المرابطون في غزة بين وسام الشهادة.... والمأساة الحقيقية !بقلم-طلعت الصفدي

2008-06-16

إذا كان الكاتب  بوعلي ياسين في كتابه " الثالوث المحرم"  يرى أن  المواطن العربي مثقفا أو جاهلا  في السياسة  محظور عليه مناقشة ثلاثة قضايا هي  (الدين والجنس والصراع الطبقي ) ، فان أنظمة القهر والاستبداد  والنظام الرسمي العربي تساهم بدورها في  توسيع دائرة الأصولية ، والتأسلم ، وتغييب  سلطة العقل والتنوير ،  وأساليب البحث والمنهج العلمي   ،  وفي عصر المتاجرة بالنفط  والدم  والعولمة المتوحشة  والليبرالية  يجرى الترويج لمقولات  ومفاهيم ومصطلحات خالية من المضمون التحرري والاجتماعي والديمقراطي ،  فليسمح لي أن أضيف قضية رابعة  وهى " المقاومة" أو "الممانعة " خصوصا على الساحة الفلسطينية.
أدرك من اللحظة الأولى أن طرح  مشروع المقاومة للنقاش على الساحة الغزية الملتهبة والمحاصرة  من الاحتلال ومن البعض  ، يجلب أسرابا من الدبابير المسمومة ، ويفتح  أوكارا وعشش  المصالح الأنانية  ، وتنهال حملات من الاتهامات التي لا حصر لها ، والتحريض والتشهير ، وكل أشكال الديماغوغيا ، والخداع  وخصوصا أولئك المستفيدين من استمرار هذا الشكل الوحيد من المقاومة ، سواء أكان يساريا أو يمينيا!!! ولكن لان دماء شبابنا الطاهرة ، تنزف بلا ثمن ،  وتسيل بلا ثمن وكأن أبناءنا ليسوا أبناءنا ،  ولان  خسارتنا فادحة  لا يمكن السكوت عليها فالسكوت  في هذه الحالة ليس من ذهب ، ولأنهم  يتساقطون قبل المعركة الحقيقية ضد الاحتلال كان لا بد من المخاطرة للدفاع عن دمهم ، وعن معاناة أهلهم  وشعبهم ، وحرصا على أن تكون المعركة ضد الاحتلال موجعة وتلحق به خسائر فادحة ، على طريق تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني .
ليسمح لي القارئ العزيز الذي أحترم عقله  ووطنيته ونضاله   ، أن يحاكم  الأشياء بموضوعية بعيدا عن الصخب الاعلامى  ،والتهريج العاطفي ،والدروشة عبر شاشات الفضائيات  فخير وسيلة للحكم على الأحداث  والمعارك التي يخوضها شعبنا بالنتائج التي يتم تحقيقها   ،  فحبل التضليل قصير ، والخداع لن يطول  ، وأن ينظر إلى القضية الفلسطينية  بوجهها التحرري فهي  ليست للكسب أو الفهلوة ، والمتاجرة بدم المواطنين الغلابا ، الذين يدفعون فاتورة الضحك عليهم ، عبر بيعهم سلعة الصمود والمقاومة ، دون أن يوفروا لهم  أي نوع من الحد الأدنى لمقومات  الصمود أو المقاومة ، فالفقراء دائما وأبدا يدفعون الثمن الباهظ ،  وفاتورة الحرب والسلم.
المقاومة حق مشروع ، وليست مقدسة ، وهى واجب وطني وأخلاقي .
المقاومة علم وفن،  وليست ارتجاليه،  أو عفوية  ، هي أداة  وأسلوب وليست هدفا .
المقاومة ليست على النجدة هيا يا رجال  وخلى السيف يحن ويرن  .
المقاومة أسلوب عمل ، وخطة وبرنامج مدروس بدقة ، وجبهة مقاومة موحدة.
المقاومة ليست عملا عسكريا فقط بل نضالا اقتصاديا وسياسيا وفكريا .
المقاومة  تصبح انتحارا  بدون مرجعية سياسية ، وهدف سياسي واضح ومحدد .
المقاومة  ليست خارج  قوانين التطور في المجتمع  تأخذ بعين الاعتبار العوامل الخارجية الإقليمية والدولية و مجمل الظروف الموضوعية والعوامل الذاتية .
المقاومة تدرك قواها المحركة الأساسية لها ، فليست وقودها الناس والحجارة .
المقاومة ليست للتسابق وتسجيل النقط والاستعراضات وردات الفعل ، ليست جهوية أو حزبية أو فئوية. المقاومة شعب بأكمله  جماهيريا وشعبيا وديمقراطيا وليست فقط مجموعات وأفراد.
الوطن ليس ضيعة ، وحقلا  للسمسرة ، والكسب الشخصي ، أو المنافسة الفصائلية.
إن أي  خطأ  في حسابات وتكتيكات  المقاومة يدفع ثمنه  المشروع الوطني التحرري،  والشعب من أبنائه وبناته من ممتلكاته ومزروعاته .
وللوطن كل الحق في أن يدافع عنه ويحميه  أهله ضد المحتلين والغزاة ضد الاحتلال والاستيطان ، وضد كل العملاء والخونة .
لقد شكلت ظاهرة المرابطين  على حدود غزة نقلة في العمل الكفاحي ،  وتطورا  في العمل المقاوم  ورصدا لتحركات العدو  لآلياته العسكرية ومجنزراته  ودباباته ، ووحداته الخاصة وعملائه  ،  ولكن هل شكلت رصدا لطائرات العدو أف 16 أو طائرات الاستطلاع دون طيار ( الزنانة ) التي ترصد بدورها  تحركات المرابطين  بدقة فتوجه القذائف والصواريخ المسمومة  لتنقض عليهم دون رحمة ولا شفقة ،  وتحول الأجساد الطاهرة إلى أجساد متفحمة ، قبل الوصول إلى أهدافها.
إن المتتبع لعدد الشهداء والخسائر البشرية من المرابطين  يصيبه الجنون والفزع ، لتزايد أعدادهم ، ولنجاح أفخاخ الاحتلال في الإيقاع بسهولة بهم وهم يتسابقون للشهادة ، دون أخذ الحيطة والحذر ، وكأنهم يقاتلون بالسيف أو الرمح ، ألا يعرفون أن  الاحتلال يستخدم أحدث  وسائل الاتصال والتكنولوجيا  في رصدهم ومتابعتهم  حتى يكونوا على مرمى من قذائفه وصواريخه ؟؟ ألا يعرفون أن إسرائيل تسيطر على موجات  التردد السلكية واللاسلكية ، وهى موجات معروفة لها ، وان الجوالات المختلفة يمكن مراقبتها والتصنت عليها ومعرفة  كافة المحادثات حتى وان كان الجوال مغلقا ؟؟!! ولماذا يتم الرصد فقط بالعين المجردة ، فهل نستخدم أدوات ووسائل ذات تقنية عالية في رصد تحركات العدو ، والتعامل معه بطريقة تجنبنا الخسائر .
شهيد ، شهيدان ،ثلاثة شهداء، خمسة شهداء ، ثلاثة عشر شهيدا  وعشرات الجرحى يوميا ،  والحبل على الجرار وكأننا  في مزاد علني ، وكأن حجم الخسائر البشرية والمادية  لا يهم  القادة والمسئولين ، ولا يحرك مشاعرهم ( تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم فلا تهتز لكم قصبة ) كما قال الشاعر المتمرد مظفر النواب  !!!  فهل تأقلمنا  واستهوينا هذا المشهد المأساوي  أو تحول لعادة  ؟؟؟  وهل  إذا ما مر يوم بدون شهيد أو جريح  لا يعتبر  يوما مجيدا ؟؟؟ !!!  أليس  من الحكمة إعادة النظر في التكتيكات والأساليب والأدوات  ؟؟؟ وخصوصا أن المناطق الحدودية أصبحت ممسوحة  ومستوية كملعب كرة القدم ، وتقع تحت بصر وسمع  ومرمى جنود الاحتلال وصواريخه  وطائراته حيث يسهل اصطياد أبنائنا المرابطين.؟؟؟
وفى هذا السياق ، هل يمكن التوقف كليا عن إطلاق الهاونات  والصواريخ من بين المنازل والبيوت والأبراج السكنية ، لتجنيب أهلنا ردات الفعل الإرهابية الصهيونية ، ومذابحه المتكررة ؟؟؟  وهل يمكن إعادة النظر   والتراجع عن تخزين السلاح والمتفجرات في المنازل  والمحال التجارية تحسبا لحدوث خلل  فني ، أو قصف احتلالي يودى بحياة الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ من شعبنا ، ويلحق الدمار بمساكنهم التي لا يملكون سواها   ، خصوصا أن شكاوى المواطنين  قد تصاعدت  في الآونة الأخيرة ،  وخلقت مصدر قلق وخوف على مصير   بناتهم وأطفالهم من مجهول مؤلم وخسائر فادحة .
لا معنى لمقاومة تستهدف بشكل دوري  المعابر الحدودية  التي تشكل الشريان الحيوي لنبض الحياة في غزة ،  والرئات التي يتنفس منها المواطنون ، والتعمد بإطلاق  الهاونات والصواريخ محلية الصنع عليها ؟؟؟   فمعبر المنطار - كارنى  ( معبر المواد الضرورية والتجارية )   ،  ومعبر السبع – نحال عوز  ( معبر المحروقات المختلفة كالسولار والبنزين والغاز )  ، ومعبر بيت حانون - ايرز ( معبر الذهاب والإياب للمواطنين المرضى والمسافرين ) ومعبر صوفيا  ( ألان تحول إلى المعبر التجاري الوحيد لنقل المواد الغذائية من إسرائيل إلى غزة بعد أن توقف معبر كارنى )، ومعبر كرم أبو سالم ( معبر المواد الغذائية التي ترد من مصر والخارج والمساعدات الدولية )  ، ومعبر رفح الحدودي ( المعبر الوحيد بين مصر والعالم  وفلسطين ) إلا إذا كان الهدف منها  إجبار الاحتلال على جلب ردات فعله بإغلاقها ، للإبقاء على تجارة الأنفاق الوحيدة  التي تحولت إلى ميناء حيوي للابتزاز ، وسوق مؤممة ،  والمتاجرة بكل شيء ، وكل ما يخطر على  البال ،  وتنامي شريحة  ارتبطت  مصالحها فقط  بإغلاق المعابر  ، باعتبارها مصدر الكسب السريع والفاحش  !!!!
فهل يمكن تجنيب المعابر هذا الاستهداف المتعمد ، لان المجتمع لا يمكن أن يعيش على التهريب ،   والعمل على فكفكه الحصار ، وفتح المعابر وإنهاء الحصار ،   والإسراع في  الحوار الوطني الشامل ، وتنفيذ المبادرة اليمنية ، والتوجه لتمتين الجبهة الداخلية ، ورص الصفوف كونها الضمانة الحقيقية للمقاومة والصمود ،ومن أجل تهدئة شاملة ومتزامنة ، والتواصل الجغرافي والسياسي مع أهلنا  في الضفة الغربية  وعلى طريق إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ، وتجنيب شعبنا في غزة من عمليات الاجتياح الإسرائيلية ، وسحب كافة المبررات والمزاعم   التي تحاول تسويقها للرأي العام العالمي   ، والعمل معا من أجل  سلطة مركزية  واحدة للشعب الفلسطيني ، وسلاح واحد ،  وقانون واحد ، وجيش واحد، وعلم واحد للشعب الفلسطيني .
إن الإنسان الفلسطيني هو أغلى ما يملكه الوطن ، والشباب هم دعائمه لا بد من حمايتهم ورعايتهم ، ورفع مستوى وعيهم السياسي والوطني والاجتماعي والديمقراطي  والاخلاقى ، وتعزيز انتماؤهم للوطن والشعب ،  ورفع جاهزيتهم  لمقاومة الاحتلال ،  والدفاع عن الوطن والمواطن  ، وليس دفعهم  للانتحار بلا ثمن بهدف  تسجيل عدد الشهداء والجرحى والمعاقين والمشردين ،فأبناؤنا هم من دمنا ولحمنا لا  بد من أن نحافظ عليهم  ونجنبهم الاستشهاد المجاني ، فهم أثمن ما نملكه .

طلعت الصفدى غزة – فلسطين talat_alsafadi@hotmail.com