هيستيريا التعامل مع الحراك الطلابي لماذا؟

2024-04-27

| هاني عرفات *

قبل حوالي الشهرين،  وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن أجاب  على سؤال وجهه له صحفي اميركي ،حول رأيه في تغير الرأي العام الأميركي لصالح الفلسطينيين، حسب استطلاعات الرأي بالقول: إن الحكومة الاميركية لا تبني سياساتها بناء على نتائج استطلاعات الرأي العام، إنما طبقاً لمنهج الدولة في التعامل مع القضايا المختلفة.

وهذه حقيقة، كون المؤسسة الحاكمة بشقيها التنفيذي والتشريعي، تدين بالولاء لأصحاب الاحتكارات واللوبيات المختلفة، التي تقدم لهم التبرعات السخية في الحملات الانتخابية وليس للناخب. وبعد الانتخابات يشترك الطرفان الداعم والمدعوم في تسويق السياسة التي يريدون للجمهور، مستعينين بذلك  بآلة اعلامية ضخمة هي الأخرى مملوكة لأصحاب الاحتكارات. هذا للتبسيط لكن الأمور طبعاً أعقد من ذلك بكثير.

فمن أجل إحكام السيطرة، تسخر الميكانيزمات الاقتصادية وبشكل مكثف لطحن المواطنين في عجلة اقتصادية، تبقيهم رازحين تحت هذه الاحتكارات، ويجري إخضاع قطاعات واسعة بهذه الطريقة، وتدجين بعضها الآخر مثل الاتحادات العمالية والمهنية ، لكي لا تخرج عن نطاق السيطرة.

من هنا تأتي الهستيريا غير المسبوقة في التعامل مع الهبة الطلابية التي انطلقت شرارتها في جامعة كولومبيا، وانتقلت مثل النار في الهشيم، لتشمل جامعات كثيرة، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في بلدان غربية كثيرة أيضاً. حيث شملت الاعتقالات حتى هذه اللحظة ما يزيد عن خمسمائة طالب وموظف جامعي، هذا يحدث في الولايات المتحدة وليس في أحد بلدان العالم الثالث.

تعتبر هذه الجامعات مصنع القيادات المستقبلية، جزء منهم من أبناء الطبقة الحاكمة، وهذا أمر خطير بالنسبة لصناع القرار ومعدي الخطط المستقبلية، لكن هذا ليس كل شيء، الأمر الأكثر مدعاة للقلق بالنسبة لهؤلاء، هو أنه من الصعب السيطرة على الحركة الطلابية.

الطلاب وإن كانوا ينتمون الى طبقة بعينها، فإن القناعة السياسية لديهم هي ما تضبط حركتهم، ومحاولة قمع الحراك زادت النار لهيباً.  هؤلاء الطلاب نشأوا على مفاهيم معينة تفيد بأن لديهم حقوق دستورية مقدسة، مثل حق التعبير عن الرأي مثلاً، وهم يرون فيما تفعله ادارات الجامعات تعدياً سافراً على هذا الحق. لذلك أصبح لهم مطلبان الان، المطلب الأساسي الداعي إلى وقف المساعدات والاستثمارات التي ترعاها جامعاتهم مع إسرائيل وكذلك وقف التعامل مع المؤسسات التي تدعم اسرائيل، والآن أضيف لها قضية أخرى هي التعدي على حقوقهم الدستورية كمواطنين أمريكان في التعبير.

ما يحدث الآن علامة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة، وسوف يكون له بصمته على المستقبل أيضاً، ولا يمكن الاستهانة به.

المسألة ليست مسألة طلاب عرب أو أجانب في هذه الجامعات، هناك مد حقيقي تظهره استطلاعات الرأي بكل دقة، وهذا المد يحتمل أن يتحول الى تسونامي من الصعب إيقافه، ويجب على هذه الدوائر التي تحكمت بالقرار صنعاً وتسويقاً أن تشعر بقلق شديد.

* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في أمريكا.