أبدع في حمل الرسالة وفي تعميمها. بقلم: الكاتب محمود شقير

2015-10-13

2015/10/13

أبدع في حمل الرسالة وفي تعميمها

بقلم: الكاتب محمود شقير

نحن الآن في حضرة رجل عصامي، من جيل كان له فضل كبير على الأجيال. وحين نتذكر ذلك الجيل، ونذكر مزاياه فإننا لا نفعل سوى رد الفضل إلى أهله، وتقديم الشكر والعرفان لمن هم جديرون بالشكر والعرفان، وفي أولهم المعلم المربي اللغوي الشاعر الإنسان حنا فارس مخول.

هذا الرجل المجد الذي ارتبط اسمه باسم أستاذه المعلم المربي اللغوي الأديب الإنسان خليل السكاكيني، فكان التلميذ خير وارث لتراث أستاذه، وخير معبر عن أفكاره واجتهاداته ورؤاه، فقد أبدع الأستاذ الأول من خلال نظريته الحديثة ليس في التربية والتعليم، وإنما في التربي والتعلم كما كان يقول، تلك النظرية التي تحترم شخصية التلميذ، وتجعل من المدرسة مجالاً لممارسة الحرية، لا سجنًا لتلقين التلاميذ ما هو جامد ميت من معلومات.

وقد أبدع الأستاذ حنا فارس مخول في حمل الرسالة، وفي تعميمها على أجيال من تلاميذه طوال فترات اشتغاله مدرّسًا معنيًّا بإعداد جيل محب للغة العربية، متفان في خدمة الوطن، متفتح العقل، بعيد من التعصب والتزمت والمغالاة. 

ولقد نحا الأستاذ المرحوم نحو أستاذه السكاكيني في خدمة الأجيال من أبناء شعبه وفي الولاء لأسرته الصغيرة، بتقديم أفضل ما تنطوي عليه نفسه من ثقافة وفكر ومن قيم ومفاهيم، فكان لنا في هذه الأسرة المناضلة عصام وأمير وبقية البنات والأبناء. 

وحين يكتب الأستاذ عن أستاذه الذي يصفه بأنه "سيدي ومعلمي ومثلي الأعلى"، فإنه يكتب عن "إنسانيته، والقيم العالية التي حرص عليها، والمثل الراقية التي وضعها نصب عينيه، والمبادئ السامية التي تمسك بها، تكريمًا للإنسانية في شخصه، وإكبارًا لتلك القيم وإشادة بتلك المثل، وتقديرًا لما تحلى به من الفضائل، وتحسينًا في عين الجيل الصاعد لمزاياه وسجاياه".

ويصف الأستاذ في بحث كتبه عن أستاذه الأفكار التي آمن بها السكاكيني وتأثر بها تلاميذه، ومن ضمنها ما يذكره في إحدى رسائله إلى ابنه سري، يقول: "خليق بنا إذا كنا من أبناء آدم ألا نهنأ العيش، إلا إذا عملنا على إزالة الشقاء والألم والظلم والفقر والمرض من هذه الأرض، إلا أذا حاولنا بكل ما لدينا من قوى ووسائل أن نجعل من الأرض سماء".

وحين يتحدث الأستاذ عن أستاذه خليل السكاكيني فإنه يفعل ذلك بصدق وحميمية، يقول: "من عرف الأستاذ السكاكيني معرفتي به، وكان قريبًا منه كما كنت واطمأن إليه كما اطمأننت، ولمس من عطفه وكرمه ما لمست، لأكبر فضله كما أكبرت، ولأيقن أن هذا الرجل قد عاش في غير زمانه، وأنه كان صاحب رسالة تعد الأجيال لزمان يكثر فيه أمثاله."

نعم، هذا الرجل عاش في غير زمانه مثلما عاش حنا فارس مخول في غير زمانه. 

ذلك أننا بعد هذا الكفاح المتواصل على جبهة الوعي الذي مارسه خليل السكاكيني وتلاميذه، ومن بينهم، وفي أولهم حنا فارس مخول، فإننا اليوم ما زلنا في حاجة ماسة إلى تغيير جذري في مدارسنا التي تعتمد التلقين بديلاً من البحث والاستنتاج والتمحيص والاستقراء، وإلى تغيير جذري في المناهج المدرسية البعيدة من منطق العصر وروحه، لكي تظفر بلادنا بأجيال جديدة بعيدة من التطرف والتعصب الديني والعرقي والمذهبي والمغالاة والإقصاء. 

ومثلما ترك الأستاذ السكاكيني أثره على عقول تلاميذه، فإن الأستاذ حنا فارس مخول ترك هو الآخر أثره على عقول كثيرين من تلاميذه، وسيترك هؤلاء التلاميذ أثرهم على تلاميذهم إلى أن نصل إلى جيل قادر على تحقيق أحلامنا المشروعة في وطن حر سعيد، مبرأ من قيود الاحتلال، ومن التمييز العنصري والعسف والتطرف، والبقاء في الماضي بديلاً من التفكير في الحاضر والمسقبل.

لأسرة الأستاذ حنا فارس مخول ولتلاميذه ولمحبيه ولأبناء شعبه خالص العزاء، وله المجد وبقاء الذكرى والوفاء.