الضفة الغربية، وتوسيع وتكثيف الاستيطان  فيها، واستمرار مساعي تهويد القدس توطئة لتنفيذ خطة الضم والترانسفير التي اعتمدها حكومة الاحتلال الفاشية. ولا يخفى على أحد بأن العدوان يتم بمشاركة كاملة من الإدارة الامريكية وحلفائها، في ظل صمت عربي مخجل وتواطئ دولي غير مسبوق، لم يستطع أمام وحشية وحجم المجازر الصهيونية، منع تصاعد الاحتجاجات التي تقوم بها الشعوب الحرة في العديد من عواصم العالم رفضاً للعدوان، وللمطالبة بوقف حرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني.

وفي ظل استمرار هذا العدوان وزيادة وحشيته، تجري العديد من التحركات والاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين بعض دول المنطقة واسرائيل برعاية أمريكية، تتركز بالأساس على محاولة الوصول لصفقة تبادل  للمخطوفين مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، إلى جانب "هدنة مؤقتة" وفقاً لما هو متداول.

رغم ذلك، يواصل الاحتلال المماطلة ورفض مجرد هدنة حتى لو كانت مؤقتة، وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالً للشك، بأن دولة الاحتلال هذه تسعى لكسب المزيد من الوقت لتوسيع وتنفيذ جرائمها، وهي ماضية في عدوانها إلى أبعد مدى لتحقيق المزيد من الانجازات الميدانية، بما يمكنها من فرض من شروطها وأهدافها السياسية التي تصب في طاحونة تصفية القضية الفلسطينية.

إن هذا الواقع المرير، بات يتطلب من منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، سرعة التقدم لشعبها أولاً وللعالم ثانياَ، بمبادرة سياسية تحشد لها الدعم والتأييد السياسي عربياً ودولياً بما يضعها على الطاولة بكل قوة وحزم، مستندة في ذلك إلى صمود شعبنا وعدالة قضيته، بحيث ليس من الحائز أو المقبول بالرغم مما تقوم به القيادة الفلسطينية الرسمية من تحركات واتصالات لوقف العدوان، بأن تَدع السماسرة وأصحاب المصالح دولاً أو جماعات، باستمرار "البحث" وأحياناَ العبث في مصالح شعبنا وقضيته الوطنية، وتقديم فروض الولاء والطاعة للبيت الأبيض الأمريكي، لتعزيز مكانة دولهم على حساب حقوق شعبنا العادلة.

وما من شك في هذا الشأن، أن مثل هذه الخطوة الهامة، تتطلب بدايةً إجماعاً فلسطينياَ على الرؤية الوطنية الموحدة، انطلاقاً من الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني وتمثيله السياسي، كما وحدة أهدافه في إنهاء الاحتلال وحقه في مواصلة الكفاح لتحقيق وضمان الحرية والاستقلال، رؤيةٌ وطنية شاملة تتوحد بموجبها مختلف الجهود والطاقات للدفاع عن شعبنا في مواجهة حرب الإبادة وإحباط مخططات الاستيطان والضم والتهجير القسري، وكل محاولة تصفية  القضية الفلسطينية من أية جهة كانت.

إن مثل هذه الرؤية، يجب أن تنطلق من التأكيد أن حل الصراع  الفلسطيني الاسرائيلي وضمان الخروج من دوامة العنف المتجدد، يقوم أولاَ على الالتزام بتنفيذ جميع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بقضية فلسطين وجوهرها تمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه في العودة واقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وفقاً لقرارها 19/67 للعام 2012 بالاعتراف بدولة فلسطين، والتأكيد على أن لا يمكن القبول بأي مستقبل منفصل لقطاع غزة بمعزل عن كل أراضي الدولة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، والذهاب نحو المطالبة الجادة لعقد مؤتمر دولي للسلام تحت الرعاية الكاملة للأمم المتحدة، يتولى الاشراف على  تنفيذ قرارات الشرعية الصادرة عنها وبضمانات دولية، وذلك وفق جدول زمني محدد لإنهاء الاحتلال بكافة مظاهرة عن أراضي دولة فلسطين.

وفي هذا السياق ومع استمرار العدوان الوحشي، فإن المهمة المباشرة التي يجب ان تكون على سلم أولويات التحرك السياسي الفلسطيني، العمل على إلزام دولة الاحتلال الاسرائيلي على وقف فوري وشامل لإطلاق النار والمذبحة التي يتعرض لها شعبنا في قطاع غزة، مع توفير مظلة رقابة دولية لإلزام الأطراف كافة بذلك. هذا إلى جانب اخلاء سبيل الأسرى المحتجزين من النساء والأطفال وكبار السن من الجانبين، والشروع بمفاوضات برعاية دولية للإفراج عن جميع الأسرى، بما في ذلك تبادل الجثامين وفق آلية وجدول زمني وضمانات دولية ملزمة، ورفع الحصار الشامل المفروض على قطاع غزة، والسماح بتزويده بكافة متطلبات الحياة، وتوفير الظروف الملائمة لعودة النازحين إلى أماكن سكناهم ولبيوتهم المدمرة، والبدء فوراَ بعملية إعادة اعمار القطاع من خلال إنشاء صندوق دولي يشرف على ذلك.

إن قيام منظمة التحرير الفلسطينية ببلورة مبادرة سياسية تحظى بقبول وموافقة القوى الفلسطينية، وتشكيل وفد فلسطيني موحدة لمتابعة آليات تنفيذها على مختلف الصعد، سيكون له أبلغ الأثر في الحفاظ على وحدة شعبنا الفلسطيني وتمثيله السياسي، وسيغلق الطريق أمام محاولات الاستفراد بهذا الفصيل أو ذاك، ويغلق الأبواب المواربة لبث الفرقة والتسلل من بين ثقوبها للانقضاض على مجمل قضيتنا الوطنية.

إن مبادرة واضحة بإجماع فلسطيني متماسك، ستساعد بلا أدنى شك حلفائنا الفاعلون على المستوى الدولي، على طرح مواقف أكثر جدية وحسماً، ليس فقط لوقف العدوان، بل ومن أجل حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً، كما أن ذلك سيسهم أيضاً في اتساع دائرة الرفض الشعبي المتنامي على مستوى العالم لاستمرار هذا العدوان على شعبنا، والمطالبة في وقفه فوراً وفتح آفاق لتحرك سياسي جاد وفاعل لحل القضية الفلسطينية، ينهي آخر احتلال في التاريخ.  

* عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني.